إنه ليس من أهلك !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

تقطع قلبي وأنا أقرأ البيان الذي أصدره القيادي الأسير من منظمة حماس الإسلامية ( حسن يوسف ) ، يتبرأ فيه من ابنه ( مصعب ) الذي ارتد عن الإسلام ، وظهر أن كان يتجسس لحساب جهاز الشين بيت اليهودي ، وزود العدو بمعلومات أدت إلى اعتقال مجاهدين فلسطينيين ، وأحبطت عملية جهادية كانت  تستعد لها المقاومة الفلسطينية .

يقول حسن يوسف : 'أنا الشيخ حسن يوسف ..وأهل بيتي الزوجة والأبناء والبنات نعلن براءة تامة جامعة ومانعة من الذي كان ابنا بكرا وهو المدعو مصعب المغترب حاليا في أمريكا، متقربين إلى الله بذلك'.

وأوضح أن قراره هذا جاء 'انطلاقا من " موقفنا المبدئي وفهمنا لديننا وما تمليه علينا عقيدتنا، وبناء على ما أقدم عليه المدعو مصعب من كفرٍ بالله ورسوله، والتشكيك في كتابه، وخيانة للمسلمين وتعاون مع أعداء الله وبالتالي إلحاق الضرر بشعبنا وقضيته'".( القدس العربي – 2/3/2010م ) .

يستعيد التاريخ نفسه مع الفارق . فقد كان لسيدنا نوح ولد عاق ، تمرد على أبيه حين دعاه إلى الإيمان بالله الواحد الأحد ، ومن ثم الركوب معه في السفينة التي سينجو بها مع المؤمنين ، ولكن الابن العاق ، رفض الانصياع لوالده النبي ، فحذره أبوه من الطوفان الذي لن يبقى ولن يذر ، وسيغرق الدنيا كلها ، ولكنه بعقله المادي النفعي ، رد على أبيه بأنه سيحتمي  بالجبل العالي الذي يمنعه من الغرق ، ولكنه غرق مع الجبل والغارقين ،ولم ينج من المصير المحتوم .. ولم يشفع له لهفة أبيه وولهه وإشفاقه عليه ، وعلم الحق سبحانه نوحا عليه السلام أن من يخرج عن التوحيد وطاعة الأب النبي ، فهو ليس منه ، ولا ينتسب إليه ؛ قال تعالى :

 حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ . وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ  . وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ . قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ . وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ .قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ . قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ .قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( هود :40 – 48 ) .

والقصة واضحة بما فيه الكفاية ، وتكشف أن شفاعة الأبوة الحانية للبنوة العاقة غير مجدية ، وأن معيار الإيمان والكفر هو الذي يفصل في العلاقة بين الأب وابنه ، وبين المسلمين وأهليهم ، وأن الكفر يوجب قطع هذه العلاقة مهما كان الأمر قاسيا ومؤلما : إنه ليس من أهلك !

ومن المؤكد أن الفتى مصعب حين يفارق الإسلام ، ويعمل لحساب العدو الغاصب ، فإنه انحاز إلى جانب خصوم الأمة ، وصار واحدا منهم ، وهو ما جعل أباه يقرر البراءة منه وفقا لمفاهيم الإسلام التي تجعل العقيدة مقدمة على أي علاقة أو مصلحة .. لقد ظن الوالد المكلوم أن ما يقال عن ابنه المرتد العميل مجرد تخرصات يذيعها العدو الصهيوني كالمعتاد ، ليفتت من جهد المقاومة الفلسطينية ويفل من عزيمتها ،  وكان الوالد الأسير الذي يعاني قسوة الأسر وعذاباته المادية والنفسية ، يتصور أن ابنه الذي ينتسب إلى منظمة حماس أيضا وقضى في سجن العدو سنة ونصف سنة ؛ يتعرض لمكيدة من العدو ، وما أكثر مكائده ، ولكن الفاجعة كانت تنصر الفتي الذي يناهز الثلاثين من العمر ، وكان في زيارة إلى الولايات المتحدة منذ عام ونصف عام ، ونشرت صحيفة (ها آرتس ) العبرية قصة تنصره وعمالته ،وجاءت قناة فوكس الإخبارية لتحتفي بالفتى الذي أعلن من على شاشاتها قصة ارتداده وكفره بالإسلام وإهانته للمسلمين وإساءته إلى المقاومة الإسلامية في فلسطين التي يسميها إرهابا ،ويكرر الإعلان مرة أخرى على قناة تنصيرية مصرية (؟)  ، ثم إعلانه عن تأليف كتاب مع شخص آخر يتكلم فيه عن قصته مع الإسلام والمقاومة بعنوان ابن حماس !

لقد تحول مصعب إلى جوزيف ، ثم حدثنا عن قصة ارتداده فقال :

[ بدأ الأمر قبل ثماني سنوات ، عندما كنت في القدس حيث تسلمت دعوة لآتي و أسمع عن المسيحية ، فذهبت مدفوعاً بالفضول ، كنت متحمساً حول ما سمعته و بدأت أقرأ الإنجيل كل يوم و تابعت الدروس الدينية ، كل هذا بالسر . كنت أسافر إلى التلال المحيطة برام الله ، و أجلس بمكان له إطلالة رائعة و أقرأ بالكتاب المقدس . آيات مثل " أحبوا أعداءكم " كان لها أثر كبير علي . في ذلك الوقت كنت لا زلت مسلماً ، و ظننت أنني سأبقى كذلك . و لكنني كنت يومياً أرى أموراً مروعة ترتكب باسم الدين من هؤلاء الذين يظنون أنفسهم " مؤمنين عظماء " ، ويضيف درست الإسلام بتمعن أكثر و لم أجد أجوبة .. و أعدت فحص القرآن و مبادئ الإيمان و وجدت كيف أنها مخطئة و مضللة ، المسلمون استعاروا طقوساً و عادات من كل الأديان المحيطة .

و يضيف قائلاً المسيحية ليست دينا بل إيمان و أنا الآن أرى الله من خلال المسيح و أستطيع أن أخبر عنه لأيام ، بينما المسلمون لا يستطيعون قول أي شيء عن الله ، أنا أعتبر الإسلام كذبة كبرى ، الناس الذين من المفترض أنهم قدموا الدين أحبوا محمدا أكثر من الله ، قتلوا أناسا أبرياء باسم الإسلام ، ضربوا زوجاتهم و ليس لديهم أي فكرة ما هو الله ، و ليس لدي أدنى شك أنهم سيذهبون لجهنم ، و لدي رسالة لهم هناك طريق واحد للجنة ، و هو الطريق التي ضحى يسوع بنفسه على الصليب هو لجميعنا .

قبل أربع سنوات قررت أن أتحول و لم يعرف أحد من عائلتي بذلك ، فقط المسيحيون الذين قابلتهم و أمضيت معهم وقتي عرفوا بذلك . و قبل أربع سنوات ساعدت والدي و رافقته و هو لم يكن يعرف أنني قد تحولت و كنت دائماً أرفض الإرهاب ، و يضيف مصعب تركت ورائي في رام الله ممتلكات كثيرة كي أحقق حلمي ، أردت أن أحصل على محيط أهدأ يساعدني على فتح أعين المسلمين حول المسيحية ، لأنقلهم من الظلمة إلى النور و أخرجهم من سجن الإسلام ، أريد أن أصحح أخطاءهم ليصبحوا أشخاصا أفضل كي يحل السلام في الشرق الأوسط ، أنا لا أعطي الإسلام فرصة لينجو أكثر من 25 سنة . سيكرهني الكثيرون بسبب هذه المقابلة و لكنني أخبرهم أنني أحبهم ، حتى الذين يكرهونني ، و أنا ادعوا الناس بمن فيهم الإرهابيين ليفتحوا قلوبهم ،و أنا الآن أحاول تأسيس منظمة عالمية لتعليم الناشئة المسيحية و أحب أن أعلمهم الحب و الغفران لأنه الطريق الوحيد لأمتين كي يتغلبا على مشكلات الماضي و يعيشا بسلام . ] .

الغريب أن الفتى لم يتهوّد ولكنه تنصر ، ليكون توظيفه لحساب العدو أكثر إفادة ، وخاصة حين يعلن أن ما يسميه الحب والغفران طريق وحيد لأمتين (؟) كي يتغلبا على مشكلات الماضي ويعيشا في سلام !

إن حالة هذا الفتى تستدعي من المقاومة أولا ، ومن العرب ثانيا - أقصد الشعوب وليس الحكومات التي ماتت منذ زمان بعيد - أن تراجع قضية التربية والإعداد الفكري والعقدي والروحي لأبنائها ، وتطرح عليهم هذه المغالطات المكشوفة التي يروج لها العدو  وأجهزة التنصير الخفية والظاهرة من خلال مقولات هذا الفتى ، ودحض الأكاذيب التي تستغل متاعب أولادنا المادية والنفسية ونقاط الضعف التي تعتريهم نتيجة أوضاع خاطئة أو استثنائية لتصطادهم ، وتصنع من خلالهم دعاية رخيصة ضد المقاومة النبيلة والشريفة لأحقر استعمار عرفه التاريخ ، وأحط اغتصاب مارسته عصابات تنتسب إلى البشر .. إن المسلم مطالب بالإيمان بموسى وعيسى وجميع الرسل عليهم السلام ، وجميع الكتب السماوية في صورتها الصحيحة ، وهو ما يجعل الارتداد عن الإسلام جريمة بكل المقاييس ،وخاصة إذا تم استغلالها سياسيا وإعلاميا من جانب الغزاة القتلة وسادتهم الاستعماريين الصليبيين .

وأقول للأسير المجاهد حسن يوسف ، هوّن عليك ، فإن الله سيضاعف حسناتك بإذنه تعالى ، ويبارك لك في أولادك الآخرين ، والحمد الله أن هذا الأمر تم كشفه مبكرا ، لتوفير كثير من العناء والمتاعب مستقبلا .. ثم إني استحسنت ما قاله صهيب ، شقيق المرتد ؛ حول ضرورة التواصل مع الفتى ، والعمل على استعادته إلى الإسلام بالإقناع والمنطق ، والأدلة الدامغة .. وعلينا في كل الأحوال أن نكون حذرين ويقظين ، ونتنبه لما يحاك في الظلام من جانب الأعداء وخصوم الإسلام والمسلمين .