دولة فلسطينية ديمقراطية واحدة
دولة فلسطينية ديمقراطية واحدة !
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
لا يفتأ الغزاة النازيون اليهود ، يُشغلون العالم بمقولات ومقترحات ومخططات ؛ تهدف
إلى تكريس وجودهم غير الشرعي في فلسطين ، ودعمه بكل عناصر القوة المحكمة حتى يصير
كيانهم كياناً قائداً ، تسير دول المنطقة خلفه ، ويصغى العالم إليه بكل رضا
واطمئنان .
ولا ريب أن حرب الصيف عام 2006م التي شنتها أمريكا واليهود الغزاة ، ضد لبنان ثم
تدمير بالقصف الجوى والبرى والبحري ، بحجة القضاء على حزب الله ، وقد تركت أثراً
بالغاً لا يُمحى ، بسبب المقاومة العنيفة التي لقيها العدوان ، وخسائره التي لم يكن
يتوقعها ، وتعرض العمق في كيان الغزو النازي اليهودي للصواريخ التي أطلقها حزب الله
، مما جعل الغزاة لأول مرة ينزحون إلى الجنوب ، ويعيشون في المخابئ أطول وقت ممكن
ويضطر بعضهم إلى العودة للبلاد الأصلية التي جاءوا منها .
نتيجة الحرب كانت مشجعة على المقاومة ، وإمكانية إيلام الغزاة النازيين اليهود
تحققت ، وإشعارهم بالوجع قائمة ، وهو مالم يكن وارداً في حسبانهم بعد الانهيارات
السياسية والعسكرية التي أصابت العرب والمسلمين ، وجعلت بأسهم بينهم شديدا ، حيث
تفرغوا للقتال الداخلي في أكثر من نقطة ، وفتحوا أحضانهم للأعداء الغزاة ، وسقطت
أكثر من دولة عربية إسلامية تحت بيادة قوات الغزو : أفغانستان – العراق – الصومال –
السودان ، فضلاً عن فلسطين !
وكالعادة ، فما يكاد يبرق أمل هنا وهناك ، بالنصر والعمل الجاد على الجبهة العربية
والإسلامية ، حتى ينهض الغزاة المتوحشون ، ويخرجوا من جرابهم كل ألوان المكر
والخداع والحيل الشيطانية للقضاء على هذا الأمل .
وإذا كان نجاح المقاومة في لبنان واضحاً وساطعاً ، فإن نجاحها في العراق وأفغانستان
آخذ في الوضوح والسطوع ، ولذا يسعى الغزاة المتوحشون إلى إلهاء العرب والمسلمين ،
والتخذيل من قوتهم وأملهم في النصر باختراع اللقاءات والمخططات تحت مسمى تحقيق
السلام ، ويُروج الأمريكان الآن لما يُسمى بقيام دولة فلسطينية " منزوعة الدسم " لا
تملك من أمرها شيئاً ، مهمتها الأولى القضاء على المقاومة ، وحماية كيان الغزو
النازي اليهودي من العمل الفدائي ، على أن تكون بلا سلاح ولا قدس ولا عودة للاجئين
ولا مياه ولا حدود .
لقاء " أنا بوليس " في أمريكا ، هو نوع من أردأ أنواع الخداع والمكر ، وحصيلته
مقدماً صفر كبير ، قالت وزيرة خارجية كيان العدو إن على العرب أن يأتوا مطبعين
طائعين ، ودون أن ينتظروا مقابلاً ، وقال رئيس وزراء العدو : على العرب ألا ينتظروا
شيئاً من لقاء " انابوليس " ، ولن نطرح قضايا رئيسية . وقد جاءت كونداليزا رايس إلى
المنطقة سبع مرات في الفترة القصيرة الماضية ، وأمرت العرب بالهرولة إلى " انابوليس
" وإلا فهم رافضون لقيام الدولة الفلسطينية ، ورافضون للسلام .. ويبدو أن بعض العرب
مازال يجد حرجاً ، أمام التحدي اليهودي النازي السافر ، الذي يُريد أن يحصل على كل
شيء مقابل لا شيء .
