قراءات خاطئة للواقع السياسي الفلسطيني
شكلت التطورات السياسة الأخيرة على الساحة الفلسطينية منذ الحسم العسكري الذي حققته حركة المقاومة الإسلامية / حماس ضد تيار دايتون- فرصة ذهبية لممارسة التحليل السياسي النشط ؛ فغصت الصحف والمجلات والفضائيات والمواقع الالكترونية بآلاف التحليلات والمقالات . وفرضت استقطابات الرأي والتحليل نوعا من المناكفة الجدلية ، والصدام الاستقرائي على شكل جبهات متناحرة ، حددت معالم الطرفين في معركة التمثيل والسيادة على ارض ما زالت ترزح تحت نير المحتل .
أما حلبة الصراع ، أو ميدان المحللين فقد شهد نوعا من التجاذب الفعلي الذي شكل مادة التحليل الدسمة ؛ فعلى طرفي الحلبة بدأت سيناريوهات الحسم تأخذ أبعادها المصيرية في الضفة والقطاع . وكادت أقلام المحللين تتعثر أو تنكسر ، وهي تواكب ذلك التسارع المحموم في عجلة التناحر بين فتح وحماس ؛ لكن الخيوط السوداء التي لفعت كثيرا من سيناريوهات الحل والتحليل ، وشكلت صدمات مزلزلة للمحللين في بداية الانفصال ومعارك الحسم ، سرعان ما كشفت عن صباح أبلج ، ونتائج أفصحت عنها مقدماتها .
وعلى الرغم من أن الإعلام - المهيمن عليه صهيونيا - حاول قلب الحقائق وطمسها إلا أن الواقع الفعلي لم يدع مجالا للحيرة والتخبط لكل صاحب قلم صادق وقلب شجاع.
ولا بد لنا قبل الولوج في عالم التحليل السياسي لمجريات ما حدث أن نؤسس لبدهيات التصور السياسي لواقع القضية الفلسطينية ؛ ولعل أول هذه البدهيات : أن العدو الصهيوني وسياسته لا يمكن أن تكون حريصة على التوافق والتقدم والمصلحة ، ومن هنا ، فإن أي تساوق معها . أو التجاء إليها يعد مؤشرا خطيرا على بعد المسار ، وانزلا قات خطيرة في طبيعة التوجه السياسي ، ونوايا مشبوهة في مسارات الطرق.
وثاني هذه البدهيات : أن المقاومة في ظل الاحتلال لن تمر مر المتنزه في ببارات السمن والعسل - كما يفترض بعض المراقبين في غرف الإعلام المكيفة - وان إمكانية وجود جيش من العملاء له أجندته الخاصة التي يكلفه بها العدو المحتل المتمكن ، فرضية مقبولة في القراءة السياسية التحليلية.
ثالثا : أن البرامج المتناطحة على الأرض قد حسمت خيرات الشعوب ، وحددت موازين القبول والرفض ، وان اللعبة الديمقراطية التي تغنت بها أمريكا قد كشفت عن سوأتها وتعرت قبل الخريف المرتقب ، فلم تعد خافية على احد.
وأخير: إن ما يجري في فلسطين يمثل صراعا بين برامج سياسية تعمل تحت الاحتلال ، ولا يمكن تصنيفه بأي حال من الأحوال على انه صراع على السلطة والكرسي بسبب عدم وجود سلطة بالمطلق؛ فحماس التي غصت سجون الاحتلال بوزرائها ونوابها ، لا يمكن أن تتشبث بسلطة منزوعة الصلاحيات تهدد أمنها ووجودها وتكلفها أكثر مما تحتمل ، وأما فتح فقد بدا واضحا أن السلطة التي انتعشت من خلالها هي سلطة التنسيق الأمني وإلغاء القرار السياسي وتفعيل دور المليشيات التي تعطي لابن كتائب الأقصى- برغبة صهيونية - ما لا تعطيه لرئيس السلطة.
من خلال هذه البدهيات نستطيع بأريحية أن نقرا دلالة التحولات في الخطابات المتتابعة لعباس ، نستطيع مثلا أن نقرا ذلك التسابق المحموم من عباس للقاء المرت بغية الوصول إلى مؤتمر دولي شكلي يحسم بقوة المجتمع الدولي اختلال توازن القوى الحقيقي في المشروع الوطني ، ويعيد لفتح المنتهية وطنيا وجودها السياسي على الأرض .
و من هنا نستطيع - أيضا أن نفهم ردة الفعل العنيفة للمجتمع الدولي الذي أراد إنهاء معادلة الصراع وفق رؤيته الاستعمارية، بعيدا عن أي صوت حر ، وشرعية أخلاقية .
ونستطيع أن نفهم - أيضا - سر ذلك الإقصاء والحصار والتشويه والتنكيل والاعتقال لكل صوت يخرج عن سرب التوافق الدولي على واد القضية ، وينادي بقراءة عادلة لحقيقة الصراع.
ومن هنا، نستطيع- أيضا - أن نقرر: أن لا وجود فعلي لفصيل وطني اسمه فتح على الساحة ؛ لان تيار دايتون الذي يسيطر على حركة فتح القى بأوراقه كاملة في يد قوى عظمى وقبل ان يكون أداة لصون الدولار المتدفق وحماية الانزلاق ، ولا يمكن له ان يضع في برنامجه أولويات الطموح الفلسطيني . لان ذلك يتعارض مع البنية التنظيمية التي جمع من خلالها الشذاذ.
إما قطرات الدم المسالة من هنا وهناك فهي نتائج حتمية للانزلاقات المشبوهة التي ارادت جر المنطقة إلى السيناريو الامريكي في نظريته المعروفة الفوضى الخلاقة.. التي قادها تيار دايتون في غزة ويعيد تطبيقها ألان في الضفة.
اما التنبؤ عن مستقبل هذا الجدل القائم فلا علاقة لعباس بما يجري من الناحية التأثيرية فعباس يقوى ويضعف بالقدر الذي تتأرجح به قوة أمريكا فإذا قد لبوش أن يفشل في العراق مثلا او للمقاومة ان تنجح في غزة ولبنان فان انهيار عباس في الضفة يشكل جزاء الشرط في معادلة التوازن أو الوجود والتلاشي.