حكومة مصر والشأن الداخلي
د. ياسر سعد
الحكومات العربية والرؤساء العرب عموما وفي مصر بشكل خاص لا يحتجون أو ينتفضون وهم يتابعون ما يجري من مآس وانتهاكات تمس الكرامة العربية والمقدسات الإسلامية أو حتى يعلقون على سقوط الضحايا ولو كانت أعدادهم كبيرة ومفجعة. ألجيش الأمريكي ومرتزقته المستأجرين يعربدون في العراق ويهلكون الحرث والنسل, غارات الجيش "الإسرائيلي" واعتداءاته لم تتوقف مستهدفة الرجال والأطفال والشيوخ والنساء فيما يشتد الحصار على قطاع غزة ليخنق أكثر من مليون نصف فلسطيني متسببا في معاناة هائلة لهم. الاملاءات الأمريكية والأوامر بشأن السياسات العربية وعلى الملإ فيما يجب أن يكون وفيما ينبغي ألا يحدث, والحديث عن تفتيت بلاد الرافدين واتخاذ مجلس الشيوخ الأمريكي قرار يوصي بتقسيم العراق بعد تدميره أمريكيا. التهديدات والمؤامرات على المسجد الأقصى وقد بلغت هذه الأيام ذروتها مع افتتاح السلطات الصهيونية لكنيس يهودي ضمن حدود الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى وأسفل أحد الأبواب التاريخية للمسجد المبارك, كل ذلك وأكثر منه لا يستحق من الحكومات العربية موقفا ولو كلاميا أو وقفة وإن كانت إعلامية باهتة.
ولكن ما أن يمس نظاما حكم عربي أو يُنتقد حاكما أو أميرا عربيا حتى ترى الغضبة المضرية في أقصى عنفوانها والشهامة العربية في أبهى صورها وأكمل أشكالها. ففي حالة احتجاجية نادرة رفضت الحكومة المصرية انتقادا أمريكيا علنيا تحدث فيه البيت الأبيض عن انتكاسات لحرية الصحافة والمجتمع المدني في مصر وقالت انه تدخل مرفوض في شؤونها الداخلية. وكانت متحدثة باسم البيت الأبيض اعترضت في وقت سابق على الخطوات الأخيرة التي اتخذتها السلطات المصرية بوصفها "تبدو متعارضة مع تعهد الحكومة المصرية المعلن بتوسيع الحقوق الديمقراطية". فيما رأى بيان أصدرته وزارة الخارجية المصرية بأن "البيان الذي صدر عن المتحدث الصحفي باسم البيت الأبيض الأمريكي هو تدخل لا تقبله مصر في شؤونها الداخلية." كما أعتبر التصريحات الأمريكية تعكس "عدم معرفة بالواقع القانوني والسياسي المصري." كانت الحكومة المصرية قد أغلقت منظمة لحقوق الإنسان كما حكمت محكمتان بحبس سبعة صحفيين بسبب كتاباتهم بينهم أربعة أدينوا بالإساءة للرئيس حسني مبارك وابنه جمال العضو القيادي في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم.
مصر مبارك التي تتنفس على المساعدات الأمريكية والتي ألغت دورها العربي والإسلامي ورضت بدور هامشي لا يكاد يذكر, والتي جعلت من شرم الشيخ ساحة لإغاثة إسرائيل سياسيا ومنبرا لتنفيذ السياسة الأمريكية العدوانية والتي تستهدف من جملة أهدافها إعادة رسم الشرق الأوسط "الجديد" كما صرح بوش ورامسفيلد ورايس, مصر التي يتحدث رئيسها وبصراحة فجة مخاطبا الغرب بأن أي انتخابات ديمقراطية في بلاده ستأتي بالإسلاميين للسلطة. مصر التي تستجيب لطلبات رايس فترسل دبلوماسييها لبغداد المحتلة للهلاك والقتل, تتحدث عن ألان الشأن الداخلي وعن عدم المعرفة الأمريكية بالواقع القانوني والسياسي المصري.
نتمنى على الحكومة المصرية أن تعرف لنا الواقع القانوني والسياسي المصري, ونرجو منها أن تعيد تعريف الشأن الداخلي ومفهومي الكرامة والسيادة. إن اعتبار انتقاد بعض الصحفيين لمبارك وابنه المعد لخلافته تهمة يسجنون عليها بعد اتهامهم بالإساءة للوطن والدولة, وهو خلط مستهجن بين الحاكم والوطن وبين سياساته الفاشلة والبائسة وبين معاني الانتماء الرفيعة والسامية للوطن والأمة. إن الحكومات العربية وقد أوصلتنا إلى قيعان من الفقر والمهانة والتبعية, وقد أوصدت الأبواب أمام أي مشاركة سياسية أمام المواطنين فرادى وتجمعات وأحزاب هي المسئولة الأساسية عن الفكر التفجيري والذي يجتاح بلادنا ويستقطب جموع من الشباب المحبط من سياسات خارجية مهينة واليائس من أحوال داخلية عناوينها الفساد والفاقة والبطالة والقهر.