شفانا الله منكم

مخلص برزق*

[email protected]

حدث فريد أن يصاب السرطان بالسرطان!! أن يصاب الطاعون بالطاعون!! والجذام بالجذام!!

حدث يستحق التوقف عنده ملياً كظاهرة لا يمكن أن تكون بعيدة عن تصاريف القدر العجيبة التي لا تحكمها مخططات دولية أو إقليمية أو مقررات قمم أو قيعان، ولا تتلاعب بها أهواء الزعيم الفلاني أو القائد العلاني ولا تأتمر بمؤتمرات صيف أو خريف.

إنها ببساطة لا تمتثل إلا لمن أرسلها غوثاً ونجدة لأوليائه القابعين في خنادق بيت حانون وجباليا والبريج ورفح وخان يونس.. الصابرين المرابطين على تخوم قطاع العزة من الأمة المسمى غزة!!

الذين أحالوا أنفاقهم ومتاريسهم محاريب.. تسابيحهم فيها طلقات بنادقهم ورشاشاتهم وابتهالاتهم فيها صواريخ يطلقونها وعبوات يفجرونها..

القابضين على أسلحتهم في مواجهة خلايا الاحتلال السرطانية العطشى لنيلٍ حلا وفرات، المتطلعة لخيبر ويثرب وبيت إبراهيم –عليه السلام- في مكة..

إنها تصاريف القدر التي خلصتنا في أحلك الأوقات من رؤوس الأفاعي وأساطين الشر فصرعت رابين برصاصات يهودية وخلفت وراءها شارون جيفة قذرة منسية؟ واستهدفت المجرم أولمرت بالخلايا السرطانية..

استهداف تزامن مع ظروف مصيرية تمر بها القضية الفلسطينية يراد خلالها مسخ حقوقنا وتقزيم مطالبنا الشرعية وإجهاض مشروع المقاومة وإدخال المنطقة بأسرها في عصر صهيوأمريكي..

استهداف تزامن مع اشتداد وطأة الحصار الجائر المفروض على أبناء شعبنا في قطاع غزة ليس من الاحتلال البغيض فحسب ولكن من كل المحيطين به مع صمت عربي وإسلامي مريب وتحريض مخزٍ معيب من سماسرة رام الله..

كان طبيعياً أن تبادر كوندوليسا رايس بالاتصال بشريكها الحقيقي للاطمئنان على صحته من جهة والاطمئنان على سير الترتيبات الآثمة التي تم الاتفاق عليها بشأن لقاء أنابوليس الخريفي من جهة أخرى.. أما أن يسارع محمود عباس وسلام فياض وصائب عريقات لتقديم خالص الأمنيات والدعوات بالشفاء العاجل لخلية سرطانية تدعى "أولمرت" تقود ورماً خبيثاً في القلب النابض لأمتنا وتوشك أن تجتاح مسجدنا الأقصى المبارك وتنشر في ساحاته صديداً وقيحاً بشرياً تراكم عبر أربعين سنة عند حائطه الغربي.. فذلك ما لا يمكن أن يكون مقبولاً أو مستساغاً بأي حالة من الأحوال. ولن تقبل معه أي حجة من الحجج التي سيتشدق بها الناطقون باسم الرئاسة ويسوقونها علينا وعلى شعبنا وأمتنا بأن ما فعلوه إنما هو ضرب من ضروب من السياسة والكياسة والدبلوماسية التي عجزت حماس عن فك طلاسمها! وضرب من العبقرية التفاوضية التي لم يحظ بها سوى أمثال أبي رغال!!

أكان عجباً أن يسارع عباس للاتصال بشريكه الذي اعتاد أن يؤاكله ويشاربه ويتبادل معه ومع زوجته القبلات الحارة كل أسبوع أو أسبوعين؟

أكان عجباً أن يسارع فياض لذلك وطعام الإفطار الذي تناوله مع تسيبي ليفني في شهر رمضان المنصرم لمّا تذهب نشوته؟

أكان عجباً أن يسارع عريقات "كبير الدلالين" على الأقصى والصخرة وفلسطين إلى التعبير عن انزعاجه مما ألمّ بضيفه الأثير الذي ملأ الدنيا مدحاً وثناء وإطراءً للطعام الذي أعدته بعناية فائقة زوجة عريقات لأولمرت وعصابته خلال زيارته الأخيرة لأريحا؟

لم يكن عجيباً ولا غريباً أن يتزامن اتصالهم بأولمرت لتقديم طقوس الحب والولاء المطلق مع قيام مروحيات الأخير بقصف أهلنا في غزة لتحرق بلظاها أربعة من أفراد الشرطة الساهرين على أمننا وأماننا، وتزامنها مع تكثيف جيش الاحتلال لهجماته وتسللاته تمهيداً لاجتياح وشيك أعلن عنه وزير حربه ايهود باراك مع تشديد للحصار وتقليص أكبر لإمدادات الغذاء والوقود طمعاً في تركيع أهلنا في قطاع العز وكسر إرادتهم وصمودهم..

إزاء كل تلك المؤشرات الصادرة عن أولئك المتاجرين بقضيتنا ومقدساتنا وإظهارهم كل صروف المودة والإخاء لأعدى أعدائنا فإنني أجزم بأن أي دعوة للحوار معهم ستكون ضرباً من الجري وراء سراب خادع لا يمكن أن يفضي إلى أي خير لشعبنا أو لقضيتنا بعدما أصبح الهمّ الوحيد لهم  الترويج لكل الإملاءات الصهيوأمريكية ومحاولة تطبيع شعبنا مع تلك الإملاءات والضغوط والقبول بأدنى سقف من الحقوق والمطالب. بل والتصفيق لضياع حق العودة والتطبيل لتقسيم القدس وتبادل الأراضي والرضا بوعود مبهمة لنا بدولة مسخ "ينعم" فيها المواطنون بالتصبح والتمسي ببقاء تلك الوجوه الكالحة فيها على سدة الحكم ليواصلوا إصدار مراسيمهم الكارثية ويواصلوا سوم أهلنا أشد العذاب قتلاً واعتقالاً وتعذيباً وتسليماً للصهاينة في الضفة المحتلة وزيادة خنق أهلنا وحصارهم في غزة وتأليب عناصرهم الفاسدة بالإضراب عن العمل في المستشفيات والدوائر الحكومية مع القيام بالأعمال الإجرامية التي من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار "كرمال عيون" كوندي ودايتون وصديقهم السقيم "أولمرت".

أولئك الذين طاروا شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً للترويج لمؤتمر الخريف القادم فاتهم أن الأوراق باتت تسقط قبل موعدها وأنه ما عاد لديهم أي ورق يغطي عوارهم وعوراتهم بعد انكشاف أمرهم وافتضاحهم على رؤوس الأشهاد..

إنهم هم أنفسهم الذين ورثت عن والدي وصفاً دقيقاً لحالهم بأنهم "خافوا على الكرسي أن يبلى إذا بلي الأعادي"..

ولئن كان لدى أولمرت الجرأة ليعلن على الملأ خبر إصابته بالسرطان فلدينا الجرأة أن نعلن على الملأ كذلك أن أولئك أصيبوا بأشد من ذلك المرض، ليس في البروستاتا كصاحبهم وإنما في قلوبهم كما أخبر ربنا تبارك وتعالى بقوله "فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة"..

إنهم مرض ألمّ بأرضنا الطاهرة وقدسنا الحبيبة لا يمكن أن يطول بقاؤه في أرض لم تبق جباراً عنيداً ولا متجبراً مريداً ولا منافقاً بغيضاً إلا لفظته وأبعدته عن سمائها العبقة بأريج المعراج والإسراء وأزاحته عن ثراها المخضب بمسك الشهداء وما علينا إلا أن نستحث القدر بتكثيف الدعاء أن يشفينا الله منهم ويعافينا من أمثالهم.

               

*  كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.