المياه السوداء في الخليج
أ.د. حلمي محمد القاعود
قال فضيلة الشيخ " جورج بوش الابن " : إنه ليس عدواً للمسلمين ، وإن الإرهابيين هم الذين شوّهوا صورته فى العالم الإسلامى !
فضيلته رجل رقيق ومهذب ، ويجرح النسيم مشاعره المرهفة وأحاسيسه الإنسانية .. وهو بالطبع ، لم يشنّ حرباً على المسلمين فى فلسطين وأفغانستان والعراق والصومال ، ولم يأمر المرتزقة المأجورين من قتلة " البلاك ووترز " أو المياه السوداء بسفك دم العراقيين والأفغان الأبرياء ودون ذنب أو جريرة اللهم إلا أنهم كانوا فى موضع الإطلاق هدفاً للذخائر القاتلة الحارقة الخارقة !
وإذا كان الشعب العراقى المسلم مثلاً يعيش فى شغاف قلب فضيلة الشيخ " جورج بوش الابن " ، فإنه لا يتورع عن قتل ألف وخمسمائة " إرهابى " عراقى شهريا ، ارتفع عددهم فى الشهور الأخيرة ( أواخر الصيف وأوائل الخريف 2007م ) إلى ألف وسبعمائة ، مما يعنى أن سماحته سيقضى على ملايين العراقيين الإرهابيين على مدى السنوات القادمة حُبّاً فى آلاف العراقيين الطيبين الباقين ! .. أرأيتم رهافة الحس لدى فخامة الرئيس بوش الطيب الذى شوّه " الإرهابيون " صورته ، مع أنه لم يقتل فى أفغانستان والعراق وفلسطين والصومال إلا مليون مسلم فقط ، ولم يهدم من بيوتهم وقراهم ومدنهم ومدارسهم ومساجدهم ومستشفياتهم إلا مئات الألوف فحسب .. إنه رجل طيب جداً ، خاصة أنه لم يستخدم غير القنابل العنقودية والصواريخ التى تخترق الجدران الصلبة وتفتت الجرانيت وتجعل الدبابة المدرعة الثقيلة التى تُشبه القلعة المتحركة تتفتت إلى شظايا ، وتصل الشظية بعد الانفجار إلى ما يزيد عن الخمسين متراً (!) محدثة تجويفاً فى الأرض لا يقل عن حجم غرفة كبيرة !
ثم إن فضيلة الشيخ جورج بوش الابن ، الرجل الطيب الرقيق الذى يشوه " الإرهابيون " صورته لدى الشعوب الإسلامية ، استطاع بعد أربع سنوات من احتلال العراق أن يضاعف قواته فى العراق وأفغانستان ، من خلال استئجار عشرات الألوف من المرتزقة ، وقد تساوى عددهم فى العراق مع قوات الجيش الأمريكى الغازية ، وهؤلاء المرتزقة من حثالة المجتمع الأمريكى ، وأغلبهم يحمل الجنسية الأمريكية بعد جنسيته الأصلية ، ويتم استئجارهم لغرض واحد هو القتل ، ولا شئ غير القتل لكل من يقف فى طريقهم ، وإن كانت وظيفتهم المعلنة هى حماية الشخصيات والمؤسسات المدنية ، وقد أتى بهم " بول بريمر " أشهر حاكم استعمارى للعراق بعد سقوط بغداد ، وذلك لحمايته ، وحماية الشخصيات الاستعمارية التى تعمل معه ، ثم توالى وصولهم إلى العراق لتكون مهمتهم ترويع الشعب العراقى وقتل أبنائه البسطاء تحت مسمى " مكافحة الإرهاب " ، وقد عاثوا فى الأرض فساداً ، فهدموا المساجد والمزارات والبيوت والمدارس والجامعات ، وقتلوا كثيرا من العلماء وأساتذة الجامعات العراقيين ، ونهبوا محتويات المتحف العراقى ودمروا الآثار الموجودة به ، فضلاً عن إشعال الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة ، وقتل زعماء الطائفتين لاستمرار الفتنة ، ولا عجب أن يكون اسم هؤلاء المرتزقة مستوحى من المياه السوداء للمستنقعات الكئيبة العظمى من جنوب شرق فرجينيا إلى شمال كارولينا الشمالية ، وهذه المستنقعات قريبة من مكان المؤسسة " بلاك ووترز " التى تأسست عام 1998م للقيام بالأعمال القذرة بعد التدريب على استخدام السلاح بدءًا من المسدسات حتى المدافع الآلية . وتعاقدت مع جهات حكومية للقيام بأعمالها فى إطار صفقات ضخمة تقدر بعشرات الملايين ، واتسع دورها وتضخم بعد تدمير المدمرة كول فى ميناء عدن عام 2000م ، وأحداث سبتمبر 2001م . وقد وقع رئيس المؤسسة الإجرامية واسمه " إيريك بريتس " أضخم عقد عقب أحداث سبتمبر مباشرة بمبلغ 610 آلاف دولار مع الإف بى آى ، ثم توالت العقود وتضاعفت حتى بلغت الملايين فى العراق وأفغانستان على السواء .
لقد انكشفت أعمال " المياه السوداء " عقب أحداث الفلوجة والنجف ، وكتب " روبرت فيسك " :
" ظلت سلطة المرتزقة وقوتهم تتنامى . إن فتوّات بلاك ووترز يدفعون ويلكمون العراقيين الذين يلتقونهم فى طريقهم . غادر صحفيون أكراد مرتين ، مؤتمرا صحفيا لبريمر نظرا لسوء معاملتهم على أيدى هؤلاء . ينشط فى بغداد غربيون يلتحفون العتاد ، يصيحون فى العراقيين الذين يقابلونهم فى الشوارع وينتهكونهم ، ويشربون حتى الثمالة فى فنادق المدينة ذات الحراسة الضعيفة . أصبحوا بالنسبة للعراقيين صورة لكل ماهو خطأ ومعيب فى الغرب . يحلو لنا أن نسميهم مقاولين ، لكن التقارير المقلقة تتزايد بكثرة حول أعمال القتل بإطلاق النيران التى يمارسها المرتزقة ضد العراقيين بحصانة تامة " ( منحهم بريمر حصانة كاملة بالمرسوم رقم 17 عقب توليه الحكم فى بغداد ) .
يقول " جيمى سكيل " مؤلف كتاب " المرتزقة قادمون – بلاك ووترز " ( ترجمة فاطمة نصر وحسام إبراهيم ) عن دور هذه القوات غير النظامية المرعب والسّرى والغامض :
" ويظل ما فعلته تلك القوات بالعراق وأعداد الذين قامت بقتلهم ، وعدد الموتى والجرحى منهم أسئلة دونما إجابة لأن أحداً لا يشرف على أنشطتهم بالبلد ، حتى الآن لم تتم إدانة مقاول عسكرى واحد ( يطلق عليهم المقاولون ) عن الجرائم التى اراتكبت بالعراق .. " وهناك قصص عديدة عن جرائمهم يتبجح بها بعض هؤلاء المقاولين أو المرتزقة (!) يشيب لهولها الولدان .
ويبدو أن وجود هؤلاء المرتزقة ، قد شجع فضيلة الشيخ جورج بوش الابن ، على المزيد من عمليات الإبادة المنظمة للشعب العراقى المظلوم ، والبقاء فى العراق ، والخليج بصفة عامة تمهيداً لضرب إيران ، بل إنه تمدّد بهؤلاء المرتزقة وعبر حدود أفغانستان إلى آذربيجان حيث مخازن البترول المكتظة فى باطن الأرض التى تحيط ببحر قزوين ، ليكون لهم دور أخطر فى الاستراتيجية الأمريكية على مدى السنوات القادمة !
ويبدو أن المياه السوداء ستغرق الخليج ، وخاصة إذا بدأ ضرب إيران ، وتدميرها لإتمام السيطرة على بترول العرب والمسلمين ! وهو ما يجعل فضيلة الشيخ جورج بوش ، يتساءل وبراءة الأطفال فى عينيه ، هل أنا عدوّ للإسلام ؟ وينفى أن يكون كذلك ، ملقيا بالتهمة على من يُسميهم " الإرهابيين " ، ويالهم من " إرهابيين " يستحقون الموت ، لأنهم يجب أن يشكروه على قتل شعوبهم وسرقة ثرواتهم وحرمانهم من الحرية !