اختاروا القادة المصلحين لتنصفوا العراق
د. هدى حمودي
قصة المظالم في العراق لم تنته ولم يخفف منها صدور قانون العفو العام , بل ان التحريضات التي تصدر عن مسؤولين حكوميين وحزبيين –وهي تحريضات منهجية منسقة –بربطها المعتقلين بالاعمال الارهابية ، لتفريغ قانون العفو العام من معناه وللتغطية على شكوك متداولة بضلوع جهات خارجية فاعلة في الساحة العراقية بتلك التفجيرات وتوجيه الانظار بعيدا عن اتهامات تربط العنف بالضغط السياسي في سياق الصراع الحزبي .
لقد بلغ التحريض حد المطالبة باعادة الأبرياء المطلق سراحهم الى المعتقلات مرة اخرى وقد حصلت بالفعل ممارسات من هذا النوع كانت فيها السيطرات الحكومية تحمل قوائم باسماء المطلق سراحهم لاعادة اعتقالهم , وعلى الاغلب فان اولئك المعتقلين هم من مكون واحد ومن مناطق هي عرضة للمداهمات المستمرة والاعتقالات العشوائية .
"گش من الشوارع " ! هكذا صرخ احد المعتقلين وهو يبكي مخاطبا الهاشمي ( واللفظة تعني جمع من الشوارع ،بدون تمييز،وهو الاسلوب السائد في الاعتقالات ) ! وكان التأثر الشديد من الهاشمي يختصر موقفه من انتهاكات حقوق الانسان العراقي عازما على انصاف اولئك المظلومين في حكومة تزعم انها ديمقراطية ، ولقد فعل الهاشمي كل ما بوسعه مستخدما سلطته لحسم ذلك الملف الشائك ، لكن مما ينبغي اثباته هنا هو ان هذه عملية ليست سهلة على الاطلاق اذ تتعلق بمنظومة هائلة من الفوضى والفساد والفشل الاداري والمواقف الحاقدة المسبقة من اولئك المعتقلين ، وعرقلة كل جهد وطني لانصاف هؤلاء الناس ، تعضد ذلك كله ماكنة اعلامية ترتبط باحزاب السلطة لاتكف عن التحريض على المعتقلين وتربطهم بالجرائم الارهابية الموجهة ضد المدنيين الابرياء ،لقد بلغ حجم التنسيق التحريضي ان بت لاتفرق بين خطاب الاعلامي والناطق الحكومي والحزبي والعضو في مجلس النواب ولعل أحد أهم أسباب الإصرار على إدامة أمد الاعتقال مرتبط بإقصاء هؤلاء المعتقلين عن الدوائر الحكومية حيث تم فصل الكثير وقطع رواتبهم في سابقة خطيرة في مجال حقوق الإنسان تميزت بها حكومة العراق الديمقراطية!!.
الثابت ان جهود الهاشمي التي لاتدعمها سياسيا وانسانيا واداريا الا جهود ضعيفة متفرقة ، نتج عنها حسم الكثير من ملفات اولئك المعتقلين الذين بلغ من حجم استهدافهم اتلاف ملفاتهم عمدا او فقدانها او الاحتفاظ بهم دون تهم محددة ولا عرض على قاض ولا الالتقاء بمحامييهم فيما عرقل اطلاق سراح كثيرين اخرين جهد منسق وفشل اداري وعدم الشعور بالمسؤولية الاخلاقية .
لم تقتصر جهود الهاشمي على التحرك الدائم للوقوف بوجه تلك الانتهاكات الانسانية الفاضحة بل وانصاف اسر اولئك الابرياء هم واسر ضحايا الاحتلال والقتل الطائفي في مناطق كثيرة من بغداد وضواحيها.
والذي يحاول ان يفهم كيف تسير الامور في بغداد يعذر اكثر السياسيين وطنية وشجاعة , ويكفي القول ان في بغداد حكومة صورية ومشروع دولة لم يكتمل , وبهذا يمكنك ان تفهم معنى ان يشارك الذي يرفض الاحتلال ويرفض التسلط الطائفي والعرقي ويرفض منظومة الفوضى والفساد وارادة تفكيك هذا البلد ,انه يدخل العمل السياسي ويتولى المسؤوليات وفي ذهنه دفع المفاسد أوالتقليل منها ربما تقدم على جلب المنافع وهو تصور يتفق مع القاعدة الفقهية المعروفة ،اما الوقوف على التل والاكتفاء بالصراخ والشتم فقد دفع ثمنه العراقيون اذ مكن ذلك المنهج الاعوج الطائفيين وطلاب السلطة المطلقة والمنحازين واصحاب المشاريع التفكيكية والهادفة الى اضعاف مشروع بناء الدولة ،مكنهم من ترسيخ اقدامهم بسرعة واقامة مؤسسات بديلة تغلب عليها الفئوية والتحزبية والمناطقية ،بحيث بات مشروع الاصلاح صنف من صنوف المجازفات الصعبة التي تواجه بمقاومة شديدة من المستفيدين من الاوضاع الحالية .
الفرصة اليوم سانحة لمن يريد التغيير ويبحث عن الانصاف ويهمه ان تبنى في العراق دولة العدل والقانون ،دولة المؤسسات والحقوق الكاملة فيستأنف المصلحون الذين كانوا يشقون طريقهم وسط الأشواك والصعاب ،يستأنفون مهمتهم النبيلة في ظروف مناسبة لايظلم فيها عراقي لانه ضعيف او لانه من هذه الفئة او تلك بل تجعله هويته الوطنية متكافيء مع كل العراقيين الذين يحملون نفس هويته ولا يتفاضلون الا بحجم المسؤولية ومقدار الخدمة التي يؤدونها ، وبمقدار الولاء للوطن.
عليه أعتقد أن نصرة قادة ومصلحين واجب لمن يتمنى العيش في عراق للجميع ، عراق لايصول فيه الغرباء ويجولون يعتدون على ثرواته ويخترقون حدوده ، عراق لايتناهب ثرواته الفاسدون الطارئون ولا يقوده الضعفاء من مزدوجي الولاءات ولا اصحاب العقد التاريخية والمتطاولون على الضعفاء الابرياء ،ولا من احتلوا مواضع لايستحقونها فجعلوا من هذا البلد مضرب الامثال في حجم البطالة والفشل والفساد مع عظم ثرواته وضخامة موارده ، قادة ينتقلون بالبلد من دولة المكونات الى دولة المواطنة ، أقول : ادعموا الهاشمي ليستأنف مشروعه الوطني في اعادة بناء هذا البلد وارجاع الحقوق الى اصحابها والسير بالعراقيين في طريق الرفاه والقوة
والانصاف ، فبهذا تنصفون انفسكم وتنصفون بلدكم .