المنطق السّخيف... في ترّهات المدعو جوزيف

صلاح حميدة

[email protected]

 بالرغم من قناعتي بأنّ خائنا ًمثل هذا لا يستحق أن يتوقف عند حادثته كثيراً، إلا أنّ وقاحته وجهره بالخيانة، والألم الكبير الذي تسبب به لشخصية  وطنية محبوبة ومحترمة من غالبية أطياف الشعب الفلسطيني، وهو الشيخ حسن يوسف والعائلة، وتجرّئه على المسلّمات والقناعات الدينية و الوطنية الفلسطينية، ولقناعتي بأنّ المدعو جوزيف – مصعب سابقًا-  ما هو إلا أداة يتم تحريكها من أعداء الشّعب الفلسطيني، قررت أن أكتب هذا المقال.

 بداية القصّة

من المهم أن يدرس أي متابع لقصة ردّة وخيانة جوزيف - مصعب سابقاً- الخلفيات التي قادت هذا الشّخص للوقوع في وحل الخيانة والرّدة في نفس الوقت، والقصّة تبدأ من نقطتين رئيستين:-

· كثير من الناس ينشأ في عائلة طيبة مناضلة تحمل همّ الأمة وتعتبر نفسها صاحبة رسالة في المجتمع، وفي وضع كالذي نعيشه في فلسطين، يتعرّض هذا النّوع من الأسر لاستهداف دائم من كل أعداء الشّعب الفلسطيني، وهذا الاستهداف يكون له أبلغ الأثر على أسرة عميدها مستهدف أساساً بالاعتقال والتنكيل والملاحقة، وفي هكذا حالات ينقسم أبناء ربّ الأسرة بين ملتزم بخط والده، يقف على يمينه، ويسير على طريقه، وهذا الغالب، ومنهم من يفضّل العيش بلا انتماءات سياسية، ويفضّل العيش بعيداً عن الاستهداف والاعتقال كعامّة الناس.  وهناك صنف يسعى للابتعاد عن كل ما يمت لطريق المعاناة بصلة، ويحرص في مظهره وجوهره لإثبات أنهّ بعيد عن خطّ والده وأسرته، ويتضمّن ذلك الذّهاب بعيداً حتى الرّدة السّياسية والدينية والخيانة لصالح أعداء شعبه وأمّته، ويصل لمرحلة من الحرص الدّائم على التّنصّل من الحالة التي يعيشها أهله، والمبالغة في التبرؤ منها، بل ومناقضتها والحرب عليها، بشكل غير معقول  سعياً لتبرير التّغير الذي حصل عنده، وهذه من الحالات النّادرة، ولكنّها حصلت عدة مرات، وبعض هذه الحالات جاهر بما جرى عنده من تحوّلات، والبعض الآخر توارى بصمت.

· أبناء الأنبياء و القادة والزّعماء والرؤساء محل استهداف دائم من قبل أعدائهم و الأجهزة الاستخبارية المعادية، لما لإسقاطهم من أثر أمني ونفسي وإعلامي على القادة أنفسهم، وعلى عامة الناس ومريدي هؤلاء القادة، وعلى صورة الحركة الوطنية والمسيرة الدعوية والحركات السياسية، وسمعة الدول، ولذلك يحظى هؤلاء بتركيز مميّز لإفسادهم وحرفهم عن خطى والدهم وعائلاتهم.

بدأت قصة مصعب -  جوزيف لاحقاً-  باعتقاله وضربه وتعذيبه من قبل الاحتلال كما قال، وكان وقتها فتىً يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، وقدّر لي أن التقيه في السّجن حينها، وعندما حضر للسجن بقي فترة قصيرة، وحسبما قال فيما بعد وأكّدته الوقائع والشّكوك التي كانت تدور حول تصرفّاته من قبل عامة المعتقلين، بأنه قد وافق على الارتباط مع الاحتلال، وكان واضحاً تأثر المعتقلين من كون ( الشيخ ابتلي بولده هذا كما ابتلي نبي الله نوح بولده)، لم يلبث مصعب في السجن إلا قليلاً وتم نقله بعد أن تبيّن للمخابرات الاسرائيلية أنّه تم اكتشاف أمره وأنّ هناك إمكانية لنصحه وإرجاعه عن طريق العمالة، وبالرغم من ادعائه في قصّته أنّه ارتبط ليكون عميلاً مزدوجاً، إلا أنّ حداثة سنه مع الاستعداد النّفسي والرّعب من جو الخوف والضّرب الذي وضع فيه من قبل مخابرات الاحتلال، بالإضافة للفضول  غير المدروس والانبهار بالعدو وبقدراته، وفقدان الثقة بالنّفس وغيرها، جعلته ينحدر سريعاً في طريق الخيانة، وهو الذي كان واضحاً عليه من ناحية المظهر والجوهر، وعندما خرج من السّجن عاش وعمل في مؤسسة خاصة، ولم يكن من أهل المساجد ولا من أهل السياسة.

من المهم الاشارة إلى أنّ جوزيف عندما أعلن عن تنصّره، أكد بأنّه ليس عميلاً للاحتلال، وتوقّع بأنّه سيتّهم بذلك، ثم ياتي اليوم، ويعلن صراحة بأنّه عميل للاحتلال، وأنّه أنقذ الكثير ممن اعتبرهم أبرياء من القتل؟!.

يقول جوزيف أنّ بدايات التّحوّل عنده كانت عندما رأى عناصر حماس يعذّبون إخوانهم في الحركة، وفي نفس الوقت يقول أنّه كان يشارك في هذا التحقيق أو التعذيب، وأنّه كان يدوّن اعترافات العملاء الذين يتم التحقيق معهم؟!.

هنا لا بد من لفت النّظر إلى أنّ عمليات التّحقيق مع المشتبه بعمالتهم للاحتلال تتم في السّجون الاسرائيلية وخارجها منذ انطلاق الثورة الفلسطينية وحتى سنوات قريبة، وأنّ هذه الممارسة ضد المشتبه بخيانتهم كانت تتم من قبل جميع الحركات السياسية الفلسطينية، وتعتبر حركة  حماس الأقلّ ممارسة لهذه العمل لحداثة انطلاقتها، ولأن هذا الموضوع يخضع عند حماس لضوابط كثيرة منها الشّرعي ومنها الاجتماعي، حتى إنّ ضوابط التّعامل مع ظاهرة العمالة من قبل حماس لفتت نظر مدير مركز الأبحاث في جامعة بيرزيت في بداية انتفاضة  عام 1987م، وكتب دراسة عن هذا الموضوع، تضمّن مقابلة مع الشيخ أحمد ياسين قائد ومؤسس حركة حماس.

 ومن المهم الادراك بأنّ هذا التحقيق تخلله بعض التّجاوزات خلال الفترة ما بين 1994 - 1997م، نتيجة لظروف الاعتقال في السّجون، ومن أهمها ضيق وقصر فترة التّحقيق، وعدم وجود خبرة لدى المحققين واعتمادهم على تجارب التنظيمات الفلسطينية السابقة لحركة حماس في التعاطي مع هذا الملف الخطير، وأيضاً حالة الهَوَس والشّك التي كانت تصيب بعض المحققين، والتي كان ينتج عنها بعض التجاوزات المرفوضة، وهذا استدعى حينها قراراً من الشّيخ أحمد ياسين نفسه،  أمر فيه  بالغاء كل التشكيلات التي كانت تمارس التحقيق ومنعه تماماً، ومراجعة وتصويب أوضاع من تم التحقيق معهم،  وبقي الوضع على قرار الشّيخ ياسين في السجون منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، وهذا معلن وليس سراً.

كما أنّ من وقع بحقهم  تّجاوزات لم يقم أي شخص منهم بالارتداد عن دينه، ولم يقم أي منهم  بالارتماء بحضن الاحتلال، بل الكثيرون منهم بقي يطالب باعادة تقييم ما تم معه، وتم تبرئة غالبيتهم وتصويب أوضاع آخرين، ويسجّل لحركة حماس وللشيخ حسن يوسف نفسه، أنّهم دفعوا الدّية لأهل شخص يشتبه بعمالته للاحتلال،  قتل بطريق الخطأ على يد عناصر من القسّام في رام الله أثناء التحقيق معه.

كما أنّ بعضهم انضم لصفوف المقاومة خلال انتفاضة الأقصى، وارتقى شهيداً في عمليات نوعية، وبالتالي لم يؤد هذا التجاوز بحقهم إلى الانحراف، فكيف بمن أقرّ بأنّه كان جزءاً من الخلل؟.

إذاً كانت دوافع جوزيف الألم والحقد على من حققوا وعذّبوا رفاقه في العمالة، فهو كان عميلاً من قبل أن تطأ قدماه السّجن، أي أثناء التحقيق معه من قبل الاحتلال في مركز توقيف في مدينة القدس، وبالتالي بداية سقوطه كانت قبل أن يرى ما يحل بأمثاله في السجن وليس بعدها، وما كلامه هذا إلا تبرير للسقوط والخيانة، وليس العكس.

قصّة التّنصّر...

 علاقته مع الكنيسة بدأت عن طريق المخابرات الاسرائيلية، وليس عن طريق سماعه لمقولة ( أحبَّ أعداءك) كما يزعم، فقد ذكر المحامي فهمي شبانة التميمي في أحد ملفاّت تسريب عقار منظمة التحرير الفلسطينية في القدس للكنيسة الصهيونية، التي هي أحد أذرع المخابرات الاسرائيلية، أنّ مصعب أعلن تنصّره فيها وفي المقر المسرّب في القدس، ومن المهم معرفة أنّ مجموعة من الشّباب - مسلمين ومسيحيين أورثوذكسي-  تعرّفوا على أحد منظّري هذه الكنيسة، ولها بالمناسبة فروع في مدن فلسطينية عدة، وتحاول الوصول للضحايا عبر توزيع المساعدات الغذائية وغيرها، وقام هؤلاء الشّباب بالتمثيل على متابعيهم بأنّهم يتجاوبون معهم، وتبيّن أنّ هؤلاء يحظون بتسهيلات كاملة من المخابرات الاسرائيلية، ووصل هؤلاء الشباب إلى قناعة بأنّهم يتعاملون مع مجموعة مخابراتية، أو كما سمّاهم صديق مسيحي بأنّهم ( طائفة نصرانية متهوّدة) وأعلن أنّ مسيحيي فلسطين لا علاقة لهم بهم، وأنّ هؤلاء صهاينة، مؤكّداً على معلومات رجل المخابرات الفلسطيني فهمي شبانة.

أمّا حب العدو، فهذه تعبّر عن ازدواجية وتبرير وانفصام يعاني منه جوزيف، وهذا يظهر عدم قدرته على العيش في واقع لا يمت له بصلة، ولكنه يوغل فيه يومياً بغير إرادة وربما بإرادة، ويشعر من يسمع ويقرأ له بأنّه يتعامل مع مريض نفسي يعيش صراعاً على مدار الساعة، ويتخبّط في وحل لا نهاية له، فمقولة ( أحبّ أعداءك) تعبر عن حب الخير للأعداء، وتمنّي أن يتركوا طريق الخطأ ويسيروا في طريق الصّواب، وهذا يقتضي تلقائياً منهم أن يعطوا الشّعب الفلسطيني حقه الذي سلبوه منه، ويعوّضوه عن جرائمهم بحقه، هذه الجرائم التي كان يراها ويعايشها جوزيف منذ ولد وحتى اليوم، ولذلك لا يعني أن تحبّ أن يهدي الله أعداءك، أن تصبح منهم، وتمارس معهم الجرائم بحق شعبك، بل تساعدهم كما تقول في قتل صديقك الذي كان يساعدك في الدّراسة، وتساعدهم في اعتقال والدك، وقتل أبناء شعبك، وأنت ترى قتلهم للعشرات والمئات يومياً، وتسير الجنازات أمامك، بل كنت تشارك في بعضها أنت مع والدك، فأنت هنا انتقلت لتكره شعبك، وأصبحت عدوّه، وانتقلت لتصبح قاتلاً مأجوراً وكارهاً لا يوجد في قلبه أيّ نوع من أنواع الحب للآخرين.

أمّا ما قاله جوزيف بأنّ ( حماس تقتل المدنيين، وإسرائيل تعمل حسب الدستور والقانون الاسرائيلي)، فهذا ترديد أعمى لادعاءات الصهاينة، فيما الواقع الجليّ يظهر الدولة العبرية كدولة عنصرية دستورياً، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تجيز القتل والتهجير وسرقة الاراضي وهدم البيوت بالقانون والدّستور، فهل دسترة القتل والتّهجير والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني مقبولة عند جوزيف، أمّا ردود الأفعال على هذه الجرائم فمرفوضة وتعتبر جريمة من وجهة نظره ؟!.

ويقع جوزيف في تناقض واضح عندما يقر أنّ والده علّمه كيف يحبّ البشر، ووالده بالطّبع من أشهر الدّعاة في فلسطين وهو  أحد مؤسسي حركة حماس وأحد قادتها ووجوهها الإعلامية البارزة، وبالتالي فجوزيف عاش في كنف من علّمه حبّ البشرية وحب الخير لها، ولم يكن غريباً عليه أن يسمع مقولة ( أحب أعداءك) وهذا يكشف أنّ دوافع تنصّره في الكنيسة الصهيونية المتهوّدة له دوافع أخرى. والغريب أنّ جوزيف يغفل أنّ حركة حماس لم تكن تستهدف من قال أنّهم مدنيين، بل كانت تستهدف العسكر فقط، وطرحت معادلة على دولة الاحتلال بأن يتم القتال وفق قاعدة عسكري لعسكري، وتجنيب المدنيين للصراع والعمليات، ودولة الاحتلال هي التي أصرّت على أن تستهدف المدنيين الفلسطينيين ورفضت عرض حركة حماس، وهذا الأمر عُرض على الاحتلال أكثر من مرة، فضلاً عن أنّ كافة الدساتير والقوانين الدولية والدينية تجيز محاربة من يحتل أرضك و( بكافة الوسائل)، وبالتالي الدستوري والقانوني هو فعل المقاومة الفلسطينية، والباطل هو الاحتلال وقوانينه وممارساته، أليس كذلك يا جوزيف.

 قصة جوزيف مع المال..

 يحاول جوزيف الإيحاء بأنّه كان يعمل مع المخابرات الاسرائيلية لقناعتة بوجوب  إنقاذ من يعتبرهم ( الأبرياء) من الموت، ومن باب حبّه لأعدائه، والانتقام من مقاومي الاحتلال، وأنّ المال لم يكن الهدف، ويقول أنّ وضعه المالي كان ( ممتازاً) وهذا مناف للواقع، فجوزيف كان فتىً يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً عندما أصبح خائناً، وفي هذه السن كان طالباً في المدرسة، كما أن والده الفاضل كان موظفاً في مديرية الأوقاف، وبالتالي عيشهم كان ولا زال في بيت متواضع، ولم تتحسّن أوضاع جوزيف المالية إلا عندما عمل في مؤسسة أجنبية الظاهر أنّ لها علاقات مخابراتية، وعمله كان فيها لمدة سنة تقريباً، وبعدها ترك العمل قبل خروج والده من السّجن بوقت قصير، والظّاهر أن ذلك كان بهدف إلصاقه بوالده كأمر واقع، لكونه ناطقاً إعلامياً باسم حركة حماس.

وبالتالي يتبين من خلال المدة القصيرة التي التصق بها جوزيف بوالده، ومن خلال حديثه هو عن فعالياته في خدمة  المخابرات الاسرائيلية، بأنّ نشاطاته كانت مرتكزة على أنّه استغل التصاقه بوالده في بعض القضايا، وهي أقلّ القليل، وهذا عائد حسب رأي الكثيرين، لحالة التّوجّس منه التي كانت تنتاب عناصر حركة حماس وغالبية  المحسوبين عليها، فحتى من لم يكن يشكّ فيه بأنّه خائن، كان لا يرتاح لا لمظهره ولا لتصرّفاته، فمظهره وجوهر تصرّفاته لم تكن توحي بانّه من أهل الدّين والوطنية، يؤكد هذا حرص المخابرات الاسرائيلية على أن يحضّوه على الاستمرار في أداء العبادات في أوقاتها حتى يتقن دوره، ومع ذلك لم ينجح في تمريره على غالبية الناس المستهدفين.

وهنا حاول جوزيف أن يضفي صبغة من الملائكية على جهاز المخابرات الإسرائيلي، بأنهم يحضّونه على الفضيلة والالتزام بالأخلاق الحميدة والبعد عن النّساء الفاسدات وغيرها من المصطلحات الدّعائية التي تكذّبها الوقائع، فقمّة الفساد هي خيانة الشّعب والوطن والدين، وقتل أبناء شعبك والتّسبب بمعاناتهم، وهو هنا يحاول تضليل القارىء عن الهدف الحقيقي من حضّه على التصّرف كرجل فاضل، وهو إتقان دوره الذي يريدونه له ليتمكن من إفادتهم في الإضرار بالحركة الوطنية الفلسطينية بشكل عام، وبحركة حماس بشكل خاص، وهذا ما فشل فيه بشكل كبير، والدليل على ذلك اللجوء لكشفه وحرقه واللعب بورقته في الباب الدّعائي المعلن بدلاً من الدّور المخفي الأهم.

والقضية الثّانية التي استغلّها جوزيف كانت كونه ابن فلان، وهذا أعطاه الفرصة لاكتساب ثقة من لا يعرفون عن عمالته من خارج صفوف حركة حماس، أو من حركة حماس ممن قادهم القدر ليلتقوا به وجاؤوا لبيت والده وتلقّفهم وسلّمهم وتسبب في قتل أحدهم من قبل قوات الاحتلال.

أمّا المحور الثالث من النّشاطات الخيانية لجوزيف، فهي النّشاطات التي يقوم بها غالبية العملاء، وبما أنّ جوزيف أحدهم، فقد أوكلت له مهمّات تشخيص مقاومين، ومراقبتهم، والبحث عنهم وعن سياراتهم، ومراقبة حركاتهم وبيوتهم والإشارة إلى أماكن تواجدهم وغيرها، وهذا ما تبين من خلال نشاطاته الخيانية في مراقبة مجموعات ومطاردين وتتبع خطوات معاونين لمقاومين كبار، وتشخيص شهداء وغير ذلك، وهذه كانت غالبية نشاطاته الخيانية.

 دعاية للعنصرية..

 يتحدث جوزيف عن دولة" إسرائيل" التي تعطي العرب داخلها حقوقهم؟ ويتناسى أنّ هؤلاء الفلسطينيين  يعيشون في ظل نظام فصل عنصري فريد من نوعه، ويتجاهل معاناتهم، كما يتجاهل معاناة الشّعب الفلسطيني الذي شردته هذه الدولة العنصرية التي يقول أنّها ديمقراطية( ديمقراطية لليهود فقط)، ويتجاهل ما تسببه هذه الدولة المصطنعة من معاناة يومية لشعبه الذي يعيش معه وفي كنفه، وما سببته وتسببه لعائلته ولوالده وله هو في بداية اعتقاله، كما يحاول تصوير الاجرام والقتل والتشريد الجماعي للفلسطينيين بانّه أخطاء هامشية تقع بحق أبرياء، فيما العمل الحقيقي يتركّز على ( المتطرفين) وكأنّ دولة الاحتلال كانت قائمة منذ القدم في فلسطين، فيما الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية هم المعتدون عليها، ويتصرفون مع اليهود المساكين ( بلا رحمة)؟ وكأنّ الصّهاينة هم الحمل الوديع الذي لم يقتل جبالاً من الشّهداء، وما هم إلا ضحيّة لعدم رحمة المقاومة الفلسطينية؟!.

وفي هذا المنطق الدعائي خطاب فاضح ذو نكهة صهيونية، دون أن ننسى بأن هذه الادعاءات جاءت في سياق مقابلاته مع وسائل الإعلام الصهيونية، حيث طبيعة الأسئلة تساهم في توجيه الإجابات، عدا عن جانب المجاملة، فضلاً عن كون المتحدث على علاقة خاصة بالصهاينة، وهنا يتبوّأ جوزيف موقع المحامي عن الصّهيونية، ويعبّر عما يعرف بحالة العميل العقائدي، الذي يحاول الترويج لمشغّليه، وهذا يؤكد أيضاً على الحالة التي يعيشها عملياً، وهي حالة بعيدة عن المسيحية، وهي كما قال صديقنا المسيحي، يهودية ذات مسحة مسيحية، وهي الموضة التي تنتشر في الولايات المتّحدة الأمريكية، وهي التي احتضنت جوزيف بعد أن جنّدته في بلاده، وتعمل بكامل حرّيتها وتدخل بيوتنا بلا معوّقات.

 هو وهم..

 يتحدّث جوزيف بلغة (نحن) عندما يتحدّث عن الاحتلال وعن المخابرات الإسرائيلية، ويحرص على نسبة أفعال المخابرات لنفسه، و هو هنا يعبّر عن حالة من كره  الذّات ومحاولة التّنصّل منها ويسعى في نفس الوقت لإيهام نفسه ومن يقرأ كلامه، بأنه  كان شريكاً للمخابرات الاسرائيلية وليس خادماً تابعاً لها، ويحاول مواساة نفسه في هذا الكتاب الدعائي بأنّه كان يقرر ويمنع المخابرات من قتل فلان أو اعتقاله، كما قال أنّه فعل مع والده ومع مروان البرغوثي، وهذا كلّه ينفيه الواقع، فلماذا لم يقم باقناعهم بعدم قتل من قال إنّه صديقه، وقام بتسليمه لهم بطريقة ما؟ ولماذا لم يقنعهم بعدم اقتحام الشّقة التي استدرج من اتصلوا به مصادفة ولم يكونوا يعلمون بحقيقته ؟.

 كذبة القصف... وتمثيلية الاعتقال

 من الواضح أنّ أسلوب كتابة الكتاب كانت على طريقة الآكشن الأمريكي، وما تم من حملة ترويجية له، جاءت بأمل الحصول على عائد مالي كبير من المبيعات في الولايات المتحدة الأمريكية بالذّات وفي غيرها كذلك، ومن المهم المعرفة أنّ جوزيف يعاني من الهجران والإهمال في الولايات المتّحدة، وأنّه عاني من الجوع والطّرد من الكنيسة الصّهيونية التي قامت بتهريبه للولايات المتحدة وعزلته ومنعت عنه الاتصالات إلا من خلال وسيط سواء هاتفياً أو من خلال الانترنت، وفي أوقات معيّنة، وقد أبلغ أقاربه بذلك، وقال لهم حينها أنّه سيكتب مذكراته في كتاب من أجل الحصول على عائد مادي من ذلك.

فمن خلال ادعاآت جوزيف بأفعال لم يفعلها مثل ادعائه بأنّه كان له  دور في السّجون، وكذلك بنسبة فعاليات المخابرات الاسرائيلية لنفسه، بقوله فعلنا وقمنا وقتلنا واعتقلنا وغيرها من المصطلحات، التي يحاول فيها تضليل القارىء بانّه هو من قام بهذه الأفعال، وهو في بعض منها لم يكن أصلاً موجوداً في الخارج بل كان في السّجن، و المنطق والواقع يكذّبان روايته، إلا أنّ من ارتدّ عن دينه وخان وطنه فمن الطبيعي أن يكون كذّاباً، فهو يقول أنّ مسرحية كانت قد جرت لاعتقاله، وأنّ بيتهم قصف من قبل طائرة إسرائيلية، وهذا كذب محض يؤكّده أنّ بيتهم لم يقصف  البتّة.

ولذلك يتبيّن أنّ صياغة الكتاب والتي تمت بمساعدة من صحافي مقرّب من المخابرات الاسرائيلية،  وبإشراف من الكنيسة المتهوّدة في الولايات المتّحدة الأمريكية، تمت بطريقة ( ما يطلبه المستمعون) الأمريكان والإسرائيليون، وفي نفس الوقت بطريقة يكون لها تأثير على قارئيها من العرب والمسلمين والفلسطينيين، وتخرق الوعي الفلسطيني والعربي، وخاصة عقول الشّباب الصغار في ظل حالة من الانقسام والشّرذمة الموجودة، والمؤسف أنّ هناك من تلقّف الصياغة المكتوبة ونقلها كما هي إما حماقةّ أو شماتةً أو عمالةً، ظاناً أنّه سينال من صورة حركة حماس، في حين أنّه كان يؤدي خدمة جليلة لمشغّلي هذا الخائن.

 الجهر بالخيانة والاستثمار فيها

 يتساءل الكثير من النّاس عن سر كشف المخابرات الاسرائيلية لأحد عملائها؟ وعن الأسباب التي تجعل أحد الخونة يجاهر بالخيانة كما يقولون ( على عينك يا تاجر)؟.

بالتأكيد تعتبر حادثة جوزيف حادثة مميّزة من حيث الكثير من تفاصيلها وتوقيتها، ولخصوصية الحالة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هذه الأيام، والظرف الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية من تراجع وهوان.

فليس غريباً أن يسقط بعض النّاس في وحل العمالة، ولم يكن غريباً أن جاهر خونة بخيانتهم لشعبهم، وهذا حدث، وتجسّد فيما عرف بروابط القرى في بدايات ثمانينيات القرن الماضي.

ومن الواضح من قراءة مذكّرات الخائن جوزيف، أنّ هذا الشخص كان من الخونة الذين تسلقوا على الحالة الوطنية والنّضالية الفلسطينية، ولم يتوفّر  لهم فرصة خرقها في عصبها، ويتبيّن أنّ مشغّلي هذا الخائن وصلوا إلى قناعة بمحدودية  ما يستطيعون إنجازه في استخدامهم له، ولذلك ارتأوا  أن يضربوا ضربتهم الأخيرة في استخدام هذا الخائن الذي أصبح أداةً طيّعةً في أيديهم، ولذلك كانت  قصة تنصره عن طريق هذه الكنيسة المتهوّدة التي تعتبر ذراعاً للمخابرات الاسرائيلية، ولم يكن غريباً أن يوافق هذا الخائن ( المحروق) - كما قال هو- على طوق النجاة وحبل الهروب الأخير له من مواجهة مصيره، ولذلك تجاوب معهم وأعلن تنصّره، ثم اكتشف أن الفردوس الموعود في الولايات المتحدة لم يتحقق له، ووصل إلى مرحلة ( الجوع) كما نقل عنه من اتصل بهم من أقاربه، ولذلك كانت خطوته وخطوة مشغّليه  الأخيرة في محاولة ضرب المقاومة والوعي والمناعة الوطنية الفلسطينية في  وقت اعتبروه حرجاً لها، من خلال استثماره في خيانته على الطريقة التي تمت من المبالغة والكذب واختلاق الأحداث، ونسبة الأفعال، على الطّريقة الهوليودية، أملاً بأن يكتسب شيئاً من الدنيا بعد أن  خسرها والآخرة.

كما أنّ هناك من يرى أنّ الاستثمار في الخيانة و التّجرّؤ على الجهر بفعلها في العالم العربي، ومنه حالة جوزيف، ليس حكراً على جوزيف نفسه، ففعل العمالة والخيانة والحرب على من حاربهم جوزيف، ومن تحاربهم العديد من أجهزة المخابرات الدولية والعربية، يعتبر قاسماً مشتركاً بين هؤلاء جميعاً، ويتم تبريره وتسويقه إعلامياً ودبلوماسياً وأمنياً وثقافياً ودينياً، ولذلك فلم يكن مستغرباً أن يخرج فرد من المشاركين في هذا الحلف ليعلن عن فعالياته ونشاطاته، أملاً بنيل جزء من المزايا المادية والإعلامية، في ظل ماراثون الخيانة الفردي والمؤسساتي.

 عار الدّهر..

 يعيش جوزيف تناقضاته من بداية قصة خيانته حتى نهايتها، وسيعيشها كما يعيش عاره إلى الأبد، إلا أن يمن الله تعالى عليه بتوبة صادقة وعودة راشدة، وسيبقى يذكر كلّما ذكر أبو رغال، مع أنه يحاول التّحذلق باستخدام مصطلحات كنسية عنصرية، يسقطها على مستهجني خيانته بأنهم ( لم يفهموا أهمّية ما فعل)؟!.

ثم يدّعي بأنّه يحب أهله ووالده تحديداً، ويتأسف لأنّهم سيعيشون مع ( العار) الذي سببه لهم، وهنا يحاول  جوزيف إسقاط ما يعيشه هو- وما سيبقى يعيشه إلى الأبد من عار- على عائلته، التي وقفت موقفاً شجاعاً وتاريخياً،  فارتد هذا تضامناً شعبياً وتفهماً وإشادةً رسمية وجماهيرية بموقف العائلة من خيانته وردّته، ففازوا بحب النّاس واحتضانهم، وباء هو بالعار أبد الدّهر.