تنظيم القاعدة في الجزائر
تنظيم القاعدة في الجزائر
بين حسابات النظام...
وأطماع الأمريكان !!
أنور مالك –كاتب وصحافي مقيم بفرنسا
تنظيم القاعدة في الجزائر... صدق أو لا تصدق... ربما تبدو مفارقة في زمن ما يسميه النظام الجزائري 'ما بعد الإرهاب'...
هل هو حقيقة أم مجرد سيناريوهات تلخص الأطماع الأمريكية في المنطقة؟ !!
وهل ما يروج عن ما يسمى بتنظيم 'القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي' هو مجرد أكاذيب من أجل الإستهلاك الإعلامي الذي يخدم مشاريع موازية تحاك في الخفاء من طرف خفافيش دأبوا على الإصطياد في الظلام والمياه العكرة؟ !!
تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين... تنظيم القاعدة في بلاد الشام... تنظيم القاعدة في بلاد فارس... تنظيم القاعدة في جزيرة العرب... ثم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي... أجيال تتوارث العمل المسلح لكن ما يبقى يثير التساؤلات هل للقاعدة الأم علاقة بهذه التنظيمات أم مجرد أبناء زنا حملوا سفاحا لخدمة المشروع الإمبريالي الذي تخوضه أمريكا لحماية البنت الشرعية للبيت الأبيض ألا وهي إسرائيل، هذا بغض النظر عن العلاقة العقدية التي لا غبار عليها...؟.
لماذا تم إعلان انضمام 'الجماعة السلفية للدعوة والقتال' من طرف الظواهري في ظرف يشهد الشد والجذب بين أطراف إفريقية وأمريكية حول القاعدة العسكرية الأمريكية 'أفريكوم' التي لا يزال مقرها بشتوتغارت في ألمانيا؟
ولماذا توعد الظواهري فرنسا لأول مرة يفردها بالإسم في ظل إنتخابات رئاسية مثيرة الطرف فيها نيكولا ساركوزي الذي يمجد السياسة الأمريكية، وعرف عنه أنه بلير الثاني بالنسبة لبوش؟ وقد أدى ذلك إلى فوزه في الإنتخابات بالرغم من عدائه الواضح للمهاجرين وللعرب على عكس جاك شيراك، ومن الصدف أن أول من أعلن تصريحا عقب الإعلان هو ساركوزي وكان حينها وزيرا للداخلية وحمل تهديدات الظواهري على محمل الجد... طبعا أمر غير بريء وخاصة أن ساركوزي سار على نهج بوش في إستثمار الخوف من القاعدة في كسب المؤيدين...
لماذا تسجل الجزائر تماطلا في ما وعدت به أمريكا من صفقات التسليح ضمن مساعدتها في مكافحة الإرهاب، بالرغم من أنها صارت تواجه القاعدة التي تواجهها أمريكا في أفغانستان والعراق... ؟.
لماذا لم يتجه تنظيم 'القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي' إلى ضرب المصالح الأجنبية كما هو معروف عن التنظيم الأم، سوى عملية بدت إستعراضية والمتعلقة بالإعتداء على مستخدمي شركة هاليبتون في منتصف شهر ديسمبر 2006، أو خطف المهندس المصري بتيزي وزو في 28/05/2007، وإن كان التنظيم قد قام بعملية كبيرة من قبل لما كان يعرف بالجماعة السلفية للدعوة والقتال بخطف السواح الألمان بالصحراء الجزائرية؟ !! .
لماذا التركيز على منطقة القبائل والصحراء في نشاطات القاعدة، فإن كنا نعرف أن الصحراء مصدر الثروات النفطية، فماذا يراد من القبائل، إن كانت لويزة حنون زعيمة حزب العمال لجزائري جعلت من حركة العروش نتاج التحريض الأجنبي (صحيفة البلاد 20/08/07)، فما يقال عن القاعدة إذن؟ !!.
الأسئلة كثيرة وقد لا نجد لها إجابة في ظل الزخم الرهيب والمتناقض للأحداث التي رافقت إعلان هذا التنظيم عن نفسه رسميا في 24/01/ 2007 وإن كان الظواهري قد أعلن ذلك رسميا في الذكرى الخامسة لأحداث 11 من سبتمبر/أيلول...
النفط الإفريقي... ومعادلة الحرب المرتقبة
النفط الإفريقي يعتبر العمود الفقري لأمريكا فهي تستورد 60 % من حاجياتها النفطية من إفريقيا، وتشير بعض التقارير إلى إرتفاعها نحو ما يقارب 70 % مع حلول عام 2025، وما تستورده أمريكا من دول مثل غينيا والغابون ونيجيريا يعادل ما تستورده من مجموع دول الشرق الأوسط، ويكفي ما نشر عن وارداتها عام 2006 مثلا... النفط الإفريقي له مميزات خاصة لجودته العالية، وحسب التقرير الشهير حول مستقبل الطاقة في الولايات المتحدة الصادر عام 2001 أكد ديك تشيني نائب الرئيس بوش وأحد كبار المستثمرين في النفط وصاحب ملكية مجمع هاليبورتن والمتواجد من خلال شركاته الفرعية في القارة السمراء، بأن إفريقيا تتحول بشكل سريع إلى مصدر نفط وغاز للسوق الأمريكية، وأن النفط الإفريقي ذو جودة عالية ومما يجعله نموذجيا لمحطات تكرار النفط في إفريقيا، لهذا تجد إقبال الشركات البترولية قويا، فنجد مثلا شركة شيفرون تكساكو التي كانت تديرها من قبل كونداليزا رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية حاليا) إستثمرت حتى الآن أكثر من 10 ملايير أورو في إفريقيا وقدرت إستثماراتها مع نهاية 2012 ما يقارب 20 مليار أورو... إن كان تقرير تشيني قد عد نفط إفريقيا عالي الجودة، فإن والتر كاينستين الذي كان مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية فقد صرح في 01/02/ 2001 بأن بترول إفريقيا تحول بالنسبة للإدارة الأمريكية إلى إستراتيجية وطنية جذابة... ولهذا راحت الكثير من الجهات الرسمية والإستراتيجية ومراكز البحث إلى حث الإدارة الأمريكية من أن تجعل النفط الإفريقي من ضمن الأولويات السياسية الأمريكية، كما جاء في التقرير الصادر عن:
centre for strategic and international studie
وذلك في يوليو 2005 وتحت عنوان:
A Strategic US aroach to Governance and security in the gulf of guina.
وهذا لا يتحقق طبعا إلا بإقامة قواعد عسكرية، مما دفع مجلة (أليكسندر غاز أند وال كونكشيو) من أن تنشر ما مفاده أن الإدارة الأمريكية شرعت في حماية مصالحها البترولية في إفريقيا، ومن دون أن تعطي صورة عن الطريقة المنتهجة من قبل إدارة البيت الأبيض... وفي الحقيقة أن البنتاغون شرع منذ 2005 في التفكير في قواعد عسكرية بإفريقيا، وقد جمع لذلك 9 دول منها المغرب ضمن المبادرة العابرة للصحراء لمواجهة الإرهاب (TSCTI)، ويؤكد الخبراء أن الدول المرشحة لإحتواء القواعد العسكرية هي: المغرب وموريتانيا وتشاد والسينغال، وقد روجت الصحافة المغربية إلى الشروع في بناء قاعدة بإقليم طان طان، والأشغال جارية فيه منذ 2005، وقد ورد في تقارير إخبارية إنطلاق المشروع الأمريكي العسكري في منطقة الساحل الإفريقي خلال شهر جوان 2005، بناءا على تصريحات السيدة تيريزا ويلان مساعدة وزير الدفاع الأمريكي والمشروع يحمل إسم فلنتوك 2005 (صحيفة الخبر: 21/05/05 )، مما يعطي إنطباعا بان التركيز على وجود المغاربة في القاعدة بالجزائر ليس بالبريء أبدا، وهي تدخل في إستراتيجية سرية تدعمها أطراف إستخباراتية أمريكية وحتى صهيونية من أجل إشعال فتيل حرب بإفريقيا، حتى أن مايكل كلار صاحب الكتاب الشهير عن موارد الحرب أكد في حوار له مع جريدة (آسيا تايمز) من أن الحرب الأمريكية القادمة ستكون في إفريقيا (القدس العربي: 24/03/2007)... وطبعا لا تكون إلا بوجود عدو وهذا الذي ستصنعه أمريكا بالقاعدة في المغرب العربي، ومما يجدر الإشارة إليه أن المارد الصيني إلى جانب الهندي اللذان يزحفان على إفريقيا أصبحا يشكلان هاجسا مزعجا للإدارة الأمريكية، مما دفعها إلى الإسراع في إحتواء المنطقة قبل فوات الآوان، وخاصة أن العملاق النائم قد إستيقظ من سباته، إضافة أخرى جديرة بالتنويه أنه نقلت عدة تقارير أمنية من أن الإدارة الأمريكية رفضت القيادة المشتركة لمحاربة ما تسميه بالإرهاب بين كل من المخابرات الأمريكية والفرنسية والألمانية والمغاربية، مما يوحي إلى سعيها الحثيث لأجل الإستفراد بخيرات المنطقة وليس الهدف هو الإرهاب بحد ذاته...
الجزائر والأجندة الأمريكية
تعتبر الجزائر الدولة الأولى في العالم التي عانت مما تسميه أمريكا بالإرهاب، ومن دون أن نخوض في الأسباب السياسية خاصة التي أشعلت فتيل الحرب الأهلية، ويتحمل المسؤولية جنرالات الجيش والمخابرات أمام الله ثم التاريخ دماء الأبرياء والعزل من الشعب الجزائري، وبالرغم مما تعتبره أمريكا من أن الجزائر شريك مهم في حربها الضروس على ما تسميه بالإرهاب، إلا أن العلاقات الفعالة ظلت تراوح مكانها، فالمساعدات العسكرية لم تتعد ما بين 2005 و 2006 قيمة 600 مليون دولار دفعتها الجزائر من أجل إستيراد عتاد عسكري متكون من وسائل الرؤية الليلية والإتصالات، هذا فضلا من أن المساعدات المالية المقدرة بـ 2,8 مليار دولار جعلت من الجزائر في المرتبة الثالثة مغاربيا بعد تونس التي قدرت مساعداتها بـ 4 ,7 مليار دولار، والمغرب 2,9 مليار، أما ليبيا فقدرت المساعدات بـ 1,15 مليار...
والتعاون الجزائري الأمريكي في المجال العسكري عرف الكثير من المحطات، فإلى جانب المعدات التي ذكرناها سابقا فقد أرسلت وزارة الدفاع الجزائرية دفعات متعددة من الضباط للتكوين في كبريات الكليات العسكرية الأمريكية، وخاصة في ما يتعلق بالقوات الجوية والدفاع الجوي عن الإقليم، حتى أن الرائد باسطة محمد والرائد مراح جمال والرائد غميرد مراد والرائد بن أحمد الشريف والرائد شيحة مراد والرائد عيسات فريد والرائد لحلو جمال وشقيقه الرائد لحلو عبد الحليم... الخ، الذين قضوا أكثر من سنة في واشنطن قد أكدوا لنا ان الجزائر دفعت الملايير من أجل تكوين الإطارات في الرادار والعمليات الجوية والإتصالات الحديثة والحرب الإلكترونية، إلا أن الأمريكيين كان همهم دفع الجزائريين نحو إهتمامات أخرى كالسهر بالكباريهات ومطاردة الشقراوات، وكل من يظهر جديته في التكوين تتخذ ضده إجراءات صارمة، سنفرد مقالا عن الإطارات العسكرية الجزائرية في الخارج قريبا.
نعود لموضوعنا ممكن أن الجزائر وضعت في خانة هامة للإستراتيجية الأمريكية وخاصة أنها غنية بالنفط، فحسب دراسة أعدتها شركة نفط كويتية من أن الجزائر أصبحت من أكبر الدول العربية تصديرا للغاز (الخبر: 19/08/07)، مما جعل نفط الجزائر بلا منازع على رأس الأجندة الأمريكية، يقول الدكتور بشير مصيطفى الخبير الإقتصادي في دبي: (وقعت الجزائر مع أمريكا العام 2001 أتفاقا مهما للتجارة والإستثمار ومنذ ذلك الوقت زاد الطلب الأمريكي على المحروقات الجزائرية بشكل محسوس، وفي أقل من عشر سنوات تضاعفت الصادرات الجزائرية إلى الولايات المتحدة الأمريكية 4 مرات (400 بالمئة) تشكل منها مواد الطاقة النفط والغاز حصة الأسد ان لم نقل الحصة كلها، إذ لا تزيد صادرات الجزائر إلى أمريكا خارج المحروقات عن 10 مليون دولار، وخلال الثلاث سنوات الأخيرة انتقلت واردات أمريكا من المحروقات الجزائرية من 10 مليار دولار العام 2005 إلى 14.2 مليار دولار العام 2006، ويتوقع أن يبلغ الرقم عند نهاية العام الجاري 21 مليار دولار...)، وفي حديثه عن السباب التي دفعت الأمريكيين للإهتمام بالنفط الجزائر يقول: (... إلى عوامل ستة مهمة: إرتفاع أسعار سلة أوبيك خلال السنوات الأخيرة وخاصة بعد أحداث سبتمبر 2001، سياسة الجزائر الجديدة في تنويع زبائنها، الحاجة المتزايدة للطاقة في الداخل الأمريكي أول مستهلك للنفط في العالم، مصاعب التخزين وقلة مصافي تكرير النفط في أمريكا، مخاطر الأعاصير والتحول المناخي الذي يزال يضرب السواحل الأمريكية وخليج المكسيك المغذي الدائم للسوق الأمريكية من الطاقة، تقديرات الوكالة الدولية للطاقة بشأن حياة الإحتياطي من النفط في العالم، ثم الصراع بين أمريكا وخصمها الإستراتيجي إيران هناك قريبا من الخليج) – جريدة الشروق: 30/08/07.
الجزائر قدمت المعلومات بلا مقابل لأمريكا عن الأفغان الجزائريين من خلال ملفات قضائية فتحت للذين قبض عليهم وأودعوا السجون، كما حدث مع السجين عبد المجيد دحومان الذي تم إستنطاقه مرات متعددة في سجن سركاجي من طرف أعوان المخابرات المركزية الأمريكية، فضلا عما تناقلته بعض التقارير السرية عن تسليم عبد الرزاق البارا لأمريكا لأجل التحقيق معه، ونقلت لنا مصادر تصل لدرجة عالية من الإطلاع من أن وزير الداخلية يزيد زرهوني قد تنقل معه شخصيا، إلا أن مصادر أخرى من مركز عنتر للإستخبارات والإستنطاق قد نفى ذلك، ويكفي من أن الصحفي السابق جمال بلقاسمي والضابط الحالي قد أكد لنا من أن المخابرات الأمريكية قد إستنطقت عبدالرزاق البار (صايفي) في مكتب العقسد بشير طرطاق وبحضور العقيد فوزي، وأيضا ما حدث مع السجين النذير أبوبكر في سجن الحراش فقد خضع للتحقيق مع عناصر أمريكية بعدما تسلمته الجزائر من دمشق عام 2005، وهو أفغاني جزائري سابق أتهم لدى القضاء الجزائري بإسقاط طائرات عمودية أمريكية وشارك في معركة تورابورا، وقد أطلق سراحه في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في مارس 2006 ولم يمكث إلا أياما معدودات وأعيد توقيفه وإيداعه سجن سركاجي مرة أخرى بسبب خطأ إرتكبه القضاة حسب زعم وزير العدل، وهذا الذي تحدثنا فيه عن مقالنا حول الإسلاميين الذين أبطل الشعب متابعتهم وبقوا من خلف القضبان والمنشور في كثير من مواقع المنظمات الحقوقية والصحف الدولية... والجزائر طبعا عضو إلى جانب المغرب وتشاد والسينغال ونيجيريا في مبادرة الساحل الإفريقي لمكافحة الإرهاب، وقد طلب البنتاغون من الكونغرس إعتماد ميزانية إضافية قدرت بـ 500 مليون دولار يتم صرفها على المبادرة، وقد وافق الكونغرس على 300 مليون من أصل 500 كميزانية إضافية لعام 2008 (الشروق اليومي: 11/08/07)، وقد عدها الرئيس الأمريكي بوش في كثير من خرجاته بالشريك الهام لأمريكا، بمعنى أدق أنها الشريك الهام في محور الخير الذي يخدم المصالح الإستدمارية الأمريكية التي زحفت بها على العالم الإسلامي والعربي بزعم ضرب 'الإرهاب' و'القاعدة' في عقر الدار...
العلاقات الجزائرية الأمريكية... على صفيح متقلب
وجب أن نشير باختصار شديد إلى مسيرة العلاقات الجزائرية الأمريكية التي ظلت على صفيح ساخن وإن كانت لها جذور في التاريخ، لأن الجزائر تعتبر من أول الدول التي اعترفت باستقلال أمريكا عام 1776 ثم اتفاقية التجارة مع الجزائر عام 1795... وجون كنيدي بدوره عام 1957 لما كان سيناتورا أيد استقلال الجزائر، واستقبل أحمد بن بلة في البيت الأبيض بعد توقيع إتفاقيات إيفيان، إلا أن أمريكا فيما بعد لم تتخذ موقفا مشرفا على الانقلاب الذي استهدفه بقيادة الراحل هواري بومدين على إثر زيارته لكوبا عام 1962، الغريم التاريخي الإشتراكي المعروف لأمريكا... العلاقات تلاشت بين البلدين عام 1967 بسبب الحرب العربية الإسرائيلية أو ما تعرف بحرب الستة أيام، إلا أن العلاقات الاقتصادية بقيت متواجدة من خلال شركة (آل باسو) والتي كانت تلعب الدور البارز في تصدير الغاز الطبيعي من الجزائر، وبقيت للرئيس الراحل هواري بومدين علاقات سرية عن طريق رجل الأعمال رشيد زغار لا زالت أوراقها غامضة وفي طي المجهول... عادت العلاقات إلى مستوى آخر أكثر جدية مع رحيل بومدين عام 1978 ولعبت الجزائر دورا محوريا في تحرير الرهائن الأمريكيين المحتجزين من طرف طلاب في طهران عام 1980، وقد أسقط جيمي كارتر من الحكم ومهد الطريق لريغن بأن يتقلد الرئاسة، وإن كانت تقارير نشرت في الآونة الأخيرة تكشف أسرارا خطيرة عن تلك الحادثة وخاصة حول صفقات تسليح لإيران، ونشرت أيضا صورا جعلت كدليل قاطع على أن الرئيس الإيراني الجديد أحمدي نجاد كان من بين الطلبة محتجزي الرهائن... بالرغم من الدور الجزائري إلا أن إدارة ريغن قابلته بفتور ولم تثمن ذلك العمل ووطدت من علاقاتها مع المغرب وهو الغريم التاريخي للجزائر على حساب طبعا الجزائر في كثير من القضايا وأهمها الصحراء الغربية...
في بداية التسعينيات حاولت أمريكا أن تمسك العصا من الوسط فلا هي مع النظام ولا مع جبهة الإنقاذ، وربما أخذت من تجربة إيران الدروس والعبر، فالمعارضة مهما كانت توجهاتها ستصل إلى الحكم حتما، ولهذا لم تندد بانقلاب 1992 على الشاذلي بن جديد وتوقيف المسار الانتخابي، وفي الوقت نفسه دعمت عقد سانت إيجيديو مطلع 1995 واستضافت أنور هدام رئيس ما يعرف بالبعثة البرلمانية في الخارج والمحكوم عليه بالإعدام في الجزائر، هذا بالرغم من مواقف جبهة الإنقاذ المناوئة لأمريكا في حربها على العراق عام 1991، ويكفي أنها سارعت بتهنئة الرئيس التركي عبد الله غول الذي يتحدر من الحركة الإسلامية التي حوربت كثيرا بدأ من حزب الرفاه ثم الفضيلة... الخ، والآن وصلت للحكم وسيطرت على الرئاسة والحكومة والبرلمان، لتعطي التجربة درسا لأمريكا أن الإسلاميون مهما حوربوا قد يحدثون المفاجأة ويصلون لسدة الحكم...
حاولت العلاقات أن تتطور أكثر في عهد الرئيس الأسبق اليامين زروال، غير أن العنف الذي ضرب الجزائر في مقتلها أفشل كل المساعي الحثيثة في ذلك، وخاصة أن أمريكا مقتنعة بأن النظام الجزائري عسكري وما الوجه المدني سوى غطاء وتمويها لدولة يحكمها الجيش عن طريق الرجل القوي فيها خالد نزار وعصابته... ولهذا ظهرت تدخلات لمنظمات حقوقية غير حكومية في الجزائر كمنظمة العفو الدولية التي نشرت تقريرا عرف بالملف الأسود عن الجزائر في أفريل 1997 وىثار الجدل الكبير داخليا وخارجيا...
أما بالنسبة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة والمعروف لدى الأمريكيين من خلال أنه قضى 15 سنة وزيرا للخارجية الجزائرية، في الفترة الممتدة من 1963 إلى 1978، وإن كان قد ظهر في بداية حكمه مناهضا للسياسة الأمريكية خاصة في الشرق الأوسط، فقد التقى لقاءا مختزلا ووجيزا بالرئيس بيل كلينتون على هامش جنازة الملك المغربي الراحل الحسن الثاني في يوليو 1999 ونال رضا كلينتون كثيرا، صافح خلال الجنازة يهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي مما اعتبره الملاحظون أنه ضمان لحسن النية من طرف الرئيس الجزائري، لكن بالرغم من الرضا إلا ان كلينتون لم يستدعيه لزيارة واشنطن مما عده الكثير من المراقبين سابقة في دنيا الدبلوماسية والسياسة... مع صعود جورج بوش الابن (ولا نقول الصغير حتى لا نحسب من أزلام نظام الراحل صدام حسين) في يناير 2001 تطورت العلاقات وزار بوتفليقة واشنطن مرتين متتاليتين في عام واحد، الأولى في يوليو والثانية بعدها في ديسمبر من عام 2001، والتطور الإيجابي في العلاقات جاء بسبب عاملين رئيسيين صارا يحكمان الإستراتيجية الأمريكية في الخارج وخاصة بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي، وهو النفط الذي ينضوي تحت قبة في دائرة حماية الإقتصاد، والإرهاب يصب في دائرة صارت مهمة وهي الأمن الأمريكي، فالرئيس الأمريكي جورج بوش تربطه علاقات كبيرة مع كبرى شركات النفط منذ أن كان حاكما لتكساس، فعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر شركة أنداركو ومركزها في هيوستن قامت بإستثمارات كبيرة في الجزائر وإكتشفت حقول نفط جديدة (12 حقلا منذ 1991 بـ 2,8 مليار برميل حسب آخر حصيلة).
وظلت الأسباب الرئيسية التي وقفت عائقا في وجه العلاقات الأمريكية الجزائرية يمكن إجمالها في عناصر ثلاث رئيسية:
-النزاع العربي الإسرائيلي والدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل.
-قضية الصحراء الغربية والدعم الأمريكي للمغرب.
-قضية حقوق الإنسان والدعم الأمريكي للمعارضة والمنظمات الحقوقية المنتقدة للنظام الجزائري.
على كل وبالنظر في مسيرة العلاقات الجزائرية الأمريكية نجد أنه يحكمها الهاجس الأمني من خلال الجماعات المسلحة التي تهدد المنطقة حسب المزاعم الإستخباراتية الأمريكية، والهاجس الإقتصادي من خلال السيطرة على النفط ومنابعه، أما الجانب الإستراتيجي فالجزائر تعتبر بوابة إفريقيا وهي من دول حوض المتوسط التي تنفتح حدودها البحرية مباشرة على أوروبا وهذا يدفع إستغلال الشأن الجزائري من أجل إجبار الدول الأوروبية على الإنضواء تحت لواء الولايات المتحدة التي تعلن الحرب على العالم وتصنفه بين محورين أكثرهم محور شر إن لم يكن نظامه، فشعبه الذي ينام على مخزون 'إرهابي' يهدد الشعب الأمريكي !! .
'البي أر سي' الأمريكية في قلب الفساد والتجسس !!
شركة 'براون روث أند كوندور' التي إنهارت مؤخرا وأعلن حلها وعين لها مصفي ودخلت فضائحها أروقة محكمة بئر مراد رايس، وهي تدخل في إطار مجموع الفضائح التي تهز نظام الحكم وتشكل لها محاكمات هزلية ومسرحية تعبث بالقانون وعقول الناس والعجب أن تلقى الدعم الإعلامي من الصحف المأجورة وللأسف تدعي أنها مستقلة، هذه الشركة التي تصنع حدث الفساد من جديد، هي شركة مختلطة أمريكية جزائرية بين 'كيلوج براون أند روث' وبدورها تعتبر أحد فروع الشركة الأمريكية العملاقة 'هاليبرتون' التي يمتلكها نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، ونسبة اسهمها تقدر بـ 29 بالمئة، إلى جانب شركة 'كوندور' للهندسة وهي فرع من شركة النفط الرسمية الجزائرية 'سوناطراك' بـ 30 بالمئة، أما مركز التطوير النووي بالدرارية (الجزائر العاصمة) فيحوز على 11 بالمئة... للتذكير أن الشركة كانت هدفا لعملية مسلحة في منطقة بوشاوي في 10 ديسمبر 2006 خلفت قتيلين، مما قد يعطي دلالات كثير لعلاقة 'الإرهاب' بـ 'الفساد'... كما قلنا أن الشركة تعرضت لهزات عنيفة بسبب فضيحة تجاوزت 187 مليار دينار،
وحسبما نقلته جريدة الخبر في عددها الصادر بتاريخ 01 سبتمبر 2007 بأن الفضيحة توزعت بين الفساد والتجسس، حيث أنه تم تضخيم الفواتير في كل الصفقات التي عقدتها الشركة مع وزارة الطاقة والمناجم ووزارة الدفاع الجزائرية، وقد بلغت قيمة الصفقات 57 مليار مع وزارة الطاقة و130 مليار دينار مع وزارة الدفاع... وتم هذا التضخيم في مشاريع منجزة، حيث أن الشركة حصلت في الفترة ما بين 2001 – 2005 على 72 صفقة من سوناطراك وهو ما يشكل 4 بالمئة من مجموع الصفقات التي عقدتها الشركة الحكومية الجزائرية خلال تلك الفترة، وأيضا الصفقة التي فجرت الأمور على رأس الشركة الأمريكية وهو مشروع إنجاز مقر وزارة الطاقة والمناجم بوادي حيدرة (العاصمة)، في حي رجل الأعمال الوردي شعباني الذي أنجز فيلات فاخرة للمسئولين الجزائريين، وكذلك صفقة إنجاز مراكز الخدمات الإجتماعية لشركة سوناطراك كقرى سياحية كالفيلات الفاخرة التي تم تشييدها بزرالدة (العاصمة)، أيضا فواتير الإقامة بفندق الشيراطون بالعاصمة التي فاقت حدود الخيال وأنفقت الملايين من الدينارات في حفلات وسهرات ماجنة بالفندق، وكذلك فضائح أخرى تصب في مشاريع التنقيب عن البترول، حيث منحت صفقة 47 مليون دولار خاصة بتجهيزات النفط في حقول الإستغلال بمنطقة 'ورد النوس' بورقلة لشركة 'إتمان لاتوي' وهي أيضا شركة أمريكية يملكها ويديرها الملياردير الإسرائيلي 'بيتي شتا ينماتز'وهو رجل أعمال كون ثروته الطائلة من تجارة الماس، وهذا يكشف أمر آخر شديد الخطورة وهو الوجود الإسرائيلي عن طريق شركات أمريكية في الجزائر... أما بالنسبة لوزارة الدفاع فقد تحصلت الشركة على صفقات بلغت تكاليفها 130 مليار دينار لبناء مستشفيات عسكرية بالبليدة وقسنطينة، وطبعا بتواطؤ من ضباط سامون وقيادات عسكرية نافذة، وهذا الذي كشفه الملف المعروض على عميد قضاة التحقيق بمحكمة بئر مراد رايس، والتي تتخذ بدورها إجراءات مشددة في التعامل مع القضية، لأجل حمايتها من تسريب المعلومات على عكس ما حدث مع ملف الخليفة في محكمة البليدة حيث سربت معلومات من الملف للصحافة وشكل حينها فضيحة لوزارة العدل الجزائرية، غير أنها طويت بفعل فاعل كعادة الفضائح التي تنخر النظام الجزائري وخاصة منذ بلوغ الرئيس بوتفليقة سدة الحكم، حتى أن أحد المراقبين يرون أن الرئيس بوتفليقة يتحكم في دواليب الدولة عن طريق الفضائح التي تعصف بهم، فمن عاند يجد نفسها أمام النيابة متابع في قضية خطيرة ومن سانده وصفق له فهو مصون بإذنه وبإذن عصابته... تعتبر هذه الفضائح التي هزت عرش الشركة والطرف فيها مباشرة هو وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل وهو أحد ما يسمى رجال الرئيس إلى جانب أنه يحمل الجنسية الأمريكية، ففي قلب الحدث فضيحة أخرى وهي التجسس والتخابر لصالح دولة أجنبية والمساس بأمن الدولة، ويقصد طبعا بالدولة الأجنبية الولايات المتحدة الأمريكية، حيث توبع بالتهمة عبد المومن ولد قدور وهو المدير العام السابق للشركة، إلى جانب عدد من المسئولين السامين بينهم ضباط في الجيش ومدنيين أحدهم يعمل مدير لشركة تأمين قدمت لها تسهيلات خارقة من قبل، حيث مما يذكر أن مصالح المخابرات ومكافحة الجوسسة التي يتراسها الجنرال الراحل إسماعيل العماري، قد 'إكتشفت' والعهدة على الراوي أن ضابط عسكري سرق وسرب وثائق سرية للغاية وقدمها لولد قدور الذي وضعه القضاء العسكري تحت الرقابة القضائية... وهنا وجب أن نشير إلى الحملة الجديدة التي يشنها النظام فبعدما كانت التهم هي الإرهاب التي توزع بالمجان ثم صارت الفساد، هاهي حملة جديدة تسمى التجسس لصالح دول أجنبية، بالرغم من أن أغلب الوزراء الذين تعاقبوا على وزارات ما يسمى بالسيادة يحملون الجنسيات الأجنبية، فبعد الصحفي سحنون سعيد الذي حكم عليه بعشر سنوات نافذة، إختفى البروفيسور وسفير النوايا الحسنة من قبل نورالدين بن زياد وابلغت عائلته بأنه قبض عليه من طرف مصالح المخابرات بتهمة التجسس، للعلم أن البروفيسور متحصل على جوائز عالمية ودولية وهو خبير نفساني أشاد به الرئيس الجزائري بوتفليقة من قبل في رسالة له مهنئا باسمه وباسم الشعب الجزائري بمناسبة حصوله على الجائزة الأولى للدورة 56 للمركز الدولي للدراسات المعمقة في العلوم النفسية بهلسنكي، وللموضوع عودة في موضع آخر... نعود إلى فضيحة التجسس التي تقف وراءها الشركة الأمريكية، والذي أكدت التحريات أن السلطات الأمريكية على علم وتواصل بخصوص تنصيب وتركيب مختلف التجهيزات التقنية الحديثة والسرية التي قامت بها الشركة على مستوى الصفقات المبرمة مع وزارة الدفاع، وهذا الذي يعني أن الوثائق المسربة عسكرية وأكد لنا مصدر رفض أن نكشف عن هويته أنها تتعلق بمجال التسليح ومكافحة الإرهاب ووثائق سرية عن الأحداث الأمنية التي وقعت بالجزائر خلال الحرب الأهلية...
محطــــات عابرة
العمل المسلح في الجزائر له تاريخ فقد ظهر جليا في بداية الثمانينات وقاده مصطفى بويعلي المعروف بالشيخ ياسين، ثم اعتقل أتباعه لتختفي على الأقل حركيا وإن كانت عقائديا تنمو بسرعة بين المساجين خاصة، والذين ظلوا يطلقون على الزنازين بالمدرسة اليوسفية نسبة للنبي يوسف عليه السلام، والتي فيها يتعلمون ويتدربون على أساليب الانتقام من السجانين والأنظمة... تحركت مجموعة بويعلي التي انضوت تحت لواء جبهة الإنقاذ الإسلامية بعدما عفي عنهم من طرف الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد عام 1989، وقد وجدوا فرصتهم وضالتهم في تحريك غرائز الشباب المتحمس لدولة إسلامية نظر لها علي بن حاج وآخرون على مدار عامين تقريبا من النشاط السياسي العلني المكثف، فولدت الحركة الإسلامية المسلحة بقيادة عبد القادر شبوطي المدعو 'الشيخ عثمان' وهو أحد 'البويعليين' السابقين، ثم تأسست أيضا حركة الدولة الإسلامية من طرف العسكري السابق السعيد مخلوفي وهو صاحب كتاب مثير أحدث ضجة حين نشره تحت عنوان (العصيان المدني)، ونجد الجماعة الإسلامية المسلحة بقيادة منصور الملياني الذي نفذ فيه حكم الإعدام على خلفية تفجيرات مطار الجزائر الدولي، وقادها في ما بعد محمد علالو المدعو موح ليفيي ثم عبد الحق العيايدة الذي قبض عليه في المغرب وسلمته للجزائر ليقضي ما يقارب 14 سنة بسجن سركاجي ويفرج عنه في إطار ميثاق السلم والمصالحة في مارس 2006، ونجد أيضا الجبهة الإسلامية للجهاد المسلح المحسوبة على جناح ما يسمى بالجزأرة التي قادها محمد السعيد، وقد قاد التنظيم محفوظ طاجين المعروف بولائه للشيعة في لبنان وإيران، ونجد أيضا تنظيم الكتاب والسنة للجهاد التي قادها بوعلام عبد القادر شكندي، ونجد جماعة الهجرة والتكفير التي تسمي نفسها بجماعة التوحيد والجهاد قادها كمال الأسمر، ثم الجيش الإسلامي للإنقاذ الذي قاده مدني مزراق ويعتبر الجناح العسكري للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة وقد تم حله بعد هدنة بدأت عام 1997 وإنتهت بعفو شامل أصدره الرئيس بوتفليقة في جانفي 2000، ثم تنظيم السلفية للجهاد بقيادة بن حجر علي وكرطالي الذي تعرض أخيرا لمحاولة إغتيال بترت لأثرها ساقه... التنظيمات كثيرة جدا خلال العشرية الدموية للحرب الأهلية الجزائرية، وقد عرفت مجازر مروعة إقترفها تنظيم 'الجيا' التي لا زالت الشكوك تحوم من حوله حول تأسيسه ومن يقف وراءها، وخاصة أن العسكريين الذين تمكنوا من الفرار للخارج ونشرت شهاداتهم تؤكد على أن التنظيم تم إختراقه من طرف المخابرات، بل هناك من ذهب كالعقيد سمراوي على أنها تنظيم تابع لمصالح الاستعلامات والأمن (المخابرات)، وأعد القارئ الكريم بملف عن هذه الجماعة من التأسيس إلى النهاية مستقبلا لما أحتوي بكل المعلومات... وبسبب الحملة الإعلامية الرهيبة التي استهدفت 'الجيا' أعلن حسان حطاب تأسيس تنظيم جديد من خلال كتيبته التي كان يقودها وتعرف بالكتيبة السلفية للدعوة والقتال وكانت تنشط في منطقة تيزي وزو وبومرداس وفي غابة سيدي علي بوناب، ليعرف المشهد المسلح في الجزائر تحولات كبرى وخاصة في ظل سياسة الوفاق التي إنتهجها بوتفليقة ورفضها في هذه الصورة من قبله اليمين زروال عجلت برحيله المفاجئ وغير المتوقع بعد حملة شعواء استهدفت ذراعه الأيمن الجنرال محمد بتشين كمقدمة للإطاحة به، غير أنه تدارك الأمر واختصر الطريق على خصومه النافذين في دواليب السلطة، وإستقال في إنتخابات رئاسية مبكرة لا يترشح لها بعد تدخل شخصي من رئيس مجلس الأمة حينها بشير بومعزة، الذي عاد لتوه من موسكو بعدما إتصل به الجنرال وما يسمى بصانع الرؤساء العربي بلخير وأخبره بما عزم عليه الرئيس زروال من استقالة مباشرة، ولم يرضخ لأي أحد منهم في ثنيه عن قراره الذي سيدخل الجزائر دوامة جديدة على حد زعمهم، وإن كانوا في الأصل يريدون بعض الوقت لتحضير من سيخلفه؟... بالفعل ظهرت للوجود 'الجماعة السلفية للدعوة والقتال' والتي أعطت مفهوما جديدا للعمل المسلح الذي كان يتخذ من توقيف المسار الانتخابي ذريعة له، لذلك فقد رفضت من قبل قانون الوئام المدني بزعامة مؤسسها حسان حطاب، ثم رفضت جملة وتفصيلا قانون السلم والمصالحة الوطنية بزعامة أبو مصعب عبد الودود (عبدالمالك درودكال) الذي خلف أميرها نبيل صحراوي بعد القضاء عليه من طرف قوات الأمن في جوان 2004، وقد رفض أخيرا دعوة مدني مزراق أمير ما يسمى سابقا بالجيش الإسلامي للإنقاذ دعوته لإلقاء السلاح ووصمه بالعمالة للمخابرات، أما بالنسبة لحسان حطاب مؤسس الجماعة فقد استجاب للمصالحة وأصبح من عرابيها والمنظرين لها، وإن كان لحد الساعة لم يعلن رسميا عن إجراءات تستهدفه هو ومن معه، بالرغم من إدراجه في كثير من المحاكمات لدورات جنائية أسفرت عن تأجيل أغلبها، مما يوحي بوجود أمر ما يحاك في الخفاء سيختار له الوقت المناسب وطبعا في فترة تتعلق إما بتعديل الدستور أو الرئاسيات القادمة أو استحقاقات أخرى يعرفها الرئيس ومن معه... وقد إنضم للتنظيم عبد الرزاق البارا 'عماري صايفي' وهو العسكري والحارس الشخصي لوزير الدفاع خالد نزار وكان أمير المنطقة الخامسة وكذلك مختار بلمختار 'لعور' أمير الجنوب الجزائري، وكلهم من الجيل الثاني للعمل المسلح الذي لا يمت بصلة لحزب الإنقاذ المحظور مما أعطى النفس العقدي للجماعة، الذي يستند في مراجعاته الفكرية على كتب أسامة بن لادن وأبو قتادة المصري وأبو بصير والمقدسي وأيمن الظواهري وأبو جهاد اليمني وسيد قطب وغيرهم، لقد اعتمدت هذه الحركة على الضربات ذات الصدى الإعلامي التي من خلالها تهدف إلى تبييض وجهها خارجيا وداخليا بعد السواد الذي خلفه أميرها والعسكري الفار عنتر زوابري وغيره ممن تورطوا في النشاط الدموي للجيا، ثم أظهرت معارضتها المطلقة للنظام في كثير من المواقف حتى تكسب الدعم اللوجستيكي ويتجند لها الشباب المحتقن من جراء الفقر والإقصاء داخليا والهجمة الأمريكية الصهيونية على العالم الإسلامي والعربي خارجيا، أيضا تغطي على النزيف والخسائر التي تتكبدها من طرف القوات النظامية بمختلف مكوناتها، سواء بالوسائل العسكرية أو السياسية والإجراءات القضائية بدأ من قانون الرحمة وإنتهاء بقانون المصالحة...
...الطريق نحو القاعدة
منذ تأسيسها كانت 'الجماعة السلفية للدعوة والقتال' تسعى من أجل الانضمام إلى ما يسمى بحركة الجهاد العالمية، وقد عاقتها ما اقترفتها 'الجيا' في حق المدنيين، ولذلك سعت بكل الوسائل لتبييض وجهها إعلاميا وإعطاء مشروعية إسلامية في مقصدها وأطرها العقدية ومنهجها الفكري وحتى العسكري الذي يحظر الاعتداء على المدنيين حسب ميثاق التأسيس المعروف، غير أنه تأخر بعض الشيء لأسباب تبقى مجهولة وإن كان ما باح به لنا بعض الأفغان ممن كانوا قريبين من معسكرات أسامة بن لادن، أن جرائم 'الجيا' وأسباب اندلاع العمل 'الجهادي' لم تكن واضحة لدى 'الشيخ' طبعا يقصد بن لادن... وقد أقبلت الجماعة على عمليات استهدفت بها الأجانب من أجل كسب ود التنظيم الأم، وإن كانت 'الجيا' بنفسها قامت من قبل بعدة عمليات استهدفت الأجانب كرهبان تبحرين في 27 مارس 1996، وتفجيرات باريس مابين أوت ونوفمبر 1995، وخطف الطائرة الفرنسية في 24 ديسمبر 1994... الخ، إلا أنها ظلت أعمال تصب في خانات مشبوهة توحي إلى الصراع القائم بين أجنحة النظام، وبالأحرى بين 'الباريسيين' و'الواشنطيين'... تنظيم 'الجماعة السلفية للدعوة والقتال' قام بإختطاف 32 من السواح الأوروبيين (16منهم ألمانيا) في الصحراء الجزائرية في مايو 2003، وقد عرفت القضية تداعيات وحضور إعلامي كبير وصلت حد زيارة المستشار الألماني السابق جيرهاردر شرويدر ولقائه بالرئيس بوتفليقة في 30 أفريل 2003، وأيضا وزير خارجيته يوشكا فيشكر في 12 مايو 2003 للجزائر، انتهى الأمر بتحريرهم بعد دفع ألمانيا لفدية تتراوح مابين 3 إلى 5 ملايير دولار... بعدها باركت إعدام الدبلوماسيين الجزائريين المختطفين من طرف 'تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين' بقيادة الأردني الزرقاوي، بل دعته من قبل غلى تنفيذ ما سمته 'حكم الله' فيهم، والقضية من تداعياتها توقيف علي بن حاج لأكثر من نصف سنة بسجن الحراش وأفرج عنه في مارس في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، حيث غتهمت السلطات بدعوة قاعدة العراق إلى نحرهم من خلال حديثه لقناة الجزيرة القطرية، وهو ما نفاه علي بن حاج لنا شخصيا لأن القناة لم تسمح له بإكمال حديثه، الزرقاوي بدوره أشاد من قبل بعبدالمالك درودكال أمير التنظيم الآن في الجزائر في شريط سمعي تناقلته مواقع الأنترنيت، عده الكثير من المراقبين بداية لتزكية التنظيم للمتمردين في الجماعة السلفية، وقد حاولت من قبل إستغلال الأفغان الجزائريين من أجل تحقيق الهدف الذي ترجو منه نتائج متعددة وفوائد كبيرة، وقد أكد لي الأفغاني السابق جمال مكراز وهو أيضا مقاتل سابق في البوسنة من أن أسامة بن لادن رفض من قبل تبني التنظيمات المسلحة الجزائرية التي حاولت بعدة وسائط تحقيق ذلك، ومن بين الأسباب التي ذكرها هو قتالها للنظام من أجل أسباب سياسية، وهذا لذي حاولت من بعد الجماعة السلفية الابتعاد عنه، مما يوحي بأن الأمر مخطط له من قبل، حتى أن السجين ألإسلامي السابق بلال موسى قبل الإعلان حدثني قائلا: 'الجماعة – يقصد الجماعة السلفية للدعوة والقتال – تمر بمآزق كبيرة من نقص 'المجاهدين' والمجندين الجدد والتموين والشرعية العقدية وهذا الذي لن يتحقق إلا إذا قبل الشيخ أسامة بن لادن أن تصبح تنظيم القاعدة في المغرب العربي أو الإسلامي'... وقد رصدت أجهزة التصنت التابعة للمخابرات الجزائرية إتصالات مجهولة بباكستان وقد تم معرفة مصدرها وهو سجن البليدة مما دفعها إلى الهجوم ليلا على قاعات الإسلاميين وتم مصادرة هواتف محمولة، وتواصلت العملية في الحراش وسركاجي وباقي الوطن بعد أحداث أخرى ساهمت في الحملة... إذا الطريق إلى القاعدة مهدته من خلال خطفها للسواح وما تحدث به أحد المقبوض عليهم من طرف الحزب المتمرد في تشاد، حيث صرح للقناة الفرنسية الثانية بأن لهم إتصالات بالقاعدة، والأمر نفسه بالنسبة لعبد الرزاق البارا، فضلا عن إدراج الولايات المتحدة للتنظيم ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الدولية الذي اعطاها طابع عالمي ومناهض لأمريكا... ومما يمكن تسجيله أن الإسلاميين في سجن الحراش في أيام ميثاق السلم والمصالحة وخاصة الفاعلين في الجماعة السلفية أكدوا بأن مفاجأة ستعلن قريبا، وإن كان مقتل الزرقاوي قد كاد أن يعصف بالأمر لولا الجزائريين الذين إلتحقوا بالعراق وبمساعدة عناصر الجماعة السلفية، وأيضا حادثة بوشاوي بالجزائر والعملية التي إستهدفت الهجوم على ثكنة لمغيطي الموريتانية في جوان 2005 وتبنته الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وأعتبر حينها كمؤشر آخر يضاف لرصيد الجماعة في طريقها نحو القاعدة... تحقق المراد وأعلن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة بمناسبة الذكرى الخامسة لأحداث 11 من سبتمبر إنضمام الجماعة للقاعدة، ليعلن رسميا في بيان بتاريخ 24 جانفي 2007 ميلاد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي...
ردود الأفعال والرسائل المشفرة
بغض النظر عما كتب وصرح به من قبل عن خطر القاعدة و'الإرهاب' في شمال إفريقيا، وزحف بن لادن نحوها، بل أعتبر عبدالرزاق البارا بأنه 'بن لادن في الصحراء'، وطبعا سبق ذلك كله إعلان القاعدة بتبني الجماعة السلفية، فإننا نجد الكثير من المواقف والتصريحات تمهد لأشياء يبدو مخبأ ومخاطا على مقاس البيت الأبيض في الخفاء والمخابر السرية، فنجد القاضي المختص في مكافحة الإرهاب جون لويس بروغيير قد أوضح في شهر مارس 2007 أن الجماعة السلفية ستقود قوسا إرهابيا إسلاميا يضم مجموع الحركات المتشددة المغاربية، إلى جانب الجماعات المقاتلة في تونس وليبيا والمغرب... وعن أسباب إنتشار التنظيم نجد مركز سترافور في واشنطن في 05 مارس 2007 نشر تفسيرا لذلك، حيث ذهب بأن توسع القاعدة في المغرب العربي يتزامن مع النشاطات الجهادية في المنطقة وسعيا لتنسيق نشاطات الحركات المتشددة بعد الضغط الأمني عليها من طرف القوات النظامية، لكن السيد ماغنوس إنستورب مدير مركز دراسات التهديدات الإرهابية التابع للمعهد الوطني للدفاع في السويد، فيؤكد بطلان تصريحات الجهات الرسمية في المغرب العربي من إحتواء الإرهاب، وهو رد على إدعاءات رئيس الحكومة الجزائري أحمد أويحيى ووزير الداخلية نورالدين يزيد زرهوني وغيرهما ممن كان يصرح بنهاية الإرهاب أو اللفظ الشائع والمتداول 'بقايا الإرهاب'...
إن اعلان القاعدة الجديدة في ما سمي بالمغرب الإسلامي أعتبر جبهة جديدة تستهدف الولايات المتحدة الأمريكية، مما دفع بروس ريدل وهو الخبير السابق في شؤون الشرق الأوسط بوكالة الإستخبارات الأمريكية إلى التأكيد على أن أمريكا أمام جبهة جديدة، والقاعدة فتحت جبهة جديدة بالجزائر، ثم يؤكد: 'لقد كانوا في شمال إفريقيا من قبل ولكن التطورات الأخيرة تعتبر بمثابة الإعلان'، حسب شبكة الأخبار العربية، هذا على عكس التصريحات الرسمية الجزائرية التي قللت من الشأن كعادتها بل يوجد من نفى وجود القاعدة في الجزائر، كما فعل عبدالقادر حجار مندوب الجزائر لدى الجامعة العربية، الذي صرح بذلك لقناة النيل المصرية حسب ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية، وطبعا اتهم أمريكا بصناعة الإرهاب في العالم، وفي تقرير صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تحت عنوان: (الإرهاب الإسلامي في شمال غرب إفريقيا... شوكة في حلق أمريكا)، والمعهد المعروف عنه أنه مقرب من اللوبي الإسرائيلي المسيطر على السياسة الخارجية الأمريكية وقد تأسس عام 1985 ومن أعضائه نجد وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت ومستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي أنتوني ليك ووزير الدفاع الأسبق ليس أسبن ووزير التجارة ستيوارت إزنستاد، ووزير خارجية كلينتون وارن كريستوفر، ولورانس إيغلبرغر وهو وزير خارجية سابق، وأليكساندر هيغ وجورج شولتس وزراء خارجية الرئيس ريغن، ومستشاره للأمن القومي روبرت ماكفارلان... الخ، فضلا عن السفراء مثلا جين كيركباترك وهو سفير أمريكا لدى الأمم المتحدة، وصموئيل لويس سفيرها لدى إسرائيل، أما المعهد فيديره روبرت ساتلوف وهو خبير في شؤون العلاقات العربية الإسرائيلي وسياسة الولايات المتحدة الخارجية، والتقرير أنجزته باحثة إسمها 'إيميلي هنت' وهي مختصة في ملف الإرهاب في شمال إفريقيا وقد إشتغلت مستشارة في ملف الإرهاب بمؤسسة لندن لشؤون الدفاع، ومما يجب الإشارة إليه أن التقرير أعتبر الجزائر والمغرب مركزا لنشاط 'الإرهابيين'، وإنتقد السلطة التي قللت من شأن 'الجماعة السلفية للدعوة والقتال' وأعتبره خطأ جسيما، وطالب الولايات المتحدة باتخاذ 'إجراءات ومشاريع' وأشار صراحة إلى إقامة وبناء قواعد عسكرية أمريكية بالمنطقة، بل أكد في الصفحة 14 الشروع في بناء قاعدة عسكرية في منطقة تمنراست، وربما هو السبب المباشر الذي دفع ومن دون مقدمات ومباشرة وزير الخارجية محمد بجاوي إلى التصريح على أمواج الإذاعة يؤكد فيه رسميا رفض الجزائر للقواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها، ويبدو رحيل بجاوي في ما بعد من على رأس الخارجية له الكثير من الدلالات، ونراها نتيجة لضغوطات أمريكية على النظام الجزائري مما دفع الوزير إلى طلب إعفاءه في التشكيلة الحكومية الجديدة القديمة التي أعقبت تشريعيات 17 ماي، وزاد في تأكيد نفي وجود مشروع لإنشاء قاعدة أمريكية في الجزائر وردا على ما تداولته وسائل الإعلام قد رفض وفند ذلك بشدة رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم في ندوته الصحفية بتاريخ 28/08/07 ، بالرغم من أن قناة ABC NEWS بثت وثائقيا بالصوت والصورة لعسكريين أمريكيين برفقة ضباط جزائريين يتدربون على القتال في الصحراء الجزائرية، وهو موجود الآن في موقع حركة 'رشاد' الجزائرية المعارضة على شبكة الانترنيت لمن أراد الإطلاع عليه... وتوجد أطراف أخرى أوروبية صرحت بأن القاعدة الجزائرية تهدد دول الساحل، فنجد قاضي مكافحة الإرهاب الشهير بروغيير الذي أعتبرها تهديدا مباشرا لفرنسا، التي أعلنت حالة استنفار خاصة على إثر التهديدات التي روجت لها وسائل الإعلام، فضلا عن ذكر فرنسا بالاسم من طرف الرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري، وان كان الكثيرون من المتتبعين للأحداث أكدوا أن القاعدة ساهمت مساهمة في إيصال نيكولا ساركوزي إلى قصر الإليزيه، على غرار ما فعلته من قبل في إنجاح بوش الابن في عهدته الثانية من خلال الخطاب الذي بثته الجزيرة ليلة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مما قلل من حظوظ جون كيري الذي كان الأوفر حظا في النجاح، ونسجل هنا بأن أول رد فعل لإعلان الانضمام للقاعدة كان من طرف ساركوزي الذي كان حينها وزيرا للداخلية، وجعل تصريحات الظواهري جادة ووجب أخذها على محمل الجد، منبها الفرنسيين للخطر القادم من شمال إفريقيا...
ومما هز العالم هو إنفجارات الأربعاء 11 أفريل 2007 والتي صارت تعرف إعلاميا بالجزائر 'تفجيرات الأربعاء الأسود'، أدى إلى مقتل أكثر من 33 شخصا و222 جريحا، في إحصاءات رسمية، وقد استهدف قصر الحكومة الجزائرية ومركزا للشرطة بباب الزوار ومحطة للكهرباء، حيث أن نائب مدير عمليات القيادة العسكرية المركزية الأمريكية الجنرال روبرت هولمر في لندن اعتبر التفجيرات التي هزت الجزائر والأخرى التي ضربت من قبل المغرب بيوم واحد، من أنها تصب في سياق التوسيع الذي يسعى تنظيم القاعدة لتحقيقه، ليضيف قائلا: 'عدونا نشط وذكي ويتطور بإستمرار ويسعى إلى توسيع ساحة المعركة'، وقد ركز مرارا وتكرار على 'توسيع ساحة المعركة'، ليعطي حلا حسب رأيه لقضية ما تسميه أمريكا بالإرهاب قائلا: 'إن مواجهة الإرهاب لا تستدعي حلا عسكريا فقط بل استخدام آلات قوة عديدة أبرزها الدبلوماسية والمعلوماتية بالإضافة إلى وسائل اقتصادية واجتماعية' حسب ما نقلته صحيفة الشرق الأوسط .
يأتي تحليل آخر يعطي صورة مغايرة للتخوف الأمريكي حيث أن جيل كارول وهي مراسلة صحيفة (كريستيان ساينس مونتور)، وقد احتجزت من قبل 3 أشهر عام 2006 في العراق، فقد أكدت أن المغرب - تقصد المغرب العربي - صار أرضا خصبة للإرهاب وتخوفت من المغاربة الموجودين في العراق وقد ينقلون مهارات تقنية وقتالية عند عودتهم... صحيفة 'واشنطن بوست' التي نقلت بعض الأحداث في المغرب، أكدت على زحف القاعدة على عكس ما يدعيه بوش من القضاء عليها في معاقلها، غير أن الحروب التي شنتها أمريكا زادتها توسعا وزحفا وانتشارا، وفي عدد آخر نشرت الصحيفة نفسها وتحت عنوان (فرع القاعدة يدعي مسؤوليته عن تفجيرات الجزائر)، فقد كتب الصحفي كريغ واتيلك أن تفجيرات 11 أفريل بالجزائر و10 أفريل بالمغرب هي دليل على تنامي خطر جماعات العنف التي تزحف نحو أوروبا، وتبدو إشارة ضمنية لأوروبا حتى تنضوي تحت قبة أمريكا في حربها على ما تسميه بالإرهاب، وإن كانت بعض الدول الأوروبية أعلنت حالات استنفار كفرنسا وإيطاليا واسبانيا ووصل الحد إلى تحذير الرعايا المقيمين في الجزائر كما حدث مع فرنسا... وفي سياق آخر أعتبر السفير الأمريكي المتجول والمكلف بمكافحة الإرهاب هنري كروميتون 'الجماعة السلفية للدعوة والقتال'من أنها أصبحت منظمة إرهابية تقوم بالتجنيد، وكان ذلك خلال مؤتمر إقليمي بالجزائر السنة الماضية، مما يؤكد من أن شبح التجنيد والأجيال المتوالية للتنظيم تستعمل كشماعة أخرى للتوسع الأمريكي والهيمنة على منابع الثروات في العالم... ومما يجب التنويه به أن الأفغان العرب قد عدوا هم سبب الكثير من الأحداث والبلاء الذي يحل بالمنطقة العربية والإسلامية، كما أريد أن يفعل الآن بالمجاهدين العرب في البوسنة من قبل الحكومة المحلية وبالتواطؤ مع الإتحاد الأوروبي، وحسب معهد ستروافور أن أكثر من 400 متطوع من شمال إفريقيا تلقوا التدريبات والإتقان على استخدام السلاح والمتفجرات في معسكرات تنظيم القاعدة بأفغانستان وباكستان... وفي هذا الاتجاه فقد أكد مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية من أن 600 جزائري في سنة 2005 شاركوا في حرب العراق وأنهم يمثلون 20 بالمئة من المتطوعين الأجانب، وهذا ما نقلته صحيفة الأحداث المغربية، طبعا يدخل في سياق واحد يصب في مجرى جعل الإرهاب جزائري وبعيد عن المغرب، وتتحمل الجزائر تركة الأحداث التي ضربت المغرب، ويكفي ما رواه القيادي السابق عبد الحق العيايدة لتنظيم الجماعة الإسلامية المسلحة من أن القصر الملكي طلب منه تجنيد عناصر من البوليزاريو في تنظيمه 'الجيا' حسبما نقلته الخبر الجزائرية في عددها الصادر بتاريخ 22/08/2007، وظهر ذلك من خلال ما يروج له إعلاميا من أنه تم القبض أو القضاء على مجندين أو في طريقهم للتجنيد من المغرب أو ليبيا في الجزائر، وظهرت أنه تبادل للكمات على حساب أحداث تسير وفق أجندة أمريكية رفضت الجزائر تطبيقها الشامل حسبما نقلته سويس أنفو عن مصدر مطلع، وقد اعترف تنظيم القاعدة في المغرب في بيان له موقع بتاريخ 19/08/2007 بالقضاء على أجانب من طرف القوات النظامية وأكد مقتل أربعة ليبيين وهي ثاني مرة يعترف فيها بوجود الأجانب بعد بث شريط أظهر مغاربة مع نجل علي بن حاج، ومسلسل الأجانب قديم ففي تاريخ 15 نوفمبر 2002 أعلن رسميا عبر وكالة الأنباء الجزائرية مصرع يمني ومسؤول في القاعدة واسمه عماد عبدالواحد أحمد علوان وملقب بـأبي محمد، وقد قتل في 12 سبتمبر 2002 في كمين بنواحي باتنة (الشرق الجزائري) حسب البيان طبعا، وأيضا بالنسبة لعبد العزيز بن عيسى المقرن زعيم 'تنظيم القاعدة في جزيرة العرب' الذي قاتل في الجزائر ضمن 'الجيا'، وتناقلت وسائل الإعلام حين تم القضاء عليه في جوان 2004 مدى علاقته مع التنظيمات الجزائرية، وقد رافق ذلك ملفات نشرتها صحف أمنية تهتم بشأن الأفغان الجزائريين الذين يعتبرون همزة وصل بين القاعدة والمسلحين في الجزائر... مما يوحي أن المغرب أيضا أراد أن يستعمل ورقة الجماعات المسلحة المقاتلة في الجزائر من أجل تحقيق أطماعه في الصحراء الغربية، وحتى لا ننسى أن المغرب أعتقل في الآونة الأخيرة تسعة مغاربة يحاولون التسلل للجزائر من أجل التجنيد وهم يتحدرون من وجدة والناظور وفاس، وروجت وسائل الإعلام الرسمية المغربية خاصة للقضية... كما ذكرنا بعض المواقف من التفجيرات ومما يمكن تسجيله أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماكورماك وصف التفجيرات بأنها فظائع وأعمال مروعة، وقدم استعداد أمريكا للتعاون من أجل كشف أسماء المعتدين على حد لفظه... البعض من الأطراف العربية والإسلامية شككت في وجود القاعدة بالمغرب وفي علاقتها مع القاعدة الأم، فبعد نفي السفير الجزائري الذي ذكرناه من قبل، نجد المحامي المصري الشهير للجماعات الإسلامية منتصر الزيات قد شك في وجود أطراف أخرى تعمل باسم القاعدة الأم ومن دون أن يسميها، ويعتقد أن القاعدة الأم لم تنفذ أي عملية بعد 11 من سبتمبر، ذلك في حوار له مع صحيفة الشروق اليومي في: 26/06/07، بل نفى وجود جيل ثالث للقاعدة حسب صحيفة الأهرام المصرية وقد نقل الحديث في موقعه الشخصي على شبكة الانترنيت... أما عن أسباب التجنيد يرى ضابط سامي جزائري صرح لسويس إنفو أنه ساهمت فيه بفعالية الفضائيات من خلال التغطية لحرب العراق وفلسطين وأفغانستان بالرغم من تشديد الدولة الجزائرية على غلق المساجد والجامعات والحلقات الخارجة عن القانون (نقلا عن صحيفة المصريون: 10/08/07)، ليصب الاتهام في جهة ثانية وهي المخابرات الأجنبية فنجد اللواء فؤاد علام وهو نائب رئيس مباحث أمن الدولة المصري يتهم الموساد مباشرة بوقوفها وراء تفجيرات الجزائر والمغرب...
يبدو مما أوردناه سابقا من أن مشاريع أمريكا العسكرية في المنطقة غدت تتحرك وفق أجندة تهدف من أجل السيطرة على منابع النفط في إفريقيا، ويبدو بما يصل لدرجة اليقين أنه الهدف الرئيسي من وراء زحف القاعدة، وفي هذا السياق نجد أمين هويدي رئيس جهاز المخابرات الأسبق يؤكد من أن إنشاء (أفريكوم) يدخل في إطار إستراتيجية السيطرة على منابع النفط في إفريقيا وخاصة نيجيريا وخليج غينيا الذي اكتشفت به آبارا نفطية هائلة لم تشهدها أي منطقة في العالم من قبل، ولا يستبعد وقوف المخابرات الأمريكية وراء التفجيرات...
في مفترق الطرق...
طبعا بعد الشد والجذب الذي عرفه التنظيم داخليا على إثر تفجيرات 11 من أفريل، وخاصة لما طعن في 'شرعيتها' من طرف قياديين مسلحين، نذكر الصراع بين مختار بلمختار –أمير الصحراء- ودرودكال وتسليم الأمير والقيادي مصعب أبو داوود نفسه لمصالح الأمن الجزائرية، والفتاوى المتناحرة بين 'شيوخ' جهاديين في التنظيم... وزاد الطين بلة لما تجاهل الأحداث الرجل الثاني والذراع اليمن لأسامة بن لادن في خرجاته الإعلامية، وهو على غير عادة التنظيم الذي غالبا ما يشيد بالأعمال العسكرية التي يقدم عليها، مما يعطيها الدفع الإعلامي الأكثر والفاعلية السياسية والدولية، وقد ذهب الكثيرون إلى أنه دليل قاطع على عدم رضا أسامة بن لادن عن العملية التي مست المدنيين وهو ما يخالف منهج القاعدة الأم، خاصة أن التنظيم الجزائري قد أشاد بالعملية وبث أشرطة إعلامية له، وان تجاهل الضحايا المدنيين مما يعتبر تمويها أو تضليلا يستهدف من وراءه إبعاد شبهة سقوط المواطنين الأبرياء في الحادثة، على ذكر بث الأشرطة التي يقوم بها نذكر مثلا صور نجل علي بن حاج والكمين الذي إستهدف سرية أمن الطرقات في منطقة الكرمة بولاية بومرداس... إلخ، ومما يدخل في باب ترقيع ما مزق جاءت عملية أخرى إستهدفت ثكنة الأخضرية (البويرة) في 10 جويلية الفارط، أدى إلى مقتل أكثر من 8 عسكريين وإصابة ما يفوق 20