دارفور

عن زيارتنا للسودان.....لافتتاح مشاريع للجامعة العربية في دافور

الأُبيض محطات برحلة مرهقة في السودان ببلد طيب بأهله وقوي بعزيمته

محمود خلوف

صحفي وطالب دكتوراه إعلام

[email protected]

كم سمعت في السابق عن طيبة وأصالة الشعب السوداني الشقيق، لكنني كنت اعتبر أن المقصود بالأساس هو أهل الريف، ومناطق معينة في هذا البلد الشقيق، وأن هذا الكلام ينطبق على كثير من البلاد الشقيقة، ولا تخص به السودان على وجه الخصوص.

وفي ضوء مرافقتي للوفد المشترك لمندوبي الدول العربية الدائمين لدى جامعة الدول العربية وأمينها العام السيد عمرو موسى يومي 13 و14 شباط/فبراير 2010م، لمختلف التجمعات في إقليم درافور، وفي العاصمة الخرطوم، ومنطقة الأُبيض التي لم تكن بالخطة، بل "القدر" فرضها علينا، واحتكاكي والآخرين مع الشعب السوداني في الريف والحضر، كان لا بد من كلمة في هذه المناسبة.

لا أبالغ عندما أقول، لا تمايز بين أهل السودان الكبير بين ريفه وحضره وسحرائه وسهوله الخصبة، وبين قراه ومدنه...خضنا تجربة طويلة وشاقة على مدار الساعة اخترقنا الريف والحضر، والتقينا عامة الشعب والمسؤولين وبتنسيق وعلى غفله...

كنت في السابق أتساءل، لماذا يستهدف السودان بهذا الشكل؟، ولم هذه المحاولات لفصل الجنوب عن الشمال، ودارفور في إقليم منفصل؟، ولم أكن قادرا على الإجابة عن هذا السؤال، إلا بعدما زرت هذا البلد واطلعت على طبيعة حياة أهله، وطبيعة عاداتهم وكيفية تعاملهم مع الضيوف.

وحتى نعطي هذا الشعب حقه لم يكن التعامل معنا بهذا الشكل، لأننا جئنا ضمن وفد رسمي...لقد تنقلت وزميلاي الصحفيان المصريان صلاح جمعة وأحمد صديق في أكثر من مكان لغرض متابعة الشغل، وإعداد التقارير الصحفية حول الزيارة، والتقينا مع أفراد كثر من مسؤولين وأناس عاديين.

لقد رافقت خلال هذه الزيارة دبلوماسسيين وصحفيين ومسؤولين من 22 دولة عربية، بالإضافة صحفية من دولة أجنبية واحدة، والسودانيون تعاملوا مع الجميع باحترام شديد جدا، وبكرم وطيبة بغض النظر عن العرق واللون والدين...، إلا أنهم عندما كانوا يعلمون بأنني من فلسطين المحتلة، كانوا يخصونني بتحميلي رسائل محبة وتضامن مع شعب فلسطين، ومع أهلنا المحاصرين في غزة، ويلبغونني بأن يكثرون الدعاء لنا وللمسجد الأقصى الأسير.

واللافت هنا بأن عامة الشعب السوداني، متابع لتفاصيل التفاصيل للسياسة الدولية، وبخاصة فيما يخص فلسطين، وبالدرجة الأولى بما يتعلق بالخلاف على السلطة في قطاع غزة، والانقسام الناجم عن انقلاب حماس، وبخصوص ما يجري في القدس، وكذلك الموقف الفلسطيني من ربط المفاوضات بالوقف التام للاستيطان.

وحلال حديثي معهم، لم يتناول هؤلاء المواطنون والمسؤولون الحدث الفلسطيني بشكل عابر أو سطحي، بل تحدثوا عنه بعمق، وتفصيل، وأكثر ما شدّني بأن قسم كبير مما التقيتهم، لديهم متابعة جيدة بما يخص "محور الممانعة"، و"المقاومة"، وتجربة حماس بالحكم في غزة، والصعوبات التي تواجه العمل المسلح في فلسطين...، وتعامل القيادة الفلسطينية مع ملفات قضايا الحل الدائم، وغيرها.

لقد جمعتني المصادفة وزميليي صلاح جمعة وأحمد صديق مع أمين عام الحكومة المحلية في شمال كردفان، الرجل الشهم بشرى عيسى، الذي جمعنا بوزير الزراعة في الولاية وبعدد آخر من المسؤولين، والذين بدورهم قاموا بواجب الضيافة على أكمل وجه، ووفروا لنا كل الإمكانات للعمل، وحتى بالاتصال الدولي خارج السودان....تجد الواحد منهم مبتهجا بك كضيف، فوجهه وظهره يبتسم فرحا بك...ولم يكن ذلك إلا امتدادا لإرث طيب وعادات حميدة ترعرع عليها الشعب السوداني الشقيق، وورثها أبا عن جد.

إن تعامل المسؤولين في هذه البلاد وموظفي عدد من المؤسسات والمواقع التي زرناها اتسم بالطيبة والبعد عن البيروقراطية، ورغم أن إمكاناتهم بسيطة، وبخاصة في الإقاليم البعيدة عن العاصمة، إلا أنهم كانوا يجدون حلا سريعا، ويجدون البديل...

ففي زيارتنا لمدينة الأُبيض التي أدرجت اضطراريا على جدول أعمالنا نتيجة وجود خلل فني في مطار الخرطوم، وجدنا غرفة عمليات متكاملة، رغم أننا هبطنا في المكان دون تنسيق مسبق وبتنا أيضا دون ترتيب سابق.

صحيح أن المنطقة نامية وآخذة بالتطور، ولا تقارن بالحد الأدنى من إمكانات العاصمة، لكنهم خلقوا المعجزات...فعوضوا النقص الواضح في الفنادق، والأماكن المخصصة لمبيت الوفود الزائرة، بإخلاء منزل والي المنطقة، وبتحويل عدد من الدبلوماسيين والصحفيين لمنازل عدد من الوزراء في الولاية...

لا أنكر أنه حدث تأخير إلى حد ما فيما يخص تسكين حوالي 25 من أعضاء الوفد ومن ضمنهم أربعة سفراء، ولكن أن يحل 150 ضيفا بشكل مفاجيء وفي وقت متأخر من الليل، هذا أمر مرهق، ومن الطبيعي أن تحدث هكذا مواقف لأننا نتحدث عن منطقة بعيدة كثيرا عن العاصمة وعن مناطق التطوير الأولى، ولكن الأهم أن الموضوع تم تجاوزه بأسلوب لبق.

وعند الحديث عن هذه الزيارة يفترض أن نعط مندوب السودان الدائم لدى الجامعة العربية وسفيرها في مصر الفريق الركن عبد الرحمن سر الختم، حقه، كإنسان شهم، وديناميكي ورائع، وكريم وعارف لمعنى الكرم وحسن الضيافة....إنه تعامل بغاية الروعة والطيبة، وبنفس الدرجة لم يفرق بين إداري ودبلوماسي أو بين صحفي ودبلوماسي..

بصراحة لم تكن زحلتنا إلى دارفور بولاياتها الثلاث، ومحافظة الأُبيض نزهة مريحة جسديا، بسبب طبيعة المهمة الصعبة واضطرارنا للتنقل بين أكثر من محافظة بنفس اليوم، وبوسائل مختلفة بواسطة المركبات أو الهيليوكبتر، أو بالطائرة العادية، ولاضطرارنا للسير أو الإنتظار في أجواء الشمس الحارقة،...ولكن الفرد ينسى كل هذه الصعوبات عندما يتذكر المعاملة الطيبة وحسن الاستقبال والترحاب، والاحتفالات الجماهيرية التي واكبت الزيارة.

وبالعودة إلى السؤال السابق عن الأسباب الكامنة وراء استهداف السودان ووحدته من قبل قوى كثيرة معادية، لم أجد سوى إجابة واحدة فقط، وهي أن شعب السودان رصيد للأمة العربية والإسلامية بعاداته وتقاليده الاصلية وكرم أخلاقه وقوة إرادته، وحبه لقضية فلسطين وللقضايا العادلة الأخرى، وكرهه لقوى الاستعمار والظلم في العالم.

وبعد هذه الكلمات، لا أجد لأن أختم كلامي إلا بمناشدة الاشقاء السودانيين بالحفاظ على وحدتهم، وبرص الصفوف وبنبذ كل عوامل الفرقة، وأناشدهم للالتفاف حول قيادتهم سواء اتفقوا أو اختلفوا معها، لأن الهجوم عليها يندرج الآن ضمن محاولات إضعاف هذا البلد والنيل من وحدته وتعزيز الفرقة بين طوائفه وقواه.