مؤتمر الخريف

رضوان سلمان حمدان

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

  إن دعوة الولايات المتحدة لعقد مؤتمرٍ دوليٍّ للنظر في قضايا السلام في المنطقة العربية، تأتي في وقتٍ غير ملائم؛ وذلك أن عقدَ مؤتمرٍ دولي في الوقت الراهن لا يساعد التناول الجاد للقضايا والموضوعات المصيرية.

  فقد روَّجت الولايات المتحدة لعقد مؤتمرٍ تشارك فيه دول عربية، لمناقشة مستقبل التسوية للقضية الفلسطينية؛ حيث أرسلت مسئوليها لإقناع الأطراف الإقليمية بالمشاركة، دون توضيحٍ لجدول الأعمال الذي يبتغيه المؤتمر، سوى أن المسئولين الأمريكيين باتوا يوضحون أن المناقشات ستدور حول إعلان "دولة فلسطينية"، وهكذا دون توضيح الإجراءات اللازمة لبناء الثقة قبل الدخول للمؤتمر، وفي ظل هذا الغموض يوجد ثمة تساؤلٍ عن مصير القضايا الأخرى التي لم يرد بشأنها ذكرٌ حتى الآن، مثل إنهاء الاحتلال، وفك المستوطنات، وإزالة الجدار العازل، والقدس، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، فمن الظلم التاريخي إهمالهم ونسيانهم والتغطية على الجرائم التي ارتُكبتْ في حقِّهم.

  إن ما تبغيه السياسة الأمريكية من عقد هذا المؤتمر، لا يخرج عن محاولةٍ من محاولاتها المتكررة لفرض تسوية قسرية، ليس فقط على الفلسطينيين، ولكن على الدول العربية أيضًا، وهذه السياسة يرفضها جميع الشرفاء والمخلصين؛ إذ إنَّ السلامَ العادلَ والاستقرارَ لا يتحققان بفرض الإرادات وهضم الحقوق، هذا ما يجب أن يستفيد منه الجميع، فالخبرات التفاوضية السابقة كانت مخيبة للآمال ولم يتحقق المرجو منها؛ حيث لم تُبنَ على أُسسٍ واضحةٍ تُثبت الحقوق وتضمن الوفاء بالالتزامات.

  فما تطرحه، السياسة الأمريكية- هذه المرة- لا يختلف عمَّا سبقه من أطروحات ومشروعات لفرض تسوية سياسية، فالجامع المشترك بينها يتمثل في الإمعان في التحيز ضد الفلسطينيين، فرغم الترويج للمؤتمر الأمريكي منذ فترة والإعلان عن أن إنشاء دولة فلسطينية يمثل محور أعماله، لم تتضح كيفية تناول هذه المسألة، وهو ما يعني أن التعامل معها سوف يكون وفقًا لتجربة الصواب والخطأ، فلا توجد سياسية أو رؤية منصفة تُعيد الحقوق لأصحابها، بقدر ما يوجد توجه نحو فرض الأمر الواقع لدى مناقشة مسألة الدولة الفلسطينية.

  ومن المفارقة أن الدعوة لعقد المؤتمر تأتي في ظل سياسةٍ أمريكيةٍ وصهيونيةٍ وأوروبيةٍ تدعم فرض الحصار على الفلسطينيين، كما تدعم وترعى الانقسامات الداخلية فيما بينهم، وهذه السياسة الإكراهية تتناقض وتتعارض مع السعي لتحقيق السلام والاستقرار، فهي إما تؤدي لحدوث أزماتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ داخل فلسطين يصبح معها الحديث عن قيام دولة فلسطينية غير ذي معنى، أو يظل غياب الثقة بين الأطراف المختلفة العنصر الحاكم للقاءات التفاوضية، وفي ظل هذا الوضع، وبناءً على الخبرات السابقة، فإننا لا نعتقد بنجاح المؤتمر في توفير مناخٍ للثقة على أقل تقدير.

  ولذلك فإنه من الضروري عدم استبعاد أيٍّ من الأطراف الفلسطينية من المشاركة في المناقشات حول المسائل الإستراتيجية، وقبل ذلك لا بد من دعوة الأطراف الفلسطينية لإصلاح ذات البين والوقوف صفًّا واحدًا لمواجهة محاولات العصف بحقوقهم، ومصادرة الحق في المقاومة، كما ندعو الحكومات العربية تجنب الانجراف وراء أوهام لا طائلَ منها، بل يجب العمل الدءوب لفك الحصار.