ذكرى الجلاء
جاءت مُخيبة كمثيلاتها السابقات في ظل نظام القمع
هيثم المالح
إياس هيثم المالح
(ولا ترجُ السماحة من لئيم فما في النار للظمآن ماء)
مع كل ما صاحب ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن بلادنا سورية لهذا العام من الآمال المُتفائلة للإفراج عن مُعتقلي الرأي وحلحلة الأمور الإنسانية وبعض الإنفراجات بعد أن سُحبت من النظام كل الذرائع التي كان يتحجج بها كادعاءاته السابقة بالحصار والضغوط وما شابه ، لكن كل تلك التوقعات جاءت مُخيبةٍ للآمال والتوقعات ، بما لايدع مجالاً للشك للدلالة على تعنت نظام القمع البوليسي الإرهابي ، وما اتخاذه لتلك الأسباب في السابق من الذرائع سوى لتكميم الأفواه وخنق شعبنا السوري ولجم أحراره ومناضليه ومفكريه ونُشطائه ، إذ لم يُفرج في الأيام الماضية وبعد طول انتظار ، إلا عن أصحاب الأمراض المستعصية وعددهم 36 موقوفاً بموجب القرار الرئاسي ، كي لايموتوا في الزنازين ، ليتحمل النظام تبعات احتجازهم القهري بموجب قوانينه الجائرة التي لاتقرها الشرائع السماوية ولا الأرضية
وما آثار اندهاشي وتعجب جميع المُتابعين للشأن السوري وحقوق الإنسان ، هو عدم الإفراج عن والدي الشيخ الثمانيني الحقوقي الشهير هيثم المالح حفظه الله لنا ولأسرته ولشعبه وأُمته ، والذي اختطفته السلطات السورية في 14 تشرين الأول 2009 بعد لقاءه التلفزيوني ، وعُرض بعدها على محاكم عسكرية ، تخالف العديد من الضمانات الواجب توفرها في محاكمة عادلة،، رغم مُعاناته الشديدة من آلام الشيخوخة والأمراض المُزمنة وأهمّها : السكّري وقصور الغدّة الدرقية وغيرها ... وهو لايحتمل جسده النحيل كل هذا الظلم ، حتّى أصبحت حياته مُعرضة للخطر الشديد وهم لايُبالون ، بل وكأنهم يستهدفون التخلص منه ، عبر منعهم الدواء عنه لمرات عديدة ، مما أدى إلى تدهور خطير في حالته الصحية ، مما استدعاني للقيام على إثر ذلك السفر لجنيف لعرض قضية والدي ومُعتقلي الرأي والضمير أمام مجلس حقوق الإنسان هناك رغم معرفتي المُسبقة بأهداف والدي وحتى وهو في رهن الإعتقال ، بأنه لايطلب السلامة لنفسه ، بل هو على الدوام قد وضع نفسه ككبش فداء لشعبه ولجميع المُعتقلين والمواطنين ليتعرفوا على حقوقهم من وراء صموده الأسطوري على مدار حياته التي قضاها مابين المُعتقلات والمحاكم ، وهو لايفتأ وهو يكرر على مطالبة الشعب بحقوقه المشروعة ، وليُدافعوا عنها ولا يُفرطوا بها أبدا بعد اليوم ، وكان هو أول الدافعين للأثمان الباهظة من وراء مطالبه لحرية وديمقراطية وتغير ملامح البؤس السوري في ظل نظام العسكرة والطوارئ والقوانين الاستثنائية الجائرة والمحاكم العسكرية الظالمة ، إلى المقلب الحضاري الأصيل المعروف تاريخياً عن هذا البلد
وكان أحدث هذه المشاهد وعند وقوف الوالد امام القاضي العسكري يوم الثامن من ابريل لهذا العام ورفضه لاستمرار المحاكمة في ذاك اليوم لانه لم يعطى حقه خلال الستة اشهر الماضية في الاختلاء بمحامي لجنة الدفاع عنه وطالب القاضي العسكري باصدار أمر الى ادارة السجن بالسماح له بلقاء محاميه من غير وجود مراقب عسكري لتسجيل اللقاء وهذا ماحدث وتم تأجيل المحاكمة بناء على طلب الوالد لغاية الثاني والعشرون من شهر ابريل لهذا العام
إن مايجري في سورية من اضطهاد وممارسات عنصرية تسلطية مقيته واستعباد للشعب وسلب لحريته وكسر إرادته ، عبر إرهابه والزج بأحراره ومُفكريه في غياهب السجون أمر يفوق الخيال تصوره ، مُذكراً بمُعتقلي إعلان دمشق - كما ورد عن أحد الكُتّاب – الذي أورد بان مُعظم معتقلي الإعلان قد حوكم بسنتين ونصف أواخر عام 2007 ، أي قد قضوا مُعظم العقوبة ، ولم تُستغل أي مُناسبة ولاسيما هذه المناسبة العزيزة على كل سوري للإفراج عنهم، وعلى رأسهم الطبيبة والكاتبة رئيسة الإعلان فداء الحوراني، وكُلاً من الطبيب أحمد طعمه، والأستاذ أكرم البني، والمُدرس الكاتب جبر الشوفي، والنائب السابق رياض سيف، والكاتب الصحفي علي العبدالله، والفنان التشكيلي طلال أبو دان، والناشط الحقوقي فايز سارة، والمهندس الكيميائي محمد حجي درويش، والطبيب وليد البنّي، والمهندس الجيلوجي مروان العش، والشاعر الأكاديمي ياسر العيتي.
وما ورد على لسانه أيضاً عن مُعتقلي المجتمع المدني المُسجونين في سجن صيدنايا العسكري، لكل من السيد نزار رستناوي المحكوم في ابريل 2004 بأربع سنوات انقضت، ورياض درار الناشط الإسلامي بخمس سنوات، والمحامي أنو البني المُعتقل في أيار 2006 بخمس سنوات، والمهندس الزراعي مشعل تمّو المحكوم بعام 2008 بثلاث سنوات ونصف، والكاتب الصحفي حبيب صالح المحكوم في أيّار 2008 بثلاث سنوات، والطبيب كمال اللبواني المحكوم بعام 2005 ب 12 سنة، والمحامي الناشط الحقوقي رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان مهند الحسيني، المُعتقل منتصف عام 2009 دون مُحاكمة
وكذلك مُعتقلي النشاط الشبابي الديمقراطي بما سُمّي بمعتقلي النت، وكل مُعتقلي الرأي والضمير والفكر والمُدافعين عن حقوق الإنسان ، وممن اتهموا بالانتساب لجماعة الإخوان المسلمين، وجميعنا لاينسى آخر المُعتقلين الرمز الوطني الكبير، شيخ الحقوقيين القاضي المعروف رئيس جمعية حقوق الإنسان في سورية سابقاً، الرجل الثمانيني الأستاذ الكبير هيثم المالح، والفتيات الزهور الطالبتين طل الملوحي وآيات عصام احمد
وأخيراً أقول : بأنه من المؤسف ألا تُستغل الذكرى الرابع والستين لذكرى جلاء المستعمر التي قُدمت فيه التضحيات الجسام للإفراج عن جميع معتقلي الرأي والضمير والمُدافعين عن حقوق الإنسان ، ومن المؤسف ألا تسعى السلطات السورية إلى تغيير وجهها القبيح ، بعد مايُقارب من نصف قرن من تسلطها المشؤوم على مُقدرات الدولة ، وهي لم تُقدم أي شيء يُذكر لهذا البلد سوى القمع والبطش والإرهاب والاعتقال الجماعي ، وجعل سورية أشبه مايكون بسجن كبير ، لايُسيطر عليه إلا الفاسدين والمُفسدين وأصحاب الأحقاد والضغائن ، الذين يمنعون أي جهد للإلتقاء والمُصالحة الوطنية وإفراغ السجون من معتقلي الرأي والضمير ، خدمة لمصالحهم الضيقة ، وأطماعهم الرخيصة ، وشعبنا يعيش أجواء الاستبداد والبطش والإرهاب ، وجزء كبير منه يعيش في المنافي القسرية في أسوأ الظروف ، لنأمل مرّة أخرى كما جاء في بيان التيار الإسلامي الديمقراطي في الداخل السوري "بأن يستفيد العقلاء ممن يملك القرار من معاني الاستقلال ودروس الاستقلال من حكم الشعب لنفسه عبر آلية الانتخاب الحرّ النزيه والتعددية الحزبية وتداول السلطة وصولاً إلى الديمقراطية العادلة حيث لا رقابة على الفكر سوى رقابة الضمير والعدالة الاجتماعية المنشودة للإرتقاء بمستوى الطبقات الفقيرة المسحوقة في ظل الفساد والرشوة والمحسوبية الجاثم على صدور المواطنين جميعاً ,وليتذكّر الناس جميعاً وعلى رأسهم الحكّام أنّ يوم المظلوم على الظالم هو أشدّ من يوم الظالم على المظلوم ولتعلمٌنّ نبأه بعد حين .