ميزان الخطايا بيد الأنظمة العربية
أم بيد الشعوب العربية
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
من الموضوع السابق الذي طرحته هنا وهو:
خطيئة الأنظمة العربية أصبحت مطية لتخاذل الجميع
وللرد على تساؤل مهم حول الموضوع ,ألا وهو:
كيف يمكن أن تتجاوز الشعوب العربية تلك الخطيئة ومن أين تبدأ؟
قبل الإجابة على التساؤل الكبير , الأجدر بنا أن نستعرض حال الأنظمة العربية أولا ,وحال الشعوب العربية ثانية
الدوال العربية ثلاث وعشرون دولة في الظاهر والباطن أكثر من ذلك العدد بكثير .
نظام الحكم فيها ملكي , جمهوري , وعشائري , وجمهوملكي
تختلف تلك الأنظمة بالتسميات وتتشابه بالمضمون
تأليهية المنحى ,وكأنها تستمد سلطتها من السماء ,لايوجد معارض لها , قمعية تسلطية فاسدة الشكل والمضمون, تضع في اعتبارها السلطة والتجارة وحركة رأس المال ,سياستها الداخلية مبنية على (أجع كلبك يتبعك) هدفها الإستراتيجي التركيز على الصفة القطرية المحدودة , والإنغلاق الداخلي لكل دولة في إطارها الموجود حاليا , المهم السلطة والنظام , ولا وجود للخلاف بين تلك الأنظمة على المضمون والجوهر هذا .
أمام هذا الوصف المبسط في إطاره العام ,للنظام العربي المتعدد .
نجد في المقابل الشعب العربي كوصف مبسط للإطار العام يكون الآتي:
تتمثل ثروة الأمة في يد فئة قد لاتزيد عن 5-10 % من عدد السكان وطبقة فوق خط الفقر 30% و60% تحت خط الفقر , هجرة العقول العربية , والزيادة المضطردة بالأمية , والخوف المحيط بالجميع من غضب النظام , مع الإنقسام الشديد في الرؤى والأفكار واعتناقها من قبل الشعوب العربية جمعاء .
السؤال هنا :
هل تستطيع تلك الشعوب المحطمة أن تنهض من الواقع المر الذي تعيشه ؟
لقد جربت الكثير من التنظيمات الشعبية والسياسية حظها في سبيل التغيير , وسفكت دماء كثيرة في كل البلدان العربية , في سبيل ذلك , وكانت النتيجة :سجون جديدة أنشأت وأجساد مزقت بأنياب الكلاب, ويأس أصاب الجميع , واستسلام للواقع المرير , وازدادت الهوة بين الحاكمين والشعوب
وأصبح الذل والخزلان يحيط بنفسية كل المواطنين ,إن لم يكن من الخارج فهو قادم على رأسه من الداخل .لتنعدم الثقة كاملة بين الشعوب بعضها ببعض وبين السلطة والشعب
في خضم المرارة تلك يحلم المخلصون بمنقذ لهذه الأمة , بقائد فذ يجمع شتات شملها, ويضعها على مقدمة صراع الحضارات
الحلم جميل في طرحه هذا , وأفكار متعمقة في شعور الكثيرون منا بعضهم يرى الخلاص في المهدي والمسيح , وزوال دولة إسرائيل سنة 2021 , وأن للبيت رب يحميه , ولكن لم يفكر أحد بتجهيز البيئة المناسبة , أو الأرض الثابتة ,والغير موحلة للقائد المنقذ للأمة .
في كلمات قليلة ماهو رأي مفكري الأمة تجاه الأزمات والخطايا التي نعيشها ؟
توجد مجموعتين رئيسيتين
مجموعة تحمل خطايا النظام ومعبرة عنه ومدافعة عنه بقوة
ومجموعة تعارض تلك الخطيئة وتحاربها
المجموعة الأولى تكاد تكون في وفاق تام فيما بينها , تمتلك قوة كبيرة في الترويج للباطل , وتظهره حقا وتجعل الهزائم المتكررة انتصارا كبيرا .
المجموعة الثانية غير مستقرة في فكرها مشتتين بالرؤى والطروحات , العداوة بينهم أشد من عداوتهم السابقة للنظام وعلى يد أمثال هؤلا ء , وبفكرهم المتشعب والمستسقى من مياه متعددة المنابع قد تحمل في ذراتها كل أنواع التلوث البيئي المميت والقاتل
ويوجد بين ثنايا تلك المجموعة مفكرين استقوا فكرهم من ينابيع صافية , ولكن ينقصها الحكمة في تطبيقها على الواقع .
الشعب العربي ضائع حائر بين تلك الثقافات الفكرية ,و الغالبية منه تحمل الثقافة الإسلامية في فكرها ووجدانها وعقيدتها
الحالة العامة عند البشر, ولا يختلف في نوعية طرحها وتطبيقها إثنان , ألا وهي :
لكل مجتمع له قواعد ثابتة في كيانه, تلك القواعد أعطته النموذج المجتمعي الخاص والذي يميزه عن الآخر , وهذا يعني أننا, لايمكن أن نقتلع تلك القواعد ونستبدلها بقواعد مجتمع آخر .
وبديلا عن ذلك يوجد التفاعل مع المجتمعات الأخرى والتجارب التي خاضتها , وكانت تلك التجارب السبب في تقدمها عن الكيان الإجتماعي الآخر .
من رحم تلك التشعبات المتشابكة , يمكن للمجتمع أن ينسج رداءا قويا يحتمي فيه, يعينه على الخروج من الجحيم الذي يعيش فيه, منذ زمن بعيد وحتى الآن وفي المستقبل المنظور .
في وطننا العربي والإسلامي عندنا طاقات هائلة علماء ومفكرين وسياسيين , وخبراء في جميع الإختصاصات , منتشرين في شتى بقاع الأرض , والكل يعيش في كابوس انحطاط الأمة العربية والإسلامية , والحرب المقامة عليهم كمسلمين من معظم أهل الأرض ومن أنفسهم أيضا ومع وجود كل عوامل التغيير للأفضل , ومن أهم هذه العوامل :
الظلم والفساد والفقر , والأمية والتخلف , والقهر المطبق على الأمة من الداخل والخارج ومن أنفسهم .
ومع هذا كله سكون وصمت واستسلام للواقع المرير , مع وجود بعض الطروحات العامة , وغياب المشروع الكامل من أجل التطور , والسير مع الحضارات الأخرى , وليس نهاية التاريخ .
هنا تكمن خطيئة الشعوب , والمتوازنة مع خطيئة الحكام , في غياب أي مشروع متكامل ومتحرك في نفس الوقت , مع مقتضيات الحالة الطارئة على الواقع , والمتحرك دائما بسرعة الصوت أو أكثر .
لقد أصبحت الشعوب العربية تخاف من أي تغيير , والناتج عن المرارة في التجارب التي عاشتها الأمة في القرن الماضي والذي كان مردود التغيير , في تكوين مزارع خاصة لكل نظام , تسقى من الظلم والفساد والإستعباد .
خطيئتنا نحن كشعوب عربية وإسلامية , أن المحاولا ت كانت فردية ذات مشاريع وقتية مهمتها تغيير السلطة , أو الحاكم أو النظام , ولم تكن تلك المحاولات مهتمة بالتصور الكامل للمصلحة العامة والخاصة على حد سواء .
يوجد في الدول العربية الكثير من التجمعات الأدبية والثقافية والإقتصادية والسياسية , والمراكز البحثية المتعددة , مع غياب فاعليتها تقريبا على الواقع العربي والإسلامي .
من خلال هذه المراكز لماذا لاتكون هناك مبادرة من بعض المفكرين والعلماء والمثقفين , تكون مهمتهم طرح مشروع متكامل متضمنا الدساتير والقوانين وجميع التصورات الممكن عملها .
عندها يمكن التحرك الشامل وإيجاد الداعمين له من الداخل ومن الشعوب المقهورة , لنصل بعدها للحرية كما عبرعنها أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركية (الحرية ليست موضوعا من موضوعات القوة بقدر ماهي وعي بالذات , ومعرفة النفس )