ولذا لم يكن غريباً أن تعترف الصحافة التي تصدر في الكيان النازي اليهودي الغاصب أن
لقاء " أنا بوليس " ليس من أجل الفلسطينيين ، وليس من أجل السلام ، ولكنه لتجميع
الأنصار من اجل حصار إيران وضربها والقضاء على مشروعها النووي . يقول دان شيفتان
القائم بأعمال رئيس مركز دراسات الأمن القومي في جامعة حيفا : " يستوجب تقدير
احتمالات مؤتمر أنا بوليس إدراك ماهيته وجوهره . هذا اللقاء ليس مباحثات إسرائيلية
– فلسطينية حول مسار التسوية الدائمة . وإنما قضية أمريكية تتعلق باستعداد إسرائيل
لمساعدة بوش في ضائقته السياسية قبيل الوصول إلى نقطة الحسم في مواجهة إيران " ( ها
آرتس 22/10/2007 )
والكاتب لا يُخافت بأهداف اليهود النازيين الغزاة حين يُقرر أن همهم يتمثل في
الحصول من الفلسطينيين على شيئين : الأمن والشرعية ، ويرى أن القيادة الفلسطينية
الخالية لا تملك القدرة على تقديم ذلك ، لأنها لا تستطيع أن تفرض إرادتها على من
يُسميهم " الإرهابيين " !
ولا شك أن هذا الكاتب الذي يُطالب بالانسحاب أحادى الجانب من معظم الضفة حفاظاً على
ما يُسميه تجذير المشروع الصهيوني في دولته القومية ذات الأغلبية اليهودية الراسخة
، إنما يؤكد على عنصرية الغزاة اليهود ، وتطهير الكيان النازي الغاصب من أصحاب
الوطن الحقيقيين .. أعنى الفلسطينيين .
وهذا الاتجاه لا يقتصر على ذلك الكاتب وأمثاله ، ولكنه يمتد إلى بقية الكتاب اليهود
الغزاة الذين ينطلقون من غاية صهيونية واحدة ، حتى لو اختلفت التفاصيل ، فالكاتب
اليهودي الصهيوني " مناجيم بن " يطرح حلاً لدولة واحدة مع وجود سيادتين مثلما هي
الحال في مدينة القدس وفقاً لاقتراح كلينتون أيام كامب ديفيد ( باراك – عرفات ) ،
أي عدم تقسيم فلسطين ، بل تقسيم السيادة فقط بحيث يكون جميع الفلسطينيين ذوى مواطنة
إسرائيلية ويُصوتون للبرلمان الفلسطيني ، أما اليهود فيكونون ذوى مواطنة إسرائيلية
ويُصوتون للكنيست . والسيادة يجب أن تمر بالخط الأخضر من أجل وقف المساومة ووجع
الرأس . وتكون البلدات العربية داخل الخط الأخضر مقابلاً للمستعمرات الصهيونية في
الضفة .. أي عملية تمييز عنصرية واضحة لأن التنقل بين الجانبين سيكون بواسطة تأشيرة
( فيزا ) ، وستحل مشكلة اللاجئين الذين سيعودون إلى القسم الفلسطيني وحده ( معار يف
16/10/2007م ) .
وواضح أن الإصرار على عنصرية كيان الغزو النازي اليهودي ، يجعل الصهاينة يهربون من
فكرة الدولة الواحدة الديمقراطية ، أي التي يتساوى فيها اليهودي مع الفلسطيني ،
ويحكمها صندوق الانتخابات ، ويثشارك جميع أفرادها في كل الأنشطة السياسية والعسكرية
والاجتماعية والاقتصادية وغيرها .. فالغزاة لا يتصوّرون أن يُشاركهم أحد ، ولو
كانوا أصحاب البلد ، في أي نشاط ، أو يتساوى بهم ، لأنهم يعتقدون أنهم فوق الآخرين
، وأن قوتهم تمنحهم الحق في العلو في الأرض ، وحرمان الفلسطيني من العودة إلى بيته
وبلده وأرضه . أما اليهودي الذي يعيش في أقصى الأرض فيجب عليه أن يعود إلى " أرض
الميعاد " التي لا يملكها ، وأن تفتح له الأبواب ويفرش له السجاد الأحمر ، فقد كانت
هذه الأرض حسب المزاعم الخرافية ملكاً لأجداده قبل أربعة آلاف عام !! وياله من عار
يصنعه اليهود و الأمريكان والغرب الصليبي معاً !
إنهم متأكدون أن دولة فلسطينية ديمقراطية واحدة ، ستنهى إجرامهم وتقضى على شرّهم ،
وتقيم دولة مسالمة يتفوق فيها الفلسطينيون بالعودة والتناسل ، ولهذا لا يُريدون
سلاماً ، بل يضحكون على بعض العرب ، من أجل مساعدة الأميركان لسحق إيران.