ألف يوم يا غزة

خليل الجبالي

[email protected]

يوم وراء يوم يا غزة وأنت رمزٌ للصمود والثبات، يوم وراء يوم يا غزة وأنت رمزٌ للعزة والكرامة، يوم وراء يوم يا غزة وحصارك عار على جبين العرب ، يوم وراء يوم يا غزة ومعبرك مصفد بسلاسل إخوانك الذين خضعوا لأعداءك، يوم وراء يوم يا غزة والمسلمون في وهن حتى سالت دماؤك ولا من معتصم، يوم وراء يوم يا غزة وأهل السلطة في تناحر وفضائحهم تفوح، وما خفي كان أعظم، يوم وراء يوم يا غزة ووسيط المصالحة يخيب أمالك، ويضيق خناقك، ويجعل رجالك مكتوفي الأيدي.

ألف يوم مرت على الحصار والتشريد والتجويع والإذلال لأبناء غزة ، ولِمَ كل هذا؟ .

لخوض حركة حماس الانتخابات وفوزها بتشكيل الحكومة .

إن خوض الانتخابات لَهُوَ حق مكفول لكل مواطن، وفوزه مرهون بما قدَّمه لشعبه ووطنه، أو ما لديه من رؤية مستقبلية يجيد عرضها، أما أن يُحاصرَ الشعب  ويوضع جبراً في حرب لا مناص منها، وفي ظل صمت دولي وتخاذل عربي، لأمر يضع العاقل في حيرة  بعض الوقت ،ولكننا عندما نقرأ قول الله عزَّ وجلَّ : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا) [سورة المائدة – آية 82]، وقوله تعالي: (ولَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ ولا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدَى ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن ولِيٍّ ولا نَصِيرٍ)[ سورة البقرة – آية 120]، فسوف تزاح الغمامة من فوق العيون.

إن الخزي والعار في أفرادٍ يمثلون  الشعب ويتحدثون بلسانه، ثم يقومون  بالتعاون مع العدو بصورة مباشرة وغير مباشرة في تحقيق أهدافه ، وإجراء مفاوضات مباشرة وغير مباشرة معهم.

 إن السلطة الفلسطينية أهدت لليهود ما لم يستطع أن يفعله شارون وشامير وألمرت وأعوانهم .

فقد قامت السلطة الفلسطينية بالتعاون مع قوات الاحتلال  بتطبيق روح أوسلو، وهو الجانب الأمني بالتعاون مع ديتون، وبتنسيق ودعم أوروبي وعربي وتحت مسئولية مباشرة من  رئيس وزراءها المفروض على الشعب - سلام فياض.

وقامت السلطة الفلسطينية بتفكيك جميع قوى المقاومة ومصادرة الأسلحة والأموال  بالضفة بما فيها تلك الخاصة بحركة فتح فضلاً عن باقي الفصائل.

وقامت السلطة الفلسطينية بتطهيرها - على حد قولها - الأجهزة الأمنية بالضفة من كل من سبق واشترك في مقاومة الاحتلال ، حتى صارت مقاومة الاحتلال نجاسة وعارًا يجب تطهيرها والكف عنها.

وقامت السلطة الفلسطينية بتغيير الأجهزة الإدارية وتطهيرها من أفرد حركة حماس وأمثالهم - على حد قولها أيضاً - بحيث تتناسق مع طبيعة المرحلة القادمة، والتخلص من كل من يُذَكِّر بمرحلة الانتفاضة ومقاومة الاحتلال المشئوم.

وقامت السلطة الفلسطينية بتقسيم الشعب بالضفة إلى عشائر ومناطق بل إلى قرى بحيث  لا يمكن أن تتواصل مع بعضها البعض، ويسهل التعامل مع كل منها على حدة، وحصر من يفكر أن يتعاون مع المقاومة أو يعترض جنديا من جنود الاحتلال.

لم ترفع السلطة الفلسطينية صوتاً مطالبةً برفع الحصار عن إخوانهم الغزَّويين، حتى صارت  الحياة في غزة لا تطاق ، فقطع الكهرباء وغلق المياة ومنع الإمدادات بالطاقة اللازمة وغيرها أصبحت سمةً يومية لغزة وأهلها،  حتى تتعطل حياتهم ويتعرضون للضغوط الحياتية، فيفض الكيل وتضيق الصدور، فينقلبون على من بيدهم تسيير الأمور في غزة- هكذا يريدون- ولكن الله سبحانه وتعالى خيب ظنهم وأضعف حيلهم، فصار أهل غزة رمزاً للصمود ، وقوةً في تحمل المشاق، وقدرة فوق الصعاب، وهامة عالية فوق المتاعب والأهوال.

لقد رفضت السلطة الفلسطينية – في بادئ الأمر-  مناقشة تقرير جولدستون الذي يفضح فيه الجرائم اللأخلاقية لليهود في حربهم وإبادتهم لغزة وأهلها .

لِمَ كل هذا ؟ ومن يأخذ على أيديهم؟ ومن يوجههم التوجيه الصحيح؟

إن الحكومات العربية والإسلامية لمسئولة بالدرجة الأولى – وليس غيرها - عن  كل ذلك ، ومسئولة عن الحال الذي وصل إليه شعب فلسطين الأعزل من تشتيت وضياع، وتشريد وانقسام وفرقة، ومسئولة عن التفريط في أي شبر من الأرض، وذلك انطلاقاً من المسؤولية الوطنية والتاريخية التي تقتضي إعلاء المصلحة العليا للعرب والمسلمين، ومن ثم للشعب الفلسطيني.

إن الدور الذي ننشده من الحكومات العربية  تجاه فلسطين وشعبها الأعزل  لن تقوم أمريكا أو الاتحاد الأوربي أو المجتمع الدولي به، ولن يكون لغيرهم ، وهي مسئولية أمام الله سبحانه وتعالي وأمام الشعوب العربية التي لن تغفر لهم يوماً تخاذلهم تجاه إخوانهم، يقول الله تعالي: (وإن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإن بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) [سورة الحجرات- آية 9].

 ألف يوم ياغزة مرَّ بنا ونحن في حسرة ، وأنت في عزة.

ألف يوم يا غزة وأيدينا إلي الله بالدعاء مرفوعة، وأيدي الحكومات مكتوفة .

ألف يوم يا غزة ودماؤك تسيل، ولكنها تكتب شهادة النصر بقلمك الأبيِّ.

ألف يوم يا غزة وأنت في صحة وعافية إن شاء الله.

ألف يوم يا غزة ولك الله.