كلام حول مشروع المصالحة الوطنية

كلام حول مشروع المصالحة الوطنية

إبراهيم النعمة

 تفاءَل الناس بمشروع المصالحة الوطنية الذي أعلنه رئيس الوزراء نوري المالكي في مجلس النواب يوم الأحد 25/6/2006، ووقف رؤساء كل كتلة من الكتل يثنون على المشروع من حيث المبدأ –وإن كان لبعضهم تحفظات على قسم من بنوده-.

 وإذا كان الناس قد تفاءلوا بمشروع المصالحة الوطنية هذا، فلأن المصالحة هي الطريق الصحيح، وهي سبيل كل العقلاء والمخلصين، وهي جانب من جوانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتسكين الفتنة وإزالة الاختلاف لذلك نرى القرآن الحكيم يثني على الذين يقومون بالإصلاح بين الناس فقال تعالى:

 (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً).

 ونقرأ في السنة النبوية، فنجد النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه قد جعل إصلاح ذات البين أفضل من الصيام والصلاة والصدقة فقال:

 "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟

 قالوا: بلى.

 قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين".

 ويسأل من يسأل: هل مشروع المصالحة الوطنية هذا سينجح أم سيكون كمشاريع المصالحة الأخرى التي عرضت في القنوات الفضائية والإذاعات، وكتبت عنها الجرائد والمجلات، ثم ذهبت أدراج الرياح، وصارت في خبر كان؟

 وأُسرع فأقول: إن العراق الآن يمر بمنعطف خطير، وإن الدماء البريئة تسيل في كل يوم، وإن التشبث بكل وسيلة من الوسائل لإيقاف سيل الدماء أمر ينبغي أن يحرص عليه كل مخلص لأمته وبلاده، لذلك ينبغي على المخلص لهذه الأمة أن يعمل على تأييد ودعم هذا المشروع، لعله يستطيع أن يخفف من سفك الدماء إن لم يستطع أن يوقفه، لذلك نحن ندعو إلى تطبيق ما ورد في مشروع المصالحة الوطنية ليؤتي ثمرته المرجوة بإذن الله، واعتبار هذا المشروع نقداً يجب الوفاء به من الأطراف كلها، وأن نعمل –جميعاً- على تطبيق كل ما ورد في هذا المشروع فلا نأخذ بعضاً منه ونترك البعض الآخر.

 إن نجاح هذا المشروع يعتمد على وسائل عدة منها: أن يُعطى المالكي الحرية الكاملة لتنفيذ هذا المشروع، فلا يضيّق عليه من هذه الكتلة أو تلك من أجل التخلي عن بعض بنود المشروع إذا كانت مصلحة بعض تلك الكتل تقتضي ذلك.

 ومن البنود المهمة في المشروع: النص فيه على حل المليشيات، فقد نص البند التاسع عشر من المشروع على ما يأتي:

 ".. حل المليشيات والمجموعات المسلحة غير القانونية ومعالجتها سياسياً واقتصادياً وأمنياً..

 ونحب أن نقول هنا: إن حل المليشيات –كل المليشيات- أمرٌ مهمّ، ليعود الأمن والأمان إلى البلاد، فلا يقرّ للعراق قرار، ما دامت الميليشيات -كل الميليشيات- تعمل عملها على رؤوس الأشهاد وفي وضح النهار، فلابد إذن من تجريدها من أي سلاح كان. وليس من الصواب إذا حلت هذه المليشيات أن تلحق بوزارة الداخلية أو الدفاع، إذ عند ذاك ستقوم بعملياتها الإجرامية باسم الدولة، وعند ذاك ينطبق قول الملاح –رحمه الله-:

 كم مجرم في الأرض كم من سارق يمشي أميناً في حمى القانون

 ومن ناحية أخرى، فإن معضلة المليشيات لابد أن يتضمن المشروع آليات واضحة في تطبيق حلها، إن المليشيات إن لم يُحسم حلها، فإن الفوضى العارمة التي نتجرع غصصها الآن، ستظل قائمة بل ستزداد، وهيهات أن يجد العراق شيئاً من الأمن والأمان.

 ونقرأ مشروع المصالحة، فنرى لفظ (الإرهاب) و(الإرهابيين) قد تكرر فيه، ويحق لكل أحد أن يسأل: ما تعريف الإرهاب؟ وهل الذي يقاوم المحتل يوصف بأنه إرهابي؟

 الذي أعرفه إلى الآن أن تعريف الإرهاب ما زال غامضاً لم يُتّفق عليه، وإن قسماً من الناس يطلقون لفظ الإرهابي على كل مقاوم للمحتل، والحقيقة أن الذين يُنعتون بنعوت الإرهاب أصناف:

 1- ناس لا يتورعون عن تكفير وقتل أي إنسان كان إذا خالفهم في الرأي، فهم إرهابيون بالطبع.

 2- ناس يتأثرون برد الفعل: فهم يرون إخوانهم يعذبون ويُقتلون في كل يوم من غير جريمة اقترفوها، فيقومون هم بقتل جماعة القتلة.

 3- هناك ناس مخلصون أوقفوا حياتهم لمحاربة المحتل الذي خرّب البلاد وأذل العباد.

 فلابد لنا إذن أن نفرق بين هؤلاء وأولئك، وليكن الميزان الذي نزن به الأمور دقيقاً، فلا نلقي بالكلام جزافاً.

 ونتأمل مرة أخرى في الكلمات التي يرددها الذين يريدون عرقلة مشروع المصالحة –وبخاصة من أصحاب المليشيات- فنراهم يرددون فوق كلمات (الإرهاب) و(الإرهابيين) من تلوثت أيديهم بالدماء.. وهذه الكلمات التي كثر تردادها في مناقشة مشروع المصالحة يراد بها: عرقلة هذا المشروع في هذه الفترة الحرجة، لتختلط المفاهيم، وتزداد أحوال البلاد المتردية سوءاً يوماً بعد يوم، وفي ذلك خدمة لمصالح سياسية وطائفية تستمد منهاجها من خارج حدود العراق، بعد الدعم الذي تتلقاه من هناك..

 والعجيب كل العجب –وإن شئتَ فقل لا عجب- أن الذين يتحدثون عن الإرهاب والإرهابيين والذين تلوثت أيديهم بالدماء البريئة هم الذين يقومون بدعم المليشيات الإرهابية ولا يعتبرون ذلك إرهاباً!.

 ويقف الإنسان حائراً أمام كلمات قالها بعض من أتباع المليشيات في أمر مشروع المصالحة، وكأنهم ليسوا بالعراق، ولا يرون بأعينهم، ولا يسمعون بآذانهم ما يقع كل يوم من مجازر دموية هنا وهناك، فقد قالوا: لا حاجة إلى المصالحة، لأن العراقيين لا يقتتلون فيما بينهم!!

 ولا أجد أمام هذا الكلام إلا أن أردد ما قاله شاعرنا:

 وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

 إن الصراحة أمر ضروري لنجاح مشروع المصالحة، فلابد أن تكون لنا الجرأة فنقول:

 إن المصائب التي نالتنا وضيقت علينا الخناق كانت بسبب المحتل نفسه، المحتل هو سبب كل ما نعاني، هو الذي قام بحل الجيش وقوات الأمن وترك الحبل على الغارب فانتشر القتل والسلب والنهب، ولا أقول كما يقول قسم من الناس: إن أمريكا أخطأت في حل الجيش! لا، إنها فعلت ذلك عن عمد، لأن الجيش العراقي معروف ببسالته وخبرته الحربية، فلابد من حله، لتكون إسرائيل في أمن وأمان، وقد ذاقت ما ذاقت من الويلات منه في حرب سنة 1948 وما بعدها!

 ومن المواد المهمة التي تضمنها مشروع المصالحة المادة 24 فقد جاء فيها:

 "عمليات الاعتقال والتفتيش تتم بموجب أوامر قضائية صادرة قبل المداهمة والاعتقال، واعتماد المعلومات المؤكدة وليس الكيدية، وبما لا يتعارض مع حقوق الإنسان، وتكون العمليات العسكرية بأوامر رسمية".

 ولو نُفّذت هذه المادة بصورة صحيحة لتخلص الناس من كثير من المصائب والكوارث التي تلاحقهم هنا وهناك، وأقول: لو نفّذت بصورة صحيحة لأن كثيراً من المداهمات التي كانت تقوم بها وزارة الداخلية وغيرها، كانت تحمل معها أوامر رسمية في التفتيش والاعتقال صادرة من القضاء، وعند التحقق من تلك الأوامر القضائية يتبين لنا أنها مزورة! وما أسهل التزوير في أحوالنا هذه! وهكذا فتشت آلاف البيوت، واعتقل أصحابها بهذه الأوامر المزورة.

 وإذا كان الشيء بالشيء يذكر –كما يقال- فإن الكونكرس الأمريكي أبدى امتعاضه من هذه المصالحة الوطنية، وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد، وذلكم يوم الاثنين 26/6/2006 فقد قال نوابه:

 لا يمكن المصالحة مع من قتل جنودنا الأمريكيين في العراق.

 ويحق لكل أحد أن يسأل:

 هل ذهب العراقيون إلى أمريكا وقاموا بقتل جنودهم هناك، أم أن أمريكا هي التي غزت العراق، وقتلت الشباب، وزجّت بالكثير منهم في غياهب السجون، يلاقون أنواع التعذيب الذي يذكرنا بمحاكم التفتيش في العصور الوسطى!؟

 أيحرم سفك الدم الأمريكي الغازي، ويباح سفك الدم العراقي هنا وهناك؟!!

 ألم تكن مقاومة المحتل مشروعة في قوانين أمريكا، بل في قوانين العالم كله؟!!

 وبعد:

 فإن مشروع المصالحة الوطنية جيد إذا طبق على أرض الواقع، ولعلنا نرى ذلك بأعيننا، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل!.