أزمة القيادة في العراق

محسن المطراوي

[email protected]

منذ 9/4/2003 والعراقيون يعيشون في ازمة "قيادة "حيث لم ينبري قائد على راس السلطات الثلاث فعلى صعيد السلطة التنفيذية انشغل المالكي في بسط سلطان حزبه على كافة المؤسسات في الدولة وجند كل الوزارات لذلك وكانت اموال الوزراء المفسدين تتجه الى بناء قواعد لحزب الدعوة والاتجاه الى سيطرة واستئثار الحزب الحاكم بمقدرات البلاد من خلال احتكار الوظائف والصلاحيات في سعي لبناء الدكتاتورية الجديدة والمدعومة من قبل ايران وقد القت هذه السياسة بظلالها على اداء الحكومة فلم تنجح الحكومة في تحقيق المصالحة الوطنية وفي تحقيق تقدم  في ملف العلاقات الخارجية فضلا عن التردي الامني وتدهور الخدمات .

وعلى صعيد السلطة التشريعية فشلت رئاسة مجلس النواب في حماية المؤسسات الراعية للديمقراطية فلم ينجح المجلس في بناء مفوضية مستقلة للانتخابات ولم ينجح في بناء شبكة اعلام وطنية مستقلة تقف على مسافة واحدة من جميع القوى والتيارات السياسية والاجتماعية والعرقية، ولم ينجز مهام الرقابة والسيطرة على الفساد المالي، ولم ينتزع مجلس الخدمة الاتحادي فرص التوظيف من سلطان الحزب الحاكم، بل انه دخل في مساومات مع السلطة التنفيذية في تعيين بضعة موظفين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في صفقة بائسة تكشف عن الأزمة الحقيقية التي تعيشها قياداتنا اليوم، فقيادة السلطة التنفيذية تعمل لمصلحة حزب الدعوة، والسلطة التشريعية تعمل بهدي من مصالح الحزب الإسلامي دون الالتفات الى الحرص على بناء الديمقراطية واستكمال مؤسساتها، ولعل الأسوأ في كل ذلك تحول منصب رئاسة الجمهورية الى سباق محموم لتحقيق مكاسب للأكراد على حساب الوجه العربي للعراق، حيث بدا العراق الأضعف عربيا بين أشقائه العرب، ولا نريد أن نسجل اعتراضنا على قومية من يتولى الرئاسة، ولكن الاعتراض على أن يعمل لقوميته، ويلغي العراق، وفي رأيي هذه هي حدود الأزمة الحقيقية لقياداتنا، وربما قد خسرنا من وجود القيادة الكردية كثيرا من حضورنا العربي الذي ربما سيعزز الاستقرار الأمني في البلاد ويعجل في تأهيل العراق للانخراط في المنظومة الدولية.

ثمة أزمة أخرى هو تمسك هذه القيادات واستئثارها بالمناصب فهذا يخرج في جمع من رجال العشائر والفلاحين، ويستفزه أحد الفلاحين منشداً (الحكومة الكم تلوك..واياكم بعد تنطوهه) ليرد عليه المالكي (من يستجريء ياخذها حتى ننطيها)، وكأن الحكم طابو لشخص معين، ورئيس الجمهورية العراقية الذي يفترض أنه يصون وحدة واستقلال العراق وفق المادة 67 من الدستور يصف كركوك بأنها (قدس الأكراد) ولكم أن تميزوا الحديث وتعطوه أبعاده الحقيقية، فتقدير الكلام هنا (العراق = إسرائيل) أي أنه محتل وأن كردستان هي فلسطين وعاصمتها كركوك، ولكن أحداً من العرب لم يرد على ذلك، وأعتقد أن الهاشمي نائب الطالباني استشاظ غضباً من هذا التصريح، ولكنه لم يصرح بشيء الا أنه انفجر فجأة أمام استفزاز قناة الجزيرة، ليعبر عن امتعاضه من تصريح رئيس جمهورية العراق، والذي كشف عن نزعة شوفينية كوردية لدى القيادات الكوردية حين قال الهاشمي أنه يرى ضرورة ان يكون رئيس العراق عربيا هذه المرة، ولا نريد الخروج من أجواء الأزمة لنقول أن أحداً لم يرد على طالباني لكن سجال المزايدات والتزلف والتقرب لهذا القائد أو ذاك جعل الجميع يهاجم الهاشمي في سعي من هذه الجهات لتثبيت أركان تحالفات تشكيل الحكومة ورسم معالم السنوات الأربع القادمة.

وبين أزمة القيادة وضعف الثقة بالمؤسسات الديمقراطية نقول إن التجربة كشفت عن البون الشاسع بين العقليات الحاكمة في العراق وبين النظريات السياسية الديمقراطيةـ ذلك أن الديمقراطية لا يمنحها من لا يؤمن بها (فاقد الشيء لا يعطيه) وبالتالي من يتشدقون أنهم الوليد الشرعي للديمقراطية هم اليوم في سباق محموم لتزوير إرادة الجماهير والعودة مرة أخرى إلى الدكتاتورية الجاثمة على صدور العراقيين، لتنقطع سبل الرجاء بهم، ذلك أن من يضيق بهم استبداد الحكام يتطلعون الى الانقلاب والثورة لتغيير الحكم، ولكن الى مَ يتطلع العراقيون...؟ ، هل يتطلعون الى قوة غاشمة تسحق وتدمر العراق مرة أخرى لإعادة الهيبة الى الديمقراطية العراقية؟ أم يتطلعون الى البيان رقم 1 ليقلب الموازين وينقذ العراقيين من الصراع الديمقراطي الذي خلف الطائفية والفساد لقادة جهلة كل مؤهلاتهم التعصب القومي والعرقي والمذهبي، وشهادة تزكيتهم انهم أسهموا في إنقاذ العراق من دكتاتورية صدام ويمنوا بها على الشعب ليستبدلوه باستبداد آخر يتعدى الإرهاب والجوع والحصار، الى الموت المجاني والجثث مجهولة الهوية، وبين هذا الواقع المؤلم وبين ما يستحقه شعب العراق نقول إننا بحاجة إلى قيادات تؤمن بالديمقراطية فتخل الذاكرة العراقية بهذا الاسم (حامي الديمقراطية) (أبو الحرية) (أبو الغيرة) المهم أن تكون قيادة ملهمة للشعب فتدخل إلى قلبه، وما أن يهتف وينادي لها حتى تكون قد حققت هذه القيادة صفحة مهمة وهي الثبات والوجود في الذاكرة العراقية.