في مديح القادة التاريخيين

في مديح القادة التاريخيين...

مازن كم الماز

[email protected]

لست أدري إذا كان من أي عزاء لنا في حقيقة أن أحد ما لا بشار الأسد و لا حتى جورج بوش يعرف إلى أين تمضي الأمور و أن أيا من هؤلاء يبدو اليوم غير منيع مهما حاول أن يتصرف أو يتحدث عن المستقبل بثقة..فإذا كان هذا صحيحا بالنسبة لمن يملك 99 % من أوراق اللعب بمصير هذا العالم أو بمصير وطننا يبدو على هذه الدرجة من القصور فعندها يمكننا على الأقل نحن المتفرجين على ما يفعله هؤلاء بحياتنا أن نبتسم بخبث..طبعا هذا لا يعني أن الصدفة ستضع في الغد حدا لهذا العبث الذي يمارسه هؤلاء بحياتنا و مصائرنا و لو أن إحدى نتائج الوضع الحالي المحتملة هو أن يختفي فجأة واحد أو أكثر من أخطر اللاعبين بمصائرنا و لو أن هذا لن يعني بأي حال من الأحوال أن مصائرنا هذه و حياتنا سائرة نحو الأفضل اعتمادا على هذه التغييرات..الصدفة قادرة في هذا العالم الغبي على أن تبدل أسماء جلادينا و أعدادهم و لكن ليس مصيرنا نفسه أو حتى درجة معاناتنا..أولا من الصعب جدا الإجابة على سؤال ما الذي يجري اليوم في سوريا و لو أننا نعرف الفاعلين الأساسيين و أن جرائمهم معلنة على رؤوس الأشهاد..نعرف جيدا أن النظام يصر على أن يحتفظ لنفسه وحيدا لا شريك له بالقدرة على أي فعل في سوريا و لو أنه كما يتضح من أدائه و تصرفاته لا يملك أي تصور أو إستراتيجية للمستقبل و لا حتى للغد القريب و لا حتى سياسات ذات حد أدنى من المعقولية لمواجهة الاحتمالات المعقدة للأيام القادمة..هذا يكاد يكون الشكل الوحيد الممكن لوجود و استمرار أنظمة فردية انقلبت مع انقضاء عمر الجيل الأول على نحو طبيعي بالموت إلى أنظمة فردية وراثية تعدنا بنماذج مثل الحاكم بأمر الله أو نيرون , هذا في أحد أشكالها الأكثر تطرفا – رفعت الأسد مثلا في الحالة السورية , و بنماذج أقل حدة لكن بدرجة لا تقل من الاستغراق في المطامع الخاصة لرأس النظام و حاشيته الأقربين..هنا عندما تتحول مشيئة الفرد الواحد إلى سياسة الدولة و عندما يكون الفرد معزولا و يتطور إحساسه بالبارانويا داخل أسوار قصره و عندما تحيط به حاشية وظيفتها الأولى أن تؤكد له صواب كل ما يفعله و عندما يصبح كل شيء خاضع لانفعالات و حتى نزوات - ناهيك عن مطامح و مطامع - هذا الشخص و حاشيته المقربة , هذا وحده قد يبرر لنا مثلا الكثير من السياسات التي تبدو أكثر من مرتجلة و أسوأ من مجرد أخطاء سياسية فادحة , من سخرية الأمور أن النظام يساهم في حشر نفسه في الزاوية..لقد خسر بشار الأسد الفرصة الوحيدة ليعود إنسانا بالفعل لكنه لم يكن مهيئا أساسا ليقفز تلك القفزة..كان كل ما تفوه به ذات يوم عن الإصلاح مجرد تهيئة "ذكية" يومها للديكتاتور الصغير لكنه سرعان ما قام بخلع هذا اللباس الذي لم يكن لباسه و لم يكن ليناسبه أصلا..ما أشبه بوش بصاحبنا , هو أيضا اعتقد و هو يدفع بحاملات الطائرات و الدبابات إلى العراق أنه كان يدشن مرحلة جديدة من سيطرة الإمبراطورية الأمريكية انطلاقا من العراق من الشرق الأوسط "الجديد" كما سماه مساعدوه عشرات المرات..ربما ما كان يقلق الرئيس المحاط بمجموعة المحافظين الجدد هو الصمود الذي واجهته قواته في الفاو و أم قصر و الناصرية لكن تبين أن الورطة بدأت فورا بعد إعلان بوش المتسرع للنصر..من واضع أساس الإمبراطورية انحط بوش إلى أن أصبح من دفعها إلى أكبر مآزقها بعد فيتنام..ليس من الصعوبة اكتشاف عشرات بل مئات الأخطاء الشنيعة التي ارتكبها بوش و فريقه التي يمكن بسهولة تشخيصها بنفس حالة بشار الأسد و حاشيته : الناس التي تحركها أوهامها الناتجة عن مصالحها الأضيق..ليس فقط أن الصدفة و سوء الطالع ليست عدو الفقراء وحدهم في هذا العالم بل إن الغباء و التخبط المؤدي أحيانا إلى التهلكة يبدو قدر أغلب المستبدين إن لم يكن عتاة الطغاة..إلى حد ما كان بوش مدفوعا لاستغلال القوة الهائلة التي كانت بتصرفه في سبيل غايات تبدو قريبة المنال و ضرورية في نفس الوقت للاحتفاظ بمعدل عالي من الأرباح و التراكم الرأسمالي..يتغابى الطغاة لأنهم لا يفقهون كيف يمكنهم أن يستمروا في ممارسة دور الطاغية بسهولة و لأنهم لا يستطيعون معرفة الغرض من كل هذه القوة و هذا الخنوع الذي يحيط بهم عندها يتصرفون كآلهة صغار و هنا تحديدا يكون الغباء هو النتيجة الضرورية لهذا السلوك الذي لا يمر دائما دون عقاب من ذات جنس السبب : عقاب يأتي من حيث لا يتوقع الطاغية و عندما يستشعر أنه في ذروة النصر..هذه هي حكمة القادة التاريخيين أيها السادة.....