إعمار غزة والضمانات الدولية
د. هاني العقاد
هي المرة الثالثة خلال اقل من ثمان سنوات التي يتكرر فيها العدوان الاسرائيلي على شعبنا الفلسطيني في غزة , وكل مرة تقتل وتدمر فيها اسرائيل بيوت الفلسطينيين المدنيين وتمسح مزارعهم وتدفن ابارهم الارتوازية وتفعل كما تفعله والعالم الرسمي يصمت وبالكاد يقول انه يجب وقف هذه الحرب المجرمة وبعد أن تتوقف الحرب يجتمع العالم ويتسارع الى إعادة اعمار غزة ليكفر عن خطايا الصمت والتفرج على الدم الفلسطيني , ما حدث خلال الحربين السابقتين أن اعمار غزة لم يحدث وتراكمت المعاناة وتراكمت المشكلات الى حد الانفجار حتى جاءت الحرب الثالثة التي خططت اسرائيل من خلالها الى تدمير اكبر قدر ممكن من البني التحتية و بيوت المدنيين لتدفيع الفلسطينيين الثمن على مناهضتهم الاحتلال , يقول العالم أن الانقسام كان سببا لعدم وصول اموال المانحين لإعادة اعمار غزة في الماضي , اليوم انتهي الانقسام ,و جاءت حكومة الكل الفلسطينيين لتتولي ادارة الحياة في غزة من جديد ,واليوم ادرك العالم أن الحرب اقصي واكثر دمارا وبالتالي الكارثة اكبر لأنها طالت اكثر من ثلث بيوت أهل غزة التي هي بالأساس تئن تحت وطأة الحصار القاتل الذي تفرضه اسرائيل وما تزال تعاني منذ اكثر من ثمان سنوات .
هذا الاسبوع سيعقد مؤتمر إعادة اعمار غزة بالقاهرة والذي دعت اليه كل من مصر ودولة فلسطين والنرويج ووجهت الدعوات للدول المعنية بالإقليم والعالم و وزراء خارجيتها ومنظمات الامم المتحدة المعنية والبنوك الدولية وبنوك التنمية والعديد من الشخصيات الدولية والاعتبارية والخبراء الاقتصاديين على هذا الاساس , وستقدم دولة فلسطين خطتها لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال من بيوت ومزارع ومصانع وبنية تحتية وستعرض دولة فلسطين التكلفة الاقتصادية للإعمار واعادة تهيئة قطاع غزة ليتناسب ويناسب حياة البشر وحقوق الانسان الفلسطيني بشكل عام ,والمتوقع أن تلاقي خطة الاعمار الفلسطينية هذه المرة قبولا دوليا وعربيا واسعا المانحين بمساهماتهم لدفع المبالغ التي توفر متطلبات الاعمار وتحسين حياة الذين تضرروا من العدوان الاخير , والمتوقع ايضا أن تبدأ حكومة الوفاق الوطني اليوم بالإسراع بإعادة اعمار غزة هذا أن سمحت اسرائيل التي مازالت تسيطر على المعابر بإدخال مواد البناء المطلوبة للإعمار ولم تلجأ لإعادة تنظيم الحصار ليستمر وتبقي حدا معينا من المعاناة الفلسطينية مستمرة لتبقي في حاجة لإسرائيل , المختلف اليوم عن مؤتمر إعادة اعمار غزة 2009 بشرم الشيخ أن هذه المرة من يتسلم إدارة الاعمار حكومة أنهت الانقسام واعترف العالم بها كحكومة مسؤولة وواحدة للشعب الفلسطيني ,والمختلف هذه المرة ايضا أن هناك تغيرات في مصر تدعم الموقف الفلسطيني الرسمي وهناك ايضا لدي الفلسطينيين خطة سياسية تنال تأييد معظم دول العالم تعمل على إنهاء الاحتلال والتخلص منه للابد سعيا لتحقيق استقرار دائم ينعم فيه الجميع بسلام دائم .
مع الامل الذي يوفره مؤتمر إعمار غزة يبقي هناك خشية كبيرة بأن تعاود اسرائيل عدوانها مرة اخري في لحظة حماقة جديدة بسبب عدم عقاب اسرائيل وعدم توافر ضمانات دولية تقيد و تلجم العدوان الاسرائيلي تحت زريعة امنهم الوهمي الذي تفضل اسرائيل تحقيقه مؤقتا بالقوة على تحقيقه بشكل دائم بالسلام , اليوم لابد من ضمانات تؤكد عدم لجوء اسرائيل مرة اخري لاستهداف بيوت المدنيين الفلسطينيين ومزارعهم ومصانعهم تحت أي زعم وتحت أي زريعة و أعتقد أن أي ضمانات دولية لن تكبح جماح اسرائيل أمام شهوتها المفتوحة للقتل والتدمير و تجريب اسلحتها التي تبيعها لدول تمارس الارهاب بالعالم , فلا ضمانات ضبطت سلوك اسرائيل العدواني حتى الان بدأ من اوسلوا وانتهاء بصفقة اطلاق سراح المعتقلين القدامى خلال مفاوضات السلام الاخيرة ,لكن الضامن الوحيد لعدم تكرار أي عدوان اسرائيلي على الفلسطينيين سواء بالضفة او القدس او غزة من جديد هو اخضاع اسرائيل للإرادة الدولية و إعادتها لحظيرة هذه الارادة لتقبل بإنهاء الاحتلال وترسم حدودها وتقر بحق الفلسطينيين في وطن مستقل يوفر لكل ابنائهم الحياة الكريمة المستقرة , ومن اجل إعادة اسرائيل للحظيرة الدولية لابد من دعم خطة القيادة الفلسطينية القائمة على إنهاء الاحتلال وتطبيق مشروع الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية وأساس مبادرة السلام العربية التي توفر الحد الأدنى من الاستقرار المطلوب .
أن كان العالم سيعيد إعمار غزة هذه المرة مع الابقاء على اطلاق الاجرام الإسرائيلي على توحشه والاكتفاء بدفع الاموال لتدمر إسرائيل بعد ذلك ما تم بناؤه فإنها بذلك تستنزف المال الدولي ايضا وتعتبر العالم مسؤولا عن التغطية على جرائمها وازالة موبقات احتلالها لا شيء غير ذلك او اكثر من ذلك , وأن كان العالم سيدفع اموالا ويترك الحلبة للإسرائيل لتفعل ما تريد فعله مرة اخري فإنه بذلك يكافئ الجاني ويترك الضحية تعاني , يدعم الاحتلال ويسكن الم ضميره بدفع الاموال للضحية , وأعتقد أن هناك تفهم دولي لهذه المعادلة لكن ليس بالقدر المطلوب لان امريكا مازالت تدافع عن احتلال اسرائيل وتقف الى جانبها حتى عند ارتكاب جرائم ابادة جماعية وجرائم حرب مع سبق الاصرار والترصد , وأعتقد أن العالم في طريقة لينهي هذه المعادلة لكنه يحتاج الى وقت ويحتاج الى فرصة والفرصة وضعتها امامه القيادة السياسية الفلسطينية فما عليه الا استثمار الوقت والظروف الدولية المواتية لذلك .