نُشِرَ سابقاً 2

نُشِرَ سابقاً

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ

(2)

د. محمد بسام يوسف*

[email protected]

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام

طوني بلير: سنحتلّ العراق لتطويره وترفيه العراقيين!.. (نُشِرَت في 25/2/2003م)

بريطانية التي كانت تسمي نفسها بالدولة العظمى، احتلّت العراق وبعض البلدان العربية والإسلامية في القرن المنصرم، بحجّة نشر المدنيّة والحضارة والتقدّم فيها (استعمار)، لكنّها استغلّت تلك البلدان شرّ استغلال، ونهبتها، وسيطرت على ثرواتها، ثم غادرتها مطرودةً، تاركةً إياها في أشد حالات الفقر والتخلّف في كل المجالات!..

بريطانية العظمى تلك، أصبحت الآن ذَنَباً من أذناب أميركة، بفضل سياساتها الحاقدة على العرب والمسلمين، لكنّها تريد أن تجرّب حظها وهي تحتل موقع الذَنَب!.. فهي هذه المرة، تريد احتلال العراق من أجل نشر الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان فيه، وتطويره وترفيه العراقيين!..

بريطانية التي ما تزال البشرية تعاني من الظلم الذي زرعته هنا وهناك في هذا العالَم، وفي مقدّمة ذلك: الظلم الذي نعاني منه نحن العرب والمسلمين، بموجب (سايكس بيكو) و(بلفور) وعشرات القضايا التي تَشغلنا وتستنـزفنا وتَشغل العالَم حتى اليوم.. بريطانية هذه، تَعِد العراقيين وتَعِدنا بنشر الحضارة والمدنيّة والحرية، وبالتطوير والترفيه!.. وينبري رئيس وزرائها الجاهل (طوني بلير) لتكرار تصريحات معلّمه (بوش): (إنّ النظام العراقيّ يفرّط بثروة شعبه، عندما يقوم بتصنيع أسلحة الدمار الشامل)!..

أخيراً اكتشفنا -مجهرياً- بأنّ الجاهل البريطانيّ (طوني بلير)، سينقذ ثروة الشعب العراقيّ المسكين من أيدي نظام الحكم العراقيّ، لتحقيق الرفاهية والرخاء والحرية لهذا الشعب الشقيق، الذي يتفطّر لأجله قلب (بلير) وحكومته الحضارية الرحيمة، التي تحاصر قوّاتها شعب العراق منذ أكثر من عشر سنوات، وتقصف طائراتها الحربية مَرافقه ومساكنه، وتحرق مزروعاته وسنابل قَمْحه، وتمنع عنه رغيف الخبز وحبّة الدواء!.. ولا غرو في ذلك، طالما أنه لم يُقتَل على أيدي بريطانية وأميركة -حتى الآن- أكثر من مليوني عراقيّ، نصفهم من الأطفال!.. وطالما أنه لم يُظلَم بعدوانهما السافر أكثر من خمسةٍ وعشرين مليوناً من أبناء العراق الأشمّ!..

لماذا لا ينبري (طوني بلير)، لإنقاذ ثروة حليفه الكيان الصهيونيّ، المسروقة من عَرَقِنا ودمائنا وأرضنا، التي يبني بها مصانع أسلحة الدمار الشامل بكل أنواعها وأشكالها، ويُنتج بها أفتك الأسلحة؟!.. أليس اليهود حلفاءه وأهله وأبناء جلدته؟!.. أم أنه ليس حريصاً على ثروة حلفائه؟!.. طالما أنها موجّهة لسحقنا وسحق المسلمين والعرب، بمن فيهم العراقيون الذين سينقذهم (بلير) من نظام حكمهم، وينقذ ثروتهم من أن تُهدَرَ في تصنيع أسلحة الدمار الشامل!..

لماذا لا ينقذ (بلير) ثروة سادته الأميركيين، فيمنعهم من تصنيع أسلحة الدمار الشامل، التي يهدّدون بها كل شعوب الأرض؟!..

بل لماذا لا ينقذ (بلير) ثروة بريطانية نفسها، فيتوقّف عن تصنيع كل أنواع السلاح، وأول ذلك سلاح التدمير الشامل؟!..

 (طوني بلير) يزاود على الفاتيكان: سنشنّ حرباً صليبيةً (أخلاقيةً) على العراق!..

(طوني بلير) رئيس الوزراء البريطانيّ، هو أحد الغربان المحرّضة على العدوان وإشعال فتيل الحرب ضد العراق، باعتباره يعمل موظفاً استثنائياً لدى سكرتارية وزارة الخارجية الأميركية، منذ إعلان (جورج بوش) حربه الصليبية على العالَم الإسلاميّ في شهر أيلول من عام 2001م!..

لم نكن نعلم أن (طوني بلير) أشدّ صليبيةً من (البابا يوحنا)، إلا خلال زيارته الأخيرة للفاتيكان بتاريخ 22/2/2003م، فهذا المخلوق العجيب (بلير)، المهزوم في مجلس الأمن الدوليّ، وأمام الرأي العام البريطانيّ الجارف، وأمام أعضاء حزبه الحاكم (حزب العمّال)، وأمام حلف شماليّ الأطلسيّ والرأي العام الأوروبيّ والعالميّ.. هذا المخلوق، لم يجد سبيلاً للمزاودة حتى على (بابا) الفاتيكان، إلا بالتأكيد على مكنونات نفسه، من أنّ حرب أميركة وبريطانية ضد العراق، هي (حربٌ صليبيةٌ "أخلاقيةٌ" لتحرير العراقيين وتخفيف معاناة الشعب العراقيّ)!.. ولم ينسَ (بلير) هذا، أن يعبّر في نفس الوقت، عن (تفهّمه لما تقوم به إسرائيل وسفّاحها شارون، لمواجهة "الإرهاب" الفلسطينيّ)!.. (مفكرة الإسلام-22/2/2003م)، لكنه ربما نسي أنّ معاناة العراقيين المستمرة منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة، هي بسبب الحصار الظالم الذي تفرضه بريطانية مع أميركة على العراق!..

ربما نسي رئيس الوزراء البريطانيّ (طوني بلير) أيضاً، أنّ طائراته الحربية، ما تزال تشنّ عدوانها اليوميّ المتكرر على جنوبيّ العراق وشماليّه، وتقتل العراقيين، الذين يودّ مع معلّمه (بوش) أن يحرّرهم ويخفّف من معاناتهم.. وتحرق تلك الطائرات الإجرامية ما يحلو لها من حقول قمحه، بمشاعل النار التي تقذفها غربانه عليها!..

لقد فَقَدَت السياسة الرعناء  لـ (طوني بلير) إحداثيّاتها، ووصل إلى درجة الإفلاس السياسيّ!.. وهذه كلها مؤشرات كبيرة بالقلم الأحمر العريض، على سقوطه وسقوط الطغاة الظالمين من أمثاله، فيوم الحساب ليس بعيداً، يا مَن يبشّرنا –في حضرة الفاتيكان- بحربٍ صليبيةٍ .. (أخلاقية)!..