العراق الأميركو - فارسيّ

د. محمد بسام يوسف*

[email protected]

استماتت إدارة البيت الأبيض الأميركي لإثبات امتلاك العراق أسلحةَ التدمير الشامل، واتخذت من ذلك مبرِّراً أساساً لاجتياحه، واغتياله، وسحق كل معالم الحضارة والإنسانية فيه!..

بعد انكشاف أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، عن طريق لجان التفتيش الاحتلالية نفسها، التي زرعت العراق طولاً وعرضاً بالتفتيش المتهالك، وغاصت مكائنها في باطن أرضه، وجاست أقمارها وأجهزتها التقنية في سمائه.. لم تخرج تلك اللجان إلا بالخيبة، لتوضع إدارتها المتصهينة وجهاً لوجه، أمام أضخم كذبةٍ في التاريخ الحديث، فبركتها أجهزة الاستخبارات الصهيونية الأميركية، بالتعاضد مع عملاء إيران العراقيين، الذين كان لهم الدور الأكبر في الكذب والتحريض على احتلال العراق!..

الحقائق الجارية على الأرض العراقية لم يتغيّر فيها شيء، سوى التصعيد الهمجيّ التدميريّ للعراق، وتصعيد وتائر سلسلة الكذب الأميركيّ المتعمّد.. فطلع علينا الكذابون بكذبةٍ جديدة، هي أنهم احتلوا العراق للقضاء على الإرهاب!.. فإذا العراق الذي لم يُعرَف عنه في تاريخه أنه كان مَصدراً للإرهاب الدوليّ.. قد أصبح مَفرَخةً للإرهاب الفارسيّ.. لنكتشف أن المتَّهَمين بالإرهاب العالميّ قد نما عُودهم، واشتد ساعدهم، وتشكّلت لهم حكومة عميلة تستأثر بكل إمكانات العراق الضخمة، لتمارس الإرهاب في أبشع صوره، من خلال الحضن الأميركي والحاضنة الفارسية والأدوات الصهيونية.. فاغتيل العلماء العراقيون، وغُدِر بكفاءات الجيش العراقيّ الذي حمى الأمة من الشرّ الحقيقيّ، القادم من الشرق منذ بدايات إطلاق شعارات تصدير الثورة الخمينية الشيعية إلى الخارج، وسُحِقَ الأحرار والأعيان في السجون والمعتقلات السرية والعلنية، وهُجِّر أبناء البلد الذين بنوه بعرقهم ودمائهم، وافتدوه بأرواحهم.. وبدأت أعظم فتنةٍ طائفيةٍ في تاريخ العراق تشتعل بأعواد الثقاب الفارسية، فزرع الصفويون عبواتهم الناسفة في مساجد العراق ومقدّساته، ومارس أولئك الأغراب الذين حُمِّلوا جنسيةً عراقيةً مزوّرة.. مارسوا القتل والتدمير والتعذيب والنهب واللصوصية واستباحة كل شيء في الوطن العراقيّ.. مارسوه بكل حقدٍ طائفيٍ وعِرقيّ.. ليصبح الإرهاب حقيقةً واقعةً واسعة الطيف والإمكانات، مدعوماً بكل إمكانات الدولة الفارسية الطائفية في إيران الصفوية: الاستخبارية والمادية والتعبوية واللوجستية والتسليحية والبشرية.. وذلك كله من خلال الحاضنة الأميركية التابعة للجيش المحتل، الذي قدم بذريعة القضاء على الإرهاب في العراق الراعي للإرهاب!.. وعندما اندفع العراقيون الشرفاء لمحاربة هذا الإرهاب القادم من الشرق، وكذلك القادم من وراء البحار.. خرج علينا الكذابون بكذبةٍ جديدةٍ أيضاً، هي أنّ الذين يقاومون المحتل الغاصب هم الإرهابيون، وقوى المقاومة التي ينخرطون في صفوفها هي الإرهاب!.. وبدأت الماكنة الإعلامية الإيرانية والصهيونية الأميركية تشتغل ساعاتٍ إضافية، لترسيخ هذا المفهوم لدى العراقيين، ولدى العالَم كله، بما في ذلك بلاد العرب والمسلمين، فتحوّل الإعلام الرسميّ في دول العالم كله تقريباً.. إلى سِربٍ من الببغاوات، يسوسهم غراب واحد، يردّدون نعيقه في كل منبرٍ ومحفلٍ وقناةٍ ومحطة إذاعيةٍ وتلفزيونية!..

*     *     *

إلى أين وصل الكذابون لتبرير عدوانهم على العراق، ولتبرير احتلاله وممارسة كل أشكال الانتهاكات والعدوان والاضطهاد بحقه؟!..

وصلوا إلى كذبةٍ جديدة: إنهم قدموا لتحقيق الديمقراطية، وللقضاء على الديكتاتورية.. ولتحقيق الحرية، وللقضاء على الاستبداد.. بل لجعل العراق منارةً تبث نورَها الديمقراطيّ الحرّياتيّ إلى كل دول المنطقة، لتحقيق (الأكذوبة) التي لم تتحقق بعد: الشرق الأوسط الجديد، الذي سيعمّه الرخاء والعدل والحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان!..

نظرة واحدة إلى العراق الجديد، ستجعل أي إنسانٍ عاقلٍ مهما كان غافلاً أو مُستَغفَلاً.. ستجعله يتأكد أن العراق الجديد الأميركيّ الطائفيّ، لا يسير إلى حتفه فحسب.. بل إلى جَرّ المنطقة كلها وربما جَرّ كثيرٍ من مناطق العالَم.. إلى حتفها، وذلك بفعل عبقرية الكذابين الجدد، لماذا؟!..

العراق تحوّل إلى دولةٍ طائفية، الحظوة فيها للطائفة التي تمالئ المحتل، حتى لو كانت من جذورٍ إيرانيةٍ فارسيةٍ متهمَةٍ سابقاً بأنها تابعة لإحدى دول محور الشرّ: إيران!..

وجيش العراق الجديد وشرطته وأجهزة أمنه التي من المفترض أن تحققَ الأمن والأمان للبلاد.. تحوّلت إلى مصدرٍ أساسٍ لفقدان الأمن، وفريقٍ عَبثيٍ مقوِّضٍ لكل معالم الطمأنينة، وناشِرٍ كلَّ أشكال الخوف والرعب وسفك الدماء وانتهاك حقوق الإنسان!..

وحكومة العراق العميلة، ضربت الأرقام القياسية في الفساد واللصوصية، وممارسة الطائفية بشكلها الأرعن الإجراميّ الذي يندى له جبين الإنسانية، والدستور العراقيّ الجديد، تمت صياغته لخدمة المحتل وأشياعه، ولتجزئة العراق، ولشحن النعرات الطائفية فيه، ولإشعال أضخم فتنةٍ عِرقيةٍ وطائفيةٍ في تاريخه، لن يقتصرَ حريقها على العراق وحده، بل سيُشعل المنطقة كلها في أتونه!..

بعد أن فرض المزوِّرون دستورهم المزوَّر، بَنوا عليه انتخاباتٍ ثبت خلالها أنها كانت أكبر عملية تزويرٍ في التاريخ، من حيث اتساعها وأدواتها وأساليبها الجهنمية المتطورة، المبتكَرة في دهاليز إبليس الفارسيّ، فمن يتابع مهازل فصولها هذه الأيام، لا يعرف من أين يبدأ بالحديث عنها، ولا إلى أين سينتهي به المطاف:

فالانتخابات تحميها حكومة طائفية مزوَّرة، منبثقة عن انتخاباتٍ سابقةٍ مزوَّرة،.. تلك الحكومة المزوَّرة، انتهكت حقوق الإنسان خلال مدةٍ قصيرة، على نحوٍ أشد مما انتهكه النظام السابق خلال عشرات السنين، ذلك النظام الذي قدمت أميركة بقضّها وقضيضها لاقتلاعه واستبداله، بزعم ترسيخ نظامٍ ديمقراطيّ، يحقق الحرية ويحترم حقوق الإنسان!..

والائتلاف الحاكم المنتهِك لحقوق الإنسان، هو الذي يدير لعبة الانتخابات، وهو الذي يسطو على كل إمكانات العراق ويسخّرها لصالحه ضمن هذه المهزلة الانتخابية، وهو الذي ينشر جيوشه الطائفية لحمايتها، وهو المرشَّح الرئيسيّ لها، وهو الذي يملك الأمر كله في العراق، وهو الذي أثبتت الوقائع أنه (حاميها وحراميها)!..

وصناديق الاقتراع، أصبح التعامل معها بطريقةٍ مبتكرةٍ تزويريةٍ بشعة، فلم تعد هناك حاجة لإتعاب المنتخِب بملء البطاقة الخاصة به، بل تأتي ألوف البطاقات مستوردةً (بخيرها) كله ومختومةً جاهزةً للفرز.. تأتي ضمن شاحناتٍ ضخمةٍ من بلاد الشرّ الإيرانية الفارسية!..

والشرطة الحكومية المزوَّرة، وظيفتها يوم الانتخابات، هي التهديد والوعيد والقتل والاعتقال والضرب والاغتيال، وممارسة الضغوط المختلفة، لانتخاب أنصار الحكومة العميلة المزوَّرة، الممثَّلة بشرطتها وجيشها المزوَّران!..

وأجهزة الإعلام المزوَّرة الرسمية، وظيفتها الترويج التزويريّ للائتلافات الحاكمة المزوَّرة!..

*     *     *

لقد قَدِم الكذّابون إلينا ليعلّمونا –بزعمهم- الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان.. فتعلّموا من حلفائهم وممالئيهم الذين يحتضنونهم.. تعلّموا أصول الديكتاتورية والقمع وانتهاك حقوق الإنسان بأبشع صُوَرِه!.. فهل من مُتَّعِظٍ يا أهل العراق الأشم، ويا أيها العرب والمسلمون، بعد أن شاهدتم كيف أنّ هؤلاء الكذّابين مُصِرّون على استخدام أسلحة (التزوير) الشامل، لترسيخ أمرٍ واقع، ناشئٍ عن تزويرهم وذيوله، بأحدث الطرق الأميركو-فارسية.. في بلاد الرافدين الشمّاء؟!..

              

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام