حتى لا تتكرر مأساة عام (1967)

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

عام 1967 دقت إسرائيل طبول الحرب بإيقاع اختارت نغماته زماناً ومكاناً فرقصنا حتى الثمالة على رجع صداه في حلم لذيذ تصورناه واقع سنقطف ثماره سريعاً طالما انتظرناه طويلاً.. فكان وهم قاتل.. خسرنا الحرب وخسرنا الأرض ولم نكسب إلا شعارات جوفاء وكلام فارغ لا معنى له!!

من هنا فإنني أذكّر أهل الحكم في دمشق أن يقرأوا جيداً إيقاع هذه الطبول ولا يفعلوا ما فعله من كان قبلهم من الرفاق الذين أمطروا الشعب السوري بوابل من التصريحات العنترية الخرقاء قبل العدوان وأثناء الاجتياح وبعد الهزيمة!!

بداية نستعرض فترة التوتر:

في يوم الجمعة 12 أيار عام 1967 أعلنت وكالة (يونايتد برس) للأنباء، أن مصدراً إسرائيلياً رفيعاً قال: (إنه إذا ما استمرت سورية في دعم عمليات التخريب داخل إسرائيل فإن ذلك سيتتبع بالضرورة قيام إسرائيل بعمل عسكري لقلب نظام الحكم في سورية). وهدد مصدر عسكري آخر، كما نشرت وكالة (أسو شيتد برس) في نفس اليوم، قائلاً: (إن أمام إسرائيل عدداً من الاحتمالات يتراوح بين شن حرب عصابات على سورية، وبين غزو سورية واحتلال دمشق).

يوم السبت 13 أيار 1967 صرح ناطق رسمي في وزارة الخارجية السورية رداً على التهديدات الإسرائيلية قائلاً: (إن التهديد الوقح بالقيام بعمليات عسكرية واسعة، وبخوض الحرب ضد سورية لن يرهب أحداً، لأنه لن يسقط النظام الثوري في سورية، بل سيزيده مناعة وقوة، وسيسقط الأنظمة الرجعية والعميلة، ويحرك الجماهير العربية في ثورة عارمة).

يوم السبت 20 أيار 1967 أذاع وزير الدفاع السوري اللواء حافظ السد بياناً جاء فيه : ( .. إنه لابد على الأقل من اتخاذ حد أدنى من الإجراءات الكفيلة بتنفيذ ضربة تأديبية لإسرائيل تردها إلى صوابها ... إن مثل هذه الإجراءات ستجعل إسرائيل تركع ذليلة مدحورة ، وتعيش جواً من الرعب والخوف يمنعها من أن تفكر ثانية في العدوان. إن الوقت قد حان لخوض معركة تحرير فلسطين، وإن القوات المسلحة السورية أصبحت جاهزة ومستعدة ليس فقط لرد العدوان، وإنما للمبادرة في عملية التحرير ونسف الوجود الصهيوني من الوطن العربي إننا أخذنا بالاعتبار تدخل الأسطول السادس الأمريكي وإن معرفتي لإمكانياتنا تجعلني أؤكد أن أية عملية يقوم بها العدو هي مغامرة فاشلة، وهناك إجماع فـي الجيـش العـربي السوري الذي طال استعداده ويده على الزناد، على المطالبة بالتعجيل في المعركة، ونحن الآن في انتظار إشارة من القيادة السياسية. وإن سلاح الجو السوري تطور تطوراً كبيراً بعد ( 23/2 /1966م ) من حيث الكمية والنوع والتدريب، وأصبحت لديه زيادة كبيرة في عدد الطائرات، وهي من أحدث الطائرات في العالم، كما ازداد عدد الطيارين وارتفع مستوى التدريب).

يوم الثلاثاء 23 أيار 1967 صرح العقيد أحمد المير قائد الجبهة السورية بأن الجبهة أصبحت معبأة بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، وقال: (إن العرب لم يهزموا في معركة 1948 على أيدي الإسرائيليين، بل من قبل حكامنا الخونة، وهذه المرة لن نسمح لهم أن يفعلوا ذلك).

يوم الاثنين 29 أيار 1967 ألقى الدكتور يوسف الزعين رئيس الحكومة السورية كلمة في افتتاح جلسة طارئة لاتحاد المحامين العرب في دمشق قال فيها: (إن انحناء إسرائيل أمام الرد العربي الحاسم الآن، يجب أن لا يفسر بأنه انتصار نهائي عليها، فهو ليس إلا بداية الطريق لتحرير فلسطين، وتدمير إسرائيل).

يوم الجمعة 2 حزيران 1967 علق البريجادير جنرال حاييم هيرتسوج على ما يصدر من إذاعة دمشق قائلاً: (الجيش السوري البالغ عدده 65 ألفاً هو ضئيل جداً بالنسبة لمساحة سورية. وإن الانقلابات التي تعاني منها سورية وينتج عنها تغيير دائم في صفوف الضباط وترفيعات مفاجئة لا تستند على أساس الخبرة بل على أساس الانتماء السياسي، كل هذا أضعف الجيش السوري كثيراً).

بداية العدوان في 5 حزيران 1967:

بدأت إسرائيل فجر هذا اليوم بضرب المطارات والقواعد الجوية العسكرية المصرية، فأذاع القائد الأعلى للقوات السورية المسلحة بلاغاً من إذاعة دمشق في الساعة 12 ظهراً، أعلن فيه دخول القوات السورية المعركة، وقال: (إن الطائرات السورية بدأت قصف مدن العدو ومنشآته، وإن سورية تلتحم مع العدو الآن.. ولن نتراجع قبل إبادة الوجود الصهيوني إبادة كاملة).

في نفس اليوم أعلن رئيس الجمهورية السورية الدكتور نور الدين الأتاسي في كلمة له من إذاعة دمشق قال فيها: (لقد دقت ساعة النصر على أعداء العروبة وقد حفر الصهاينة الغزاة المتآمرون مع الاستعمار العالمي قبورهم بأيديهم.. لقد وضع الجيش السوري كل قواه الضاربة في لهيب المعركة وإن نسورنا البواسل يدمرون منشآت العدو ومدنه وهم في طريقهم لتحرير الأرض المغتصبة).

يوم الثلاثاء 6 حزيران 1967 أعلن وزير الدفاع السوري في بلاغ قوله: (في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة من فجر يوم السادس من حزيران لعام 1967، بدأت قواتنا بالاشتباك مع العدو وقصف مواقعه على طول الخطوط الأمامية، وإن هذه الاشتباكات التي تجري اليوم هي منطلق لبدء عملية التحرير).

وقبل وبعد بلاغ وزير الدفاع كانت إذاعة دمشق تذيع بيانات الانتصارات التي يحققها الجيش السوري على إسرائيل جواً وبراً، حتى ليظن السامع لهذه البيانات أن إسرائيل قد انتهت وسحق جيشها ودخلت طلائع الجيش السوري تل أبيب.

يوم الخميس 8 حزيران 1967 أذاع راديو دمشق في الساعة الثالثة صباحاً عن ناطق عسكري قوله (أنه يتوقع أن تصل اليوم القوات السورية إلى صفد).

وتابعت إذاعة دمشق بياناتها لتعلن: إن سورية لن توقف القتال وستواصل الحرب ضد إسرائيل، وقال الناطق باسم القوات المسلحة: (إن الحرب ما زالت في بدايتها، وسوف تستمر، والنصر لمن يصمد، ولمن يرمي في المعركة كل يوم قوى جديدة.. إن أسلوب الحرب الصاعقة لفرض الهدنة لن يكتب له النجاح، وإن الغلبة في النهاية ستكون للحق العربي).

يوم الجمعة 9 حزيران 1967 أذاع راديو دمشق في الساعة الرابعة والدقيقة العشرين بياناً أعلن فيه عن موافقة سورية على وقف إطلاق النار: (إن الجمهورية العربية السورية، تقديراً منها للظرف الراهن أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة أنها قررت قبول دعوة مجلس الأمن إلى وقف إطلاق النار شريطة التزام الجانب الآخر بوقف إطلاق النار).

ثم أعقب ذلك كلمة وجهها الدكتور نور الدين الأتاسي من راديو دمشق جاء فيها: (إننا نواجه اليوم أكبر مؤامرة دنيئة خسيسة في العالم الحديث، وإن الخطة تستهدف بعد كل المؤامرات المتلاحقة إلغاء مكاسب شعبنا مرة واحدة وإعادة وطننا إلى منطقة النفوذ الاستعماري الجائر على غرار القرن التاسع عشر.. وكما يكافح شعب فيتنام وكما كافح الجزائريون، سنحول الدنيا إلى جحيم في وجه الغزاة وسننتصر).

السبت 10 حزيران 1967 أعلن الجيش الإسرائيلي: (أن القتال على الجبهة السورية يبدو قد انتهى، نافياً نية الجيش الإسرائيلي في التوجه إلى دمشق، وقال مصدر عسكري إسرائيلي: ( إن القوات الإسرائيلية تسيطر الآن على المرتفعات الهامة على الجبهة بعد أن دخلت مئات المدرعات من جيش الدفاع الإسرائيلي إليها).

أعلن وزير الدفاع السوري في البلاغ رقم (66) عن سقوط القنيطرة بيد العدو الإسرائيلي، وأنه أمر الجيش بالانسحاب الكيفي من الجبهة. وجاء في البلاغ: (إن القوات الإسرائيلية استولت على القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة وكان طيران العدو يغطى سماء المعركة بإمكانات لا تملكها غير دولة كبرى, وقد قذف العدو في المعركة بأعداد كبيرة من الدبابات واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل, إن الجيش لا يزال يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن, كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد ستأخذ مراكزها فى المعركة) .

جورج طعمة مندوب سورية في مجلس الأمن أعلن (إن معركة عنيفة تدور في هذه اللحظة بين القوات السورية والقوات المجرمة القادمة من تل أبيب والتي تحاول الوصول إلى دمشق في أقرب وقت ممكن).

غادر دمشق أعضاء الحكومة والحزب الحاكم وكبار ضباط الجيش تصحبهم عوائلهم إلى مدينة حمص تاركين طريق العاصمة دمشق سالكة أمام العدو.

يوم الأحد 11 حزيران 1967 أصدر وزير الدفاع السوري بلاغاً جاء فيه: (خلال المعارك القاسية التي جرت بين قواتنا الباسلة وقوات العدوان الاستعماري الثلاثي، حاول العدو اختراق خطوط دفاعنا الأولى أكثر من مرة، بكل ما يملك من أسلحة وطيران متفوق، وكانت قواتنا تصد تلك الهجمات المتكررة وتقصف مواقع العدو منزلة بها الدمار.. لقد قاتل جنودنا الأشاوس بضراوة نادرة، وصمدوا أمام تفوق العدو الآلي وغارات طيرانه الكثيف المتلاحق دون انقطاع..لقد دافع جنودنا الأشاوس عن كل قطعة من أرض الوطن ببسالة منذ بدأ العدوان، ولكن القوى غير المتكافئة بيننا وبين العدو الثلاثي وخاصة الطيران الغزير، مكن العدو من اختراق خط دفاعنا الأول في القطاع الشمالي في محاولة لتطويق قواتنا. ولقد قاومت قطعاتنا هذه الخطة بوعي وأحبطتها، ولم تمكن العدو من تنفيذ خطته. وقاتل جنودنا قوات العدوان الثلاثي المتفوقة ببسالة لم يشهد لها مثيل، وهم يتمركزون الآن في خط الدفاع الثاني متحفزين لاستعادة كل شبر من ارض الوطن).

المراسل الحربي لجريدة (الأوبزرفر) أندرو ويلسون كتب يصف الحرب على الجبهة السورية قائلاً: (.. وعلى الجبهة الشمالية مع سورية، تحققت نبوءة المخططين الإسرائيليين، وكانت عمليات القوات السورية محدودة جداً، فلم يقم السوريون بأية عمليات جدية).

يوم الاثنين 12 حزيران 1967 كتبت جريدة الثورة السورية الرسمية: (إن القتال الذي دار في القنيطرة بين القوات السورية المعززة بقوات الجيش الشعبي وبين القوات الإسرائيلية، يفوق قتال ستالينجراد وبور سعيد).

الثلاثاء 13 حزيران 1967 كتبت جريدة الثورة في افتتاحيتها: (إن أهم نصر حصل عليه العرب في حربهم مع إسرائيل، هو تلك الاندفاعية الثورية التي امتدت من المحيط إلى الخليج).

الأربعاء 14 حزيران 1967 أعلن البريجادير صموئيل إيال، رئيس دائرة أسرى الحرب في الجيش الإسرائيلي، أن (إسرائيل تأمل تبادل 5499 أسيراً عربياً مقابل 16 جندياً إسرائيلياً أسروا خلال الحرب الأخيرة) وقال (إن من بينهم 333 أسير سوري مقابل أسير واحد وقع في قبضة القوات السورية).

الاثنين 19 حزيران 1967 كتب مراسل جريدة (التايمز) البريطانية باتريك بروجان، الذي زار مرتفعات الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل وقال: (إن الإسرائيليين تغلبوا على خطوط الدفاع السورية التي تبدو غير قابلة للاختراق، بالدوران حولها، وأخذها من الخلف، وقال إنهم استخدموا الطريق التي كان الجميع يظن أنه لا يمكن اجتيازها، وهي الوادي الضيق الذي يمر شرقاً من مستعمرة دان الذي يمر فيه نهر بانياس وقال إن الوادي لم يكن محمياً سوى من قبل لواء واحد وقليل من المدفعية وقد اجتاحها الإسرائيليون خلال الليل ثم استولوا على مواقع المدفعية على مهل).

السبت 24 حزيران 1967 صرح وزير الإعلام السوري محمد الزعبي في مؤتمر صحفي قال فيه: (إن الجيش السوري صمد ثلاثة أيام حين هاجمته إسرائيل، إلى أن صدرت له الأوامر بالانسحاب حين رأت القيادة أن خطة إسرائيل كانت تطويق الجيش السوري).

يوم الجمعة 30 حزيران 1967 قال البريجادير جنرال مردخاي هود قائد سلاح الطيران الإسرائيلي: (إن ثلثي سلاح الطيران السوري دمر خلال ساعة واحدة، ثم انتقل الثلث الباقي إلى مطارات تقع خارج نطاق القتال).

وسقطت الجولان والقنيطرة فماذا كانت ردة فعل حكام دمشق؟

علق قائد الجيش السوري اللواء أحمد سويداني على نتائج الحرب قائلاً: (إن المعركة لا تقاس نتائجها بعدد الكيلو مترات التي خسرها.. بل بأهدافها وما استطاعت أن تحقق. فقد كان هدف إسرائيل، ليس احتلال بضعة كيلو مترات من سورية، بل إسقاط الحكم التقدمي فيها، وهذا ما لم يتم لها، ولذا يجب أن نعتبر أنفسنا الرابحين في هذه المعركة).

وزير الخارجية السوري الدكتور إبراهيم ماخوس من جهته علق على نتائج هذه الحرب بقوله: (ليس مهماً أن يحتل العدو دمشق، أو حتى حمص وحلب.. فهذه جميعاً أراض يمكن تعويضها، وأبنية يمكن إعادتها، أما إذا قضي على حزب البعث، فكيف يمكن تعويضه وهو أمل الأمة العربية!؟). وأضاف قائلاً: (لا تنسوا أن الهدف الأول من الهجوم الإسرائيلي، هو إسقاط الحكم التقدمي في سورية، وكل من يطالب بتبديل حزب البعث، عميل لإسرائيل).

طبول الحرب التي تدقها إسرائيل في هذه الأيام هي صورة مستنسخة عما فعلت عام 1967 والمخيف أن لا يكون حكام دمشق اليوم وبعد ثلاثة وأربعين سنة قد تعلموا الدرس وأخذوا العبرة من درس الهزيمة الأليم، الذي دفع ويدفع الشعب السوري ثمنه، عذابات وجراحات وآلام، لأنه كان مُغيباً عن كل ما كان يحوكه حكام دمشق في حينها ويخططون له، وهذا ما يرفضه الشعب السوري اليوم رفضاً قاطعاً، وقد ذاق مرارة الخامس من حزيران عام 1967 وتجرع حنظلها.. الشعب يريد من حكامه أن يشركوه في كل القرارات التي تهم الوطن والأمة، ويرفض ارتهانها بيد مجموعة بعينها أو طيف واحد ذو لون واحد.. يريدون قيام جبهة وطنية عريضة وحقيقية، تمثل كل الفسيفساء السوري من أعراق وأديان ومذاهب وطوائف ومعتقدات دون تمييز أو إقصاء أو نفي أو تهميش.. فسورية لكل السوريين ولكل من يحمل هوية الوطن، وبهذه الوحدة الوطنية العريضة التي يعرف حكام دمشق مفردات ومستحقات قيامها، تكون سورية حصناً منيعاً يمكنه التصدي للعدوان وإفشال مخططاته.