مبارك وقتل فرحة العيد

عبده مصطفى دسوقي

باحث تاريخي وطالب ماجستير في التاريخ الحديث

[email protected]

كنت أود أن أعود إليكم بالتهنئة بالعيد الكريم لكننا لم نفرح كما لم يفرح كثيرا من المصريين بهذا العيد بسبب ما حدث فيه من ألام يعتصر لها القلب على ما وصل إليه الحال في وطني، فمع انطلاق أذان أخر مغرب في رمضان ليأذن برحيل هذا الشهر الكريم ويبشر بقدوم عيد سعيد انطلقت معه الأقدام إلى الموائد لتشبع جوعها من نعم الله ولتستعد بلبس الجديد في العيد السعيد، ومع انطلاق هذا الأذان أطلق الرئيس مبارك زبانيته ليجوبوا البلاد يقتلون فرحة العيد في قلوب الشيوخ والشباب والأطفال والنساء ويتركوا في كل بيت جرح ينزف ألما وحزنا على هذا العيد التعيس.

كان هذا العيد على موعد مع حدث جديد، فبعد أن حرمنا من إخوة كرام خلف الأسوار من أن يفرحوا معنا، وبعد أن صمت أذاننا من سماع المصائب في كل عيد فبعد أن سمعنا فيها عن القطارات التي حرقت بمن فيها والسفن التي غرقت فقد رئينا الرئيس مبارك يحرك جحافل الأمن لتدمر ساحات العيد وتعتقل الأفراد وتلقى الرعب في القلوب الآمنة وتحرق البيوت.

واليكم تجربتي التي عايشتها هذا العيد والتي لم تكن مأساة في بلدتي وحدي فحسب بل كانت في كل مكان في ربوع مصر.

فمع انطلاق أذان عشاء ليلة العيد انطلقت التكبيرات تهز أرجاء الكون الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، ومعها انطلقت أقدام المحبين لدين الله للعمل في تجهيز مصلى العيد في الخلاء إحياء لسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فبدأوا في تجهيز الفرش والكهرباء والزينة والتمر، وتجمع كثيرا من الشباب المؤمن ليساعد في تجهيز ساحة القرية التي تسع لما يقرب من ثمانية آلاف مصلى وظل الشباب يعد المصلى والزينة من بعد صلاة العشاء حتى الساعة الثالثة فجرا وقد أخذ التعب منهم مأخذه، وحل بهم النصب لكن السعادة كانت تغمرهم وتعلوا وجوههم وقلوبهم لإتمام المصلى في أبهي زينة، ثم توجهنا للمكان المعد للمبيت والحراسة لنجلس فيه حتى أذان الفجر لننهض لفرش المصلى وعينت الحراسة حتى لا يأخذنا النوم، ونامت العيون قليلا من التعب لكن القلوب ظلت يقظة تدعو الله أن ييسر الحال.

وانشق يوم العيد على أذان فجره فسارعت هذه القلوب إلى مكان الوضوء لتستعد لصلاة الفجر ثم تنطلق بعدها لتهيئة المصلى، وكأن الأمن ظل متربص بنا فما كدنا نغادر المكان لنتوضأ حتى نزلت قوة من الشرطة تدمر كل شئ- الزينة والمصلى- وتلقى الرعب فى قلوب عمال الكهرباء، وتدافع الشباب ليحموا جهدهم الذي ظلوا من أجله طوال الليل وظننا أن الذي يقوم بهذا العمل الإجرامي ما هو إلا شقي من الأشقياء لكننا فوجئنا أنهم رجال الشرطة يمزقون ويكسرون فسارعنا نحدثهم لنستفسر عن الأمر فما كان منهم إلا أن وجهوا لنا التهديد والوعيد وأخذوا هواتفنا المحمولة واثبات شخصيتنا وأوقفوا علينا حراسة حتى أثناء ما كنا نصلى الفجر كانت الحراسة واقفة، ثم توجهوا لمكان المبيت وانتهكوا حرمته وأخذوا المعرض الذي كنا قد تعبنا أياما وليالي في تجهيزه بحجة انه عن فلسطين والعراق والشيشان، وقد أخذوا زينة العيد كلها.

وبدأ الناس يتوافدون بعد صلاة الفجر للمصلى فسمحوا لنا بفرش المصلى وفقط خوفا من أن يلحظ الناس أن شئ حدث وسارعنا نفرش الفرش على الأرض وباقي الأشياء حولنا محطمة، فأخذنا نفرش وقد ماتت فرحة العيد في قلوبنا وقلوب الجموع التي حضرت صلاة العيد بعد أن علموا بما حدث من مبارك ونظامه.

وبعد انتهاء الصلاة وقفنا نجمع الفراشة وقلوبنا منكسرة وحزينة، وعادت الجموع الغفيرة من الناس إلى بيتهم وهى تلعن من قتل فرحة العيد في قلوب أطفالنا في هذا اليوم، وانتشر الخبر في البلدة فكسي الهم والغم وجوه الناس، وغادرت الشرطة المكان بعد أن خلفت وراءها في نفوس الناس حزنا عميقا.

وبعد العيد اتصلنا بأصدقائنا في باقي المحافظات لنهنئهم بالعيد فوجدنا الحزن قد ملئ قلوبهم فقد حدث في كل محافظات مصر مثلما حدث عندنا بل أشد فقد حرقت بيوت من جراء إلقاء القنابل المسيلة للدموع واعتقل عدد كبير من الناس أثناء توزيعهم الهدايا على الأطفال، كما أنهم ألغوا كثيرا من الساحات في كثيرا من البلاد، فلم يكن هذا العيد عيد سعيد علينا بل كان عيد مبارك ونظامه.

فما السبب حتى يقتل مبارك ونظامه بهجة العيد في قلوبنا وقلوب أطفالنا ؟!!!!!!!!!!!

وما السبب حتى يدمر ويخرب زينة العيد ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!

وما السبب حتى يحول العيد من ساحة للصلاة لساحة للحرب من طرف واحد ؟!!!!!!!

هل لم يجد مبارك ونظامه من شئ يحاربنا فيه إلا فرحة العيد ؟!!!!!!!!!

هل استكثر علينا أن نفرح يوم واحد في عامنا ؟!!!!!!!!!

هل استراح بعد أن قتل هذه الفرحة في قلوب الملايين من هذا الشعب المسكين ؟!!!!

لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، وما الله بغافل عما يعملون

{وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ}