الشعب السوريّ بين طُغيان حُكّامِه ومَطامِع أعدائِه

الشعب السوريّ بين طُغيان حُكّامِه ومَطامِع أعدائِه

د.محمد بسام يوسف*

[email protected]

وحدَه النظام الحاكم في دمشق.. يتحمّل كامل المسؤولية عن أي أذىً يلحق بسورية الوطن والشعب، بسبب التداعيات التي أفرزتها حماقاته السياسية والأمنية، فضلاً عن جرائمه المتعدّدة داخل سورية وخارجها، لأنّ ممارساته الدكتاتورية الإرهابية هي التي ساقت سورية إلى هذا المأزق الأخطر في تاريخها، وعلى النظام وحده دفع ثمن الجرائم التي لطّخ (بارتكابها) سُمعةَ سورية ومكانتها المرموقة في المنطقة والعالَم، واحدةً من الدول المؤثِّرة في أشدّ مناطق العالَم سخونةً، بموقعها ودورها الحضاريّ والسياسيّ عربياً وإقليمياً.

 على مدى أربعةٍ وأربعين عاماً.. فشل النظام في كل شيءٍ يمكن أن يحققَ الخير للشعب السوريّ وللأمة وقضاياها المصيرية، لكنه نجح بامتياز، في جَرّ البلاد إلى شَرَك التدخّلات الدولية والصهيونية السافرة في الشؤون الداخلية لسورية.. وهكذا هي الأنظمة الاستبدادية دائماً، تنتهك حرمات الوطن بأبشع صورة، ثم تُغرقه وشعبه بجرائر جرائمها وانتهاكاتها، وتخوض المعارك الشخصية الخارجية من غير إعدادٍ أو تفكيرٍ بالنتائج، فإن حقّقت بعض النجاحات.. جيّرتها لصالح النظام المحليّ وأشخاصه المتسلّطين، وإن هُزِمَت.. دفع الوطن كله ثمن حماقتها ورعونتها!.. وهكذا هو الوضع الذي تمرّ به سورية الآن، فقد تنازل النظام عن كل شيء، بما في ذلك الكرامة الوطنية، لكنّ الوطن كله قد يدفع ثمن جرائم حُكّامه: عقوباتٍ وحصاراتٍ وتدخّلاتٍ سافرة، أو هجوماتٍ عسكريةً سيكون النظام أول الفارّين من مواجهتها.. فقد صنع كل المبرّرات لذلك، ومنح أعداء الوطن والأمة فرصتهم الكاملة لتمرير مخطّطاتهم المشبوهة في بلادنا، بعد أن فتّت الوحدة الوطنية، وسحقَ كرامة الوطن والمواطن، وهيّأ البيئة المناسبة للعدوان!..

 ليس هناك عاقل يمكن أن يقتنعَ بأنّ أميركة وغيرها من دول الغرب أو الشرق.. حريصون على العدالة وحقوق الإنسان السوريّ وحرّيته، أو حريصون على دم زعيمٍ لبنانيٍ عربيٍ بوزن الشهيد الحريري المغدور.. إلا بمقدار ما يؤسِّس لصناعة المبرّرات اللازمة لفرض الإرادة الاستعمارية على بلادنا، فلهذه الدول تاريخها الطويل في تجاهل جرائم النظام بحق أبناء شعبه وأبناء الشعب اللبنانيّ منذ أكثر من ثلث قرن، بل بالسكوت عنها وتشجيع مرتكبيها وتأمين الغطاء المناسب لهم مع الحماية التامة، لأن النظام -بكل بساطةٍ- كان إحدى أدواتهم الاستعمارية في تنفيذ مخططاتهم وتحقيق مصالحهم ومصالح العدوّ الصهيونيّ!..

 إنّ شلالات الدم الذي سفكه النظام الأسديّ وإرهابيّوه على مدى عشرات السنين، أشدّ هديراً من الكلمات الباهتة الباردة التي يُلقيها اليوم بعضُ زعماء الغرب بحق النظام السفّاح، يُلقونها بكل أدبٍ واحترامٍ بل وخجل!.. وإنّ الإرهاب الذي مارسه النظام ويمارسه تحت سمع العالَم وبصره، أشدّ فتكاً بكلّ القِيَم الإنسانية التي ينبغي أن يدافعَ عنها ما يُسمى بالعالَم الحُرّ.. فإرهاب النظام الفاسد امتدّ من سورية إلى لبنان والعراق والأردن وبعض دول الخليج العربيّ وألمانية وإسبانية ويوغوسلافية وفرنسة.. وغيرها من دول العالَم.. ومع ذلك، لا يزال بعض زعماء الغرب يلوكون الكلمات ويطحنون الهواء، في الوقت الذي تصبّ فيه أجهزتهم الأمنية جام غضبها على مُسافرٍ في مطار، أو على عابرٍ حدودَ دولةٍ من دولهم بشكلٍ نظاميٍ رسميّ!..

 إنها الدول الداعمة للنظام الغارق في دماء اللبنانيين والسوريين والعراقيين والفلسطينيين.. دعماً غير محدود، التي كانت تُطلِق يده الملوثة في كل الاتجاهات.. لكنها اليوم تبدو حريصةً أشد الحرص على العدالة والنـزاهة، فالعدالة والنـزاهة في عصرنا لهما مواسم، تُحرّكها المطامع الاستعمارية لا المبادئ الإنسانية، والعبيد من سدنة النظام لم يعودوا قادرين على تحقيق مصالح الأرباب المزيّفين والأولياء الأوصياء، فيما كل الجرائم التي ارتكبها هذا النظام المستبدّ على الساحة السورية وغيرها من ساحات الدول، وراح ضحيّتها عشرات الآلاف من الأبرياء.. لم تحرِّك ساكناً في قلوب المنتفِضين الآن، وذلك خلال السنين الآفلة من عمر نظام دمشق وليله الطويل.. فأين كان زعماء الغرب طوال أكثر من أربعين عاماً من استبداد النظام واضطهاده واقترافه كلَّ مُحَرَّمٍ بحقِ شعبه وحق الإنسانية؟!.. وأين هم الآن من كل ذلك؟!..

 هذه هي حقيقة النظام الإرهابية سافرةً اليوم، فنحن نعرفها جيداً حق المعرفة، لأننا -مثل كل أبناء شعبنا السوريّ- اكتوينا بنارها، مع أنه كان لا يملّ من التطبيل والتزمير بأنه يحارب الإرهاب ويكافحه، ويجد من دول الغرب الاستعمارية مَن يدعمه ويحميه، بالسكوت المطبق على إرهابه، فيما يوصَف ضحاياه بالإرهابيين.. فأيّ عدالةٍ هذه التي يزعمونها، وأيّ إنسانٍ هذا الإنسان السوريّ، الذي تُهدَر حقوقه في زوايا النسيان والتجاهل التام؟!..

               

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام