نُشِرَ سابقاً 1

نُشِرَ سابقاً

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ

(1)

د. محمد بسام يوسف*

[email protected]

ما تُسمى بالمعارضة العراقية (مقالة نُشِرَت بتاريخ 28/12/2002م)

بعض العباقرة الذين تسلّقوا حبال السياسة والعمل السياسيّ بشكلٍ مباغت.. وجدوا أنفسهم فجأةً في أحضان الغرب وأميركة، فمُنِحوا لقب: (معارضة)!.. واختلط عليهم الأمر، فخلطوا بين المعارضة للنظام الذي يرون أنه ظلمهم، وبين المعارضة للوطن الذي احتضنهم كالأم الرؤوم، منذ تاريخ وجودهم على ظهر هذه الأرض!.. وفقدوا مَلَكَةَ التمييز -لشدة حقدهم- فحقدوا على (العراق) الوطن والشعب كما حقدوا على نظام حكمه!.. وأشهروا سيف الحقد والكراهية تجاه الأم الرؤوم، ففقدوا رصيدهم الشعبيّ -إن كان لهم رصيد-، وضيّعوا قضيتهم في أروقة (البيت الأبيض) و(الكونغرس الأميركيّ) وحوزات (قُمٍّ) و(طهران)، وسفحوا شرفهم وعروبتهم (إن كانوا عرباً حقاً)، على متن أول حاملة طائراتٍ أميركيةٍ تُبحر لاحتلال وطنهم وانتهاك عِرض أمّهم الرؤوم!..

المعارضة العراقية المزعومة، التي تجتمع بقرارٍ أميركيّ، وتنفضّ بقرارٍ بريطانيّ.. لم تجد وسيلةً للتسلّق والانتهازية الرخيصة إلا اتبعتها!.. وبدلاً من أن تَجمع تقاريرها الموثّقة، عن انتهاكات نظام الحكم -الذي تعارضه- لحقوق الإنسان مثلاً، أو أن تطالب طغاة أميركة وبريطانية، برفع الحصار الظالم عن العراق وشعبه الذي يدفع ثمن تجبّر طغاة العصر أولئك عليه.. فإنها أصبحت مَطيّة أميركة وبريطانية، لإثبات امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل!.. وهي الذريعة الخادعة التي تتذرع بها أميركة لاحتلال وطنهم!.. واقتصر دور تلك المعارضة الطائفية المزيّفة، بتحريضٍ سافرٍ من أصحاب عمائم الزيف والدجل الفارسية الصفوية، على جمع الوثائق التي تُدين العراق بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل!.. وكأنّ امتلاك هذا السلاح هو حكر على الغرب وعلى أعدائنا وعدوّنا الصهيونيّ فحسب!.. وتعاونت تلك المعارضة مع شياطين أجهزة المخابرات الأميركية والبريطانية، واستدعت بعض الفنيين والمهندسين من صفوفها، لإثبات انتهاك العراق لما يسمى بالشرعية الدولية، وذلك بكل وسيلة: من الندوات والمقابلات التلفزيونية والإذاعية.. إلى الكتابة على صفحات الجرائد الأميركية الصهيونية، ونشر ما تزعمه من أسرار امتلاك بلدهم للسلاح المحرّم!..

بعد أن أثمرت حملة المعارضة العراقية الطائفية الخادعة وتحريضها وعَمَالتها للعدوّ الأجنبيّ، بدأت بعض أبواقها تعزف على وترٍ آخر مختلف: العراق فرّط بالإمكانات العراقية، التي استغرق بناؤها ورعايتها عشرات السنين، واستنـزفت ثروات الوطن وأمواله، كيف؟!.. حين قَبِل بقرار ما يُسمى بمجلس الأمن الدوليّ رقم (1441)، الذي ينتهك حرمة الوطن والشعب، وكرامته وكبريائه!..

لم يستحِ بعض أقطاب المعارضة العراقية، من توجيه تهمة العمالة والخيانة للنظام الذي يعارضونه!.. العمالة لمن؟!.. لأميركة التي يقبعون في أحضانها!.. ويشتغلون جنوداً أوفياء لجيشها، وإمّعاتٍ لإدارتها، وأحذيةً للمخابرات الأميركية التي يتحدثون من وراء ميكروفوناتها، ومن على منصّات أجهزتها الإعلامية في (الواشنطن بوست) و(النيويورك تايمز) وغيرها!.. ثم يعملون أدلاّء ووشاة للجيش الأميركيّ المعتدي، بتقديم مخطّطات مؤسّسات وطنهم الاقتصادية والعسكرية ومواقعها له.. لتدميرها!..

*     *     *

معارضة تجتمع برعايةٍ بريطانية، وتحت إمرة مندوبٍ أميركيّ، وتقبض باليمين والشمال عشرات ملايين الدولارات من الاستخبارات الأميركية وحكومة الولايات المتحدة.. وهكذا علناً.. بفخرٍ ووقاحةٍ ومباهاةٍ.. ثم تتهم النظام الذي تعارضه بالخيانة والعمالة لأميركة!..

أي معارضةٍ خائنةٍ هذه؟!.. وأي مصيرٍ مظلمٍ ينتظر العراق الوطن والشعب.. إن تمكّنت أميركة والغرب -لا قدّر الله- من احتلال العراق، وتنصيب هذه الدمى الخائنة التافهة على كرسيّ الحكم فيه!..

وَيْلٌ عندئذٍ للعراق: الوطن والشعب، من الخونة عملاء أميركة وأحذيتها.. سيترحّم شعب العراق عندئذٍ ألف مرةٍ على نظامه الحاليّ، الذي كما يقولون: يحكمهم بالحديد والنار!..

الشرف الحرّ والضمير الحيّ، يحتاجان إلى المبادئ والأخلاق والقِيَم السامية والوطنيّة الحقّة، فإن افتقدها أصحابها وتجرّدوا منها، فإنهم يصبحون بلا شرفٍ ولا ضمير!.. ومَن يتقمّصون (مؤسّسة المعارضة) من غير شرفٍ أو ضميرٍ.. فهم خونة أنذال، لا يستحقّون إلا السحق مع سحق دبابات الاحتلال وأدواته!..

على الذين يُهلّلون للعدوان الأميركيّ الصهيونيّ الوشيك على وطنهم العراقيّ العربيّ المسلم، أن يدركوا أنّ العراق وشعبه المسلم ليسا ملكاً لصدّام حسين ولا للنظام العراقيّ، فالأنظمة تأتي وتذهب ويطويها النسيان.. أما الأوطان والشعوب فتبقى إلى أن يشاء الله عز وجل!.. فالمطلوب من هؤلاء أن يُثبتوا أنهم -فعلاً لا ادّعاءً- أبناء هذه الأمة وأبناء العراق العربيّ المسلم، فيدافعون عن وطنهم وبلدهم بالمهج والأرواح، ضد الوحش الأميركيّ المحتال، الذي يتأهّب لافتراس بلدهم، بلد الحضارة والإباء، لأنهم إن استمروا في غيّهم وجنونهم، فسيترّحمون حتى على النظام الذي يحكمهم اليوم، في يومٍ نرجو الله عز وجل أن لا نشهده.. يوم يبتلع الوحش الأميركيّ والصهيونيّ بلدهم بمؤازرتهم وخياناتهم العظمى، ويعمل فيها تقتيلاً وتشريداً وتخريباً ونهباً وإذلالاً وانتهاكاً للأعراض!..

على المصابين بالنسيان المزمن، الذين يأملون من الذئب أن يحقق لهم الأمن والاستقرار، ومن الضبع أن يمنحهم السلام والرخاء وينتزع لهم حقوقهم.. أن يراجعوا حساباتهم، فالفرق بين الكفر والإيمان، وبين حُب الانتقام والخيانة، وبين التعقّل والجنون، وبين التفريط والشرف.. لا يتعدى مقدار شعرةٍ أو شروى نقير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم!..

              

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام