البريطانيون والبصرة
البريطانيون والبصرة..
تسليم أم هروب!!
د. ياسر سعد
إتسمت الشعارات والاطروحات التي رافقت غزو العراق واحتلاله بكثير من الاكاذيب والافتراءات والتزييف والتزوير وتم لي الحقائق وقلبها وتشويهها. فالاحتلال سمي تحريرا, وتدمير العراق وبنيته التحتية أصبح إعادة تعمير, وتجويع المواطن العراقي وإذلاله صار من ثمار الديمقراطية والتمتع بالحرية الشخصية.
ولعل اكاذيب المحتلين ممن ارتكبوا جرائم حرب وأقترفوا الموبقات الاخلاقية والانسانية في العراق لم تنقطع, ولعل اخرها كان ما سمي بتسليم أمن البصرة للقوات العراقية وإنسحاب الاحتلال البريطاني منها. فبعد ما يقارب من خمس أعوام عجاف من الاحتلال البريطاني للمدينة والمساهمة في صناعة الحاضر وأحواله والتي يعاني فيه العراق من انفلات الامن وسيطرة المليشيات وفرق الموت والنهب على كثير من أجزاء البلاد ومن ضمنها البصرة, جاءت مهزلة الانسحاب البريطاني المعلن والاحتفاء الزائف به لتضيف أكذوبة جديدة على أكاذيب المحتلين وتقدم برهانا اخر على إفتقادهم للقيم والاخلاق.
حكومة الاحتلال والتي يقودها المالكي رحبت بالانسحاب البريطاني معلنة عن جاهزيتها الكاملة لإستلام المهام الامنية في البصرة, فيما كانت تلك الحكومة قد طالبت ومنذ أيام قلائل من مجلس الامن التمديد عاما إضافيا لقوات الاحتلال في العراق. من جهة أخرى قال علي الدباغ المتحدث باسم الحكومة العراقية في تصريحات نقلتها فضائية "العراقية" ان العراق سيكون في حاجة لمساعدة القوات الأجنبية للدفاع عن أراضيه لمدة عشر سنوات مقبلة على الأقل. من الصعب على المتابع أن يوافق بين هذا التناقض الصارخ في المواقف الحكومية, من غير الاقتناع بعبثية تلك الحكومة وبارتباطتها الخارجية والتي تدفعها لاتخاذ مواقف أبعد ما تكون عن مصلحة العراق بلدا وشعبا!!
البريطانيون يسلمون العراقيين الامن في البصرة بعد أن سلبوه منها, فحين زار رئيس الوزراء البريطاني البصرة مؤخرا لم يعلن عن الزيارة الا بعد مغادرته للمدينة لإسباب أمنية, كما أختصرت احتفالات تسليم الامن للعراقيين والتي كان من المزمه اجراؤها بسبب الظروف الامنية. في حين نسبت صحيفة صندي تايمز إلى قائد شرطة البصرة اللواء جليل خلف اللواء خلف قوله ان الميليشيات، وعددها 28 مسلحة تسليحاً أفضل من رجاله وتسيطر علي موانئ البصرة التي تدر عليها مبالغ طائلة من الأموال وتنتفع من الصادرات النفطية وتقوم باستيراد الأسلحة من ايران. واضاف بامكانك تهريب دبابة عبر حدود البصرة ان اردت. واشارت الصحيفة الي أن مسؤولاً عراقياً زار البصرة بمهمة تفقد مينائها تعرض للاختطاف والتعذيب وأُخلي سبيله بعد أن وعد خاطفيه بهدية. وفي الوقت الذي رفعت فيه لافتات حكومية في المدينة ترحب بتسلم القوات العراقية الملف الأمني كانت لافتات التأبين حاضرة بشكل لافت للأنظار مما يعطي انطباعا سيئا عن حجم الاغتيالات اليومية التي تشهدها البصرة!! فماذا يسلم البريطانيون في البصرة ولمن؟؟!!
البريطانيون والامريكيون لم يحركوا جيوشهم من أجل سواد عيون العراقيين. دافعهم الاساسي إن لم نقل الوحيد هو المصالح ضمن الحاجات والامكانيات. في تقرير نشرته صحيفة «صنداي تلغراف» في 18-11-2007 حذر رئيس الأركان البريطاني ريتشارد دانات من أن طاقات الجيش البريطاني الذي يواجه مشكلة بسبب تراجع معنويات جنوده، وصلت إلى أقصاها. وقال دانات إن مستوى المساهمة الحالي في العمليات المطلوب من الجيش في العراق وأفغانستان لا يحتمل وان عدده لا يكفي. ويؤكد التقرير الذي وضع استنادا إلى شهادة آلاف الجنود إن عددا متزايدا من العسكريين لم يعد يؤمن بالحياة العسكرية وان عدد كبير منهم يفكر في ترك صفوف الجيش. وذكرت الصحيفة الانجليزية أن وزير الدفاع البريطاني ديس براون قال إن العراق وأفغانستان يستنزفان الكثير من قدرات الجيش.
الانسحاب البريطاني توقيتا وكيفية تم لإن الجيش البريطاني منهك ومرهق, أما أن تسيطر الميليشيات على البصرة ويغتال فيها الابرياء ويعيشون في الرعب والخوف تحت رحمة ميليشيات القتل والارهاب, فهذا أمر لا يشغل المحتلين كثيرا. البريطانيون يفرون من البصرة بعد تدمير الامن فيها وسيطرة المتعاملين مع إيران عليها وعلى مواردها. على ساسة العراق الوطنيين تبني مطالبة قوات الاحتلال بدفع تعويضات للعراقيين جراء الخراب والدمار الذي سببته وتوريث تلك المطالب للاجيال القادمة.