هذه هي قصة صديقي الكردي ومذبحة حماة
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
( أحد المتداخلين على "ماسنجري" ، من أكراد عفرين ، تعرف على ايميلي من احدى مقالاتي ، التي حدثني عنها طويلاً ، الى أن وصلنا بالحديث عن أسباب فراره من سورية ؟ فأجاب والتأئر العميق باد على نبرة صوته ! إنها حماة )
حماة مآساة العصر ؛ وكلّ العصور ، لم يشهد التاريخ مذبحة كمثلها بقرت فيها بطون الحوامل ، وهُدمت الأبنية فوق ساكينيها وداس الطغاة على المقدساة ، ولم يستثنوا امرأة ولا شيخاً ولا رضيعاً ولاشجراً ولا حجراً إلا وأفنوه ، ومعالم المدينة القديمة قد انطمست تحت الإزفلت الذي غطّوا به جرائمهم ، أولئك القتلة السفلة ، أعداء الله والإنسانية وهذا الصديق الكردي كان مجنداً الزامياً ، وحُمل من الشام الى حماة ؛ هو وقطعته العسكرية ؛وبمن فيها من الجنود، الذين تمّ جمعهم أوّل وصولهم الى مشارف المدينة الشهيدة ، وألقيت عليهم الخطابات الإجرامية العنصرية الحاقدة ، ومنها هذا الخطاب الذي جاء بالحرف والكلمة، "نحن أتينا بكم الى هنا لا لكي نتسلّى بكم أو لكي تلعبوا ، بل جئنا بكم لمعركة المصير مع سكان هذه المدينة الأوباش المتمردين على سلطة سيادة الرئيس حافظ الأسد، وما عليكم إلا أن تنفّذوا التعليمات الصادرة من القائد، بأن تُروهم شجاعتكم وقوتكم وبطشكم ، فلا تدخل الرحمة الى قلوبكم ، تماماً كما فعل الشجعان في لبنان، اقتحموا البيوت وقتلوا كلّ مناهض ،ولا شك سيكون هناك من الضحايا الأبرياء من المدنيين والأطفال والنساء، لكن ماعليكم لأن في الغالب سيتحوّل هؤلاءفي المستقبل الى مجرمين مُعادين للسيد الرئيس ، فكل ماعليكم عند اقتحامكم المدينة ، أن تقتلوا وتقتلوا لتملأوا حماة ارهاباً ورعبا ، ولتصعدوا على كتل الجماجم والهياكل ، ولتثبتوا أنكم من رجال الأسد، والسعيد منكم عندي وعند السيد الرئيس من أتى بالرؤوس الوافرة ، وبراميل من الدماء لإخضاع العدو ، ثم بعدها لنشرب النخوب على الأشلاء بعد أن نكون طهرنا هذه المدينة من سكانها، لأن أهل حماة جميعهم ارهابين ، حتى الأجنة في بطون أمهاتها مثلهم ، فاقتلوا وبددوا ولا ترحموا أحداً ، وما وقع بين أيديكم فهو غنيمة لكم ، وكل شيء مباح لكم في حماة ، إلا الرحمة بهم فهي ممنوعة".
وما هي الا ساعة الا وبدأت المعركة " معركة المصير"وبدأت المدفعية وراجمات الصواريخ والطائرات تقصف العدو الإسرائيلي عفواً أهل حماة العُزّل من السلاح ؛ -كما قصفت تل أبيب عندما هاجمت قواتهم قبل أسبوعين لموقع سوري- ، وعلى مدار أيام وأسابيع، تدمّر كل شيء في المدينة "المساجد والكنائس والمدارس والمنازل ؛ وكلّ حجر قائم ، وكل شجر أخضر" ، ولم نرى إلا الدخان الكثيف والحرائق إلا وتلهب المدينة اشتعالاً ، وأصوات الناس والخلائق ترتفع بالعويل والصراخ ؛ وهي تتلقى بأجسادها الضعيفة القنابل والصواريخ والإنفجارات،وبعضهم فرّ من بين الركام مُحاولاً الهرب ، لكن كانت رصاصات الغدر لاترحمهم ، فتمزق أجسادهم ،والقتلة الأشاوس يضحكون ، لارصاصة ولا اثنتين ، بل كانوا يجعلون من الأجساد مصافي ، وهم يتبارون ، عن عدد الرصاصات التي اخترقت الضحية قبل أن يسقط الى الأرض ، كما تباروا بالرد العنيف على اسرائيل لكن ليس بالبارود ولكن بالتصريحات النارية، ولولا الحياء لأتوا بحماة كأنموذجا للتخويف به وبعد أسبوعين –كما يضيف الصديق - سُمح لنا كجيش نظامي بالدخول لرفع الأنقاض وإزالة الأثار، بعدما أن دمّر القصف قدرات العدو ! وأخفى الحياة من المدينة بعدما كتموا الأنفاس البريئة ؛ثمّ ليأتي وقت الحصاد ، ويُفاجأ هذا المواطن الكردي من هول مارأى ، بعدما غُطّت شوارع المدينة باللون الأحمر ، ولم يكد يمشي على مكان إلا والجثث مُحيطة به من كل مكان ، فأذهله مارأى وأخذ بالصراخ ، فهدأه صاحبه كي لايُدفن بجانب الضحايا، ثمّ كان الأعجب من كل مارأى ‘ وهو يرى عصابات قوات الصاعقة والوحدات الخاصّة وسرايا الدفاع والصراع وهي تتوغل الى عمق المدينة ، وهي تقضي على كل مُتحرك ممن نجوا من مذبحة القصف، بشراً كانوا أم حيوانات ،وحينها أنقذه صاحبه وحمله مغشياً عليه ، واستطاع الخروج به من حماة الى ضواحيها ،وعندما استفاق أصابته حالة من الهستيرية الى درجة الهزيان والضياع ، فأخفى سلاحه وخلع بزّته العسكرية؛ ليسير تائها ويقطع على رجليه عشرات الكيلو مترات ويُصاب بالإرهاق والإغماء ،ليستفيق عند عائلة تُسهل له الهروب الى تركيا ، ليمكث فيها سنوات ، ويعود بعدها الى سورية بعد اشتياقيه لرؤية أهله وذويه وقريته ، فيُلقى القبض عليه ، ويوضع تحت التعذيب لسنين عديدة ، ويخرج بعد عقد من الزمان، ليعود من حيث أتى الى تركية التي تزّوج فيها ، وحصل على جنسيتها ، ولم يفكر بالعودة ثانية الى بلده؛ الذي حدثني عنها الكثير ومدى اشتياقه لها ، ومع ذلك لن يعود إلا بعد ازالة هذا النظام المجرم السافاك.