مفارقات الأخلاق الأميركية
د. محمد بسام يوسف*
سندمّر العراق، وعليكم تحمّل فاتورة تدميره ثم تعميره!..
هكذا كانت (مافيا) الإدارة الأميركية تنسج تصريحاتها، بزعامة مجرمي الحرب (بوش ورامسفيلد وتشيني)، وإمعاناً في الغطرسة والتجبّر والطغيان، قامت إدارة بوش –قبيل احتلال العراق- بحشد التأييد لظلمها وعدوانها، بأساليب الضغط والابتزاز والتهديد والوعيد!.. وآخر ما تفتّق عنه العقل الأميركيّ الشاذ ووقاحته، هي خروج المبعوثين الأميركيّين من واشنطن إلى عواصم أوروبة والخليج العربيّ.. يتسوّلون!.. يتسوّلون ماذا؟!.. مئات المليارات من الدولارات الأميركية، كلفة تدميرهم المزمع للعراق أثناء احتلاله، ثم إعادة تعميره المزعوم!..
أميركة كانت عازمةً على احتلال العراق الشقيق، واحتلاله لا يمكن أن يتم إلا بعد تدميره تدميراً كاملاً!.. وكلفة التدمير يجب أن تتحمّلها دول النفط العربية، لكن كلفة إعادة التعمير فهي على الحلفاء الأوروبيين!.. فالتدمير تقوم به الجيوش الأميركية، والتعمير تقوم به الشركات الأميركية الكبرى!..
أميركة تقول للعالَم: سنحتل العراق ونسيطر على نفطه وثرواته، لكنّ ذلك سيتطلب تدميره أولاً على حساب العرب، ثم تعميره على حساب الحلفاء الأوروبيين!.. أما مهمتنا فهي تنفيذية: تنفيذ التدمير، ثم نهب كلفة التعمير، ولماذا نعمِّر بلداً نحتلّه؟!.. ثم إحكام سيطرتنا على النفط والغاز والثروات والموقع الاستراتيجيّ!.. وبذلك تنتهي هذه الغمّة التي اجتاحت العالَم إلى درجة الاختناق، ويُسدَل الستار على الأزمة التي افتعلناها لإنقاذ اقتصادنا وهيبتنا!..
يحدث كل ذلك جهاراً نهاراً، وهذا ما استفزّ وزيرةً ألمانيةً -بعد أن افتقد العالَم الرجال- لتصرّح: (إنها وقاحة أميركية فظّة)!..
طغيان أميركي ليس قبله ولا بعده طغيان، فهل وصلت أميركة إلى حافة الهاوية، التي ستجرفها إلى حتفها؟!.. لا نعتقد غير ذلك مطلقاً!..
ستهوي أميركة-بإذن الله عز وجل- في قذارة روحها وأخلاقها الآسنة!..
* * *
الشذوذُ في أميركة والغرب .. حقٌ مشروع!..
كلنا شاهدنا الرئيس الأميركي السابق (بيل كلينتون) على شاشات التلفاز منذ سنوات، وهو يقدّم اعتذاره إلى الشعب الأميركي، والحزن ظاهر على وجهه، والكمد يأكل قلبه!.. على ماذا كان يعتذر (كلينتون)؟!.. كان يعتذر لارتكابه (جريمة الكذب) على شعبه، حين أنكر في وقتٍ سابقٍ وجود أي علاقةٍ غير شرعيةٍ له مع إحدى موظفات البيت الأبيض: (مونيكا)، لكن بعد أن افتضح الأمر وانكشف المستور، لم يجد رئيس الدولة العظمى بُدّاً من الاعتذار لشعبه، لأنه لم يخبرهم بالحقيقة!.. أما الفضيحة المدوّية بعلاقته الجنسية غير الشرعية مع (مونيكا)، فهذه لا تستحق الذكر ولا الاعتذار، لأنها تتعلق بالحرية الشخصية، حتى لو وصل الأمر إلى درجة الخيانة الزوجية!..
العجيب في هذا الأمر، أنّ ذلك الاهتمام الشديد بالتبرئة من الكذب وعدم الالتفات إلى الفضيحة الأصلية.. لا يقتصر على (كلينتون) فحسب، بل هي سمة أخلاقية لدى شعبه الأميركي أيضاً، الذي غفر للرئيس وانتهى الأمر، أيّ ذنبٍ غفر الشعبُ للرئيس؟!.. ذنب الكذب؟!.. أما الخيانة الزوجية والشذوذ الجنسي مع عشيقة، فهذا ليس ذنباً، لأنه يدخل في صلب القيم الغربية الأميركية، وهو من صميم الديمقراطية والحرية والحقوق الشخصية المحترَمة دستورياً واجتماعياً!..
عظيم هذا الشعب الأميركي الذي يحسده الناس على عَظَمَته!.. أليس عظيماً هذا الشعب الأميركي؟!..
ذلك الشذوذ لا يقتصر في الغرب على تلك الحادثة، فهناك في الدول الغربية وزراء وسياسيون ومثقفون.. يمارسون الشذوذ الجنسيّ باعتباره أحد الحقوق الإنسانية المشروعة!.. وهناك جمعيات ومنظمات لرعاية شؤون هؤلاء والدفاع عنهم في المحافل السياسية والاجتماعية!.. وهناك معارك سياسية طاحنة تجري، لحصول أولئك الشواذ على حقوقهم الكاملة في (الشذوذ)، ومعظم تلك المعارك تنتهي لصالح الحرية والعدل وحقوق الإنسان، أي لصالح الشاذين المنحرفين!..
الجماعات الشاذة في أميركة والغرب، كيانات لها حقوق، والاعتراف بحقوق أعضائها في (الشذوذ) يُعتبَر تقدّماً وحريةً وديمقراطيةً وازدهاراً.. أما انتهاك حقوق شعوبٍ كاملة، وتهديد أمنها واستقرارها، ونهب ثرواتها، واحتلال أوطانها، وقتل إنسانها، والعدوان المستمر عليها، وتدمير كل خيرٍ فيها.. فهذا من الذي لا بدّ منه، لنشر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان!..
تَحَرُّر المرأة من الأخلاق السويّة، ومن الستر والعفاف.. تَقدُّم وعَصرية وارتقاء!.. أما التزامها بدينها الإسلاميّ وبأخلاقها الإنسانية الراقية.. فهو تخلف وكبت وانتهاك لحقوقها الإنسانية!..
التفكّك الأسريّ نتيجة الشذوذ وانتهاك كرامة المرأة وممارسة كل محرّم.. حرية ورقيّ وحضارة رائعة!.. أما الترابط الأسريّ والابتعاد عن المحرّمات، فهو جهل وتقوقع في الظلامية والظلام!..
هذا هو الغرب، وهذه هي أميركة، وتلك هي القيم التي يعتنقونها ويروّجون لها ويسوّقونها، في عالمنا المنكوب بهم.. وبأذنابهم وتلاميذهم وإمّعاتهم من بني قومنا!..
* * *
رفاهية القطط والكلاب الأميركية!..
الممثلة المشهورة (بريجيت باردو)، ذرفت دموعها بغزارةٍ -مراتٍ عدة- أمام كاميرات التلفزيون في الغرب، حسرةً وألماً وحزناً، على (الخراف) التي يذبحها المسلمون في عيد الأضحى المبارك!.. لأنّ تلك الحيوانات الوديعة لا تستحق كل هذه القسوة والهمجية التي يقترفها المسلمون بحقها!..
من أول المهمّات الأساسية التي انبرى الغرب لتنفيذها في أفغانستان، بعد تدميرها وقَتْلِ أكثر من خمسة آلاف رجلٍ وامرأةٍ وطفلٍ فيها، على أيدي القوات الأميركية الغازية.. من أول تلك المهمّات كانت: تشكيل وفدٍ من جمعيات حقوق (الحيوان) لزيارة (كابول) العاصمة، والاطلاع -عن كثب- على حقيقة أوضاع الحيوانات المفترسة في حديقة الحيوان هناك، وذلك لوضع خطةٍ متكاملةٍ لرعايتها وحمايتها وتأمين ما يلزمها من الطعام والدواء وحسن المسكن و..!..
مليارات الدولارات تُصرف في أميركة والغرب على تربية القطط والكلاب، لرعايتها وترفيهها وتأمين حياةٍ كريمةٍ لها، إلى درجة توظيف خدمٍ لها، وتصفيف شعرها في أرقى الصالونات المعدّة لذلك، ورعايتها حتى بعد موتها، ببناء المقابر الخاصة لها، فضلاً عن بناء المنتجعات الراقية، لتعهّدها بالرعاية بعد موت أصحابها، وقد تصل كلفة رعاية القطة الواحدة أو الكلب الواحد طوال الحياة، إلى أكثر من ربع مليون دولار!.. وفي عام 2001م صرفت أميركة أكثر من خمسةٍ وعشرين ملياراً (نعم ملياراً) من الدولارات، على ملايين القطط والكلاب المرفَّهة، التي تنعم برغد العيش!..
صدِّقوا.. أو لا تصدِّقوا!.. فهذه هي الحقيقة من أجهزة إعلامهم ومجلاتهم وصحفهم وتقاريرهم الخاصة، وهذا كله يحصل في أميركة وبريطانية خاصةً، فيما أكثر من ثلث سكان العالَم يعيشون تحت خط الفقر، ويموت ملايين الناس في العالَم من الجوع والبرد ونقص الدواء، كما يموت ملايين الأطفال من انعدام الرعاية الصحية والتغذوية!..
يَعْتَدون على شعوب العالَم، وينهبون ثرواتها، ويستغلّون أوطانها، ويَمُصّون دماءها وخيراتها.. ثم يبذّرون ذلك كله على أنفسهم وقططهم وكلابهم وحيواناتهم، التي ربما أصبحت أرقى منهم أخلاقاً ومَكانةً!..
* * *
عالَم ظالم هذا العالَم الأميركيّ الغربيّ، عالَم بلا أخلاق ولا قِيَم.. أليس كذلك؟!..
*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام