سوريا لنا.. ونحن لسوريا
سوريا لنا.. ونحن لسوريا
جمال أحمد خاشقجي
هل اقتربت ساعة عودة سوريا الوطن والشعب إلى محيطها العربي الطبيعي؟. هناك إشارات قوية لذلك، تضاف إلى قوة التاريخ التي تحركت داخلها مع أجواء الانفتاح في العالم، وسقوط الأنظمة الشمولية وعلو كلمة اقتصاد السوق، ويضاف إلى ذلك كله زيادة أخطاء النظام هناك.
و"الأخطاء" سيئة دوما ولكنها أسوأ عندما ترتكب في الوقت الخطأ. ونصيب الحكم في سوريا منها الكثير، بعضها هائل يرقى إلى خطيئة صدام حسين في غزو الكويت والتي ما دار الزمن دورته إلا وقد دفع ثمنها رغم مناوراته العديدة بعدما حسبها ذكاء وفطنة. وأخطاء أخرى أقل فداحة ولكنها تصب في بحر الخطيئة الأكبر، المتوقف عن اللغو فيها ريثما تنهي المحكمة الدولية أعمالها، وهي تصريحات نائب الرئيس فاروق الشرع الطائشة في حق المملكة حكومة وشعبا، لتزيد من عزلة نظام معزول، ولكن ـ وهذه من غرائب حركة التاريخ ـ قد تساعد على حسم التردد في التعامل مع " المستقبل" السوري. ستصعد القوة الأكبر في المنطقة من ضغطها في الغالب، وتبلور سياسة جديدة أكثر تفاعلا مع القوى المؤثرة في داخل وخارج سوريا، ومن ثم تُسرع عجلة التاريخ، وتيرة عملية التحول الجارية لا محالة لتصل إلى هدفها النهائي.
تحدث فاروق الشرع قبل أيام في موضوع يستفز المواطن السعودي قبل الدولة، عندما ألمح إلى أن تقسيم العراق قد يقود إلى تقسيم المملكة.
لا بأس أن يقول مسترزق في صحيفة مجهولة النسب شيئا كهذا، فهو مدفوع له أو موظف يقول ما يطلب منه، ولكن أن يقولها رجل في منصب وزير للخارجية عتيق في مهنته يفترض أن يكون فطنا، حريصا على علاقات سوريا الخارجية، خاصة مع الدولة الأقوى في المنطقة والمؤثرة والتي ينظر إليها السوريون مراقبين أية إشارة تصدر عنها فيما يخص بلادهم واحتمالات التغيير فيه، رجل كهذا يسيء بلا شك إلى مصالح النظام الذي ينتمي إليه، ولكنه من جهة أخرى قد يساهم في حسم موقف سيصب بالتأكيد في مصلحة سوريا الوطن والشعب بدفع حركة التاريخ المتباطئة بحكم الظروف الإقليمية المحيطة والتوترات السائدة في المنطقة والتي من حق السوريين وأجهزتهم الأمنية أن يفخروا "بإنجازاتهم" في صنعها، إن صح أن يسمى فعلهم في العراق ولبنان إنجازات.
منذ عقود وسوريا تعيش بين قوسين، في حالة استثنائية، وازدادت هذه الحالة تطرفا، فأبعدت سوريا العربية المسلمة عن محيطها الطبيعي، لم تعد الشام شاما للجزيرة والعرب، وإنما هي امتداد طائفي قسري، ولا يعني هذا رفضا لصداقة سورية إيرانية، فالمملكة نفسها حريصة على علاقة جيدة مع إيران وانفتاح اقتصادي وسياسي عليها، ولكن سوريا منا ونحن منها، ولا يحق لأحد أن يفرض عليها علاقة بعيدة عن دوائرها الطبيعية تاريخيا وقوميا ودينيا.
سوريا وبصريح العبارة ليست فارسية التاريخ والعرق ولا شيعية الهوى، سوريا يمكن أن تتحد مع مصر والعراق، وقد فعلت ذلك أكثر من مرة، ويمكن أن تشكل هي ولبنان والأردن سوقا مشتركة وقوة اقتصادية يوما ما عندما يحصل الانفتاح الاقتصادي الحقيقي في سوريا وليس "الانتقائي" الحالي وتعود به الأسر الاقتصادية العريقة والبيوتات التجارية التي نجحت في الخليج وأوروبا إلى بلادها بقدراتها الاقتصادية التي اكتسبتها خلال سنوات الغربة المفروضة عليها.
وتتكامل هذه القوة القادمة على القوة الخليجية القائمة فهذه هي البيئة التي تعيش فيها سوريا، يمكن أن تمتد إلى المملكة وتمتد المملكة إليها اقتصادا وثقافة ورحما وقد حصل هذا وسيحصل ثانية، لا أن يفرض عليها وعلى شعبها توجه سياسي واقتصادي بعيد، إنها بحر سني عربي، تاريخها متداخل معنا وأسرها مع أسرنا، إنها سوريا صلاح الدين وابن تيمية، وبالتالي مستقبلها بيننا نحن عرب الجزيرة وبلاد الشام ومصر.
لينته الشرع عن الحديث عن التقسيم، فهذه هرطقة كتاب مقالات ومنظري فضائيات، وليس حديث نائب رئيس، وليستمع إلى جيرانه في الجنوب، إننا نتحدث عن وحدة وتكامل ورخاء شعوب ولسوريا مكان أصيل وحق مشروع في كل ما سبق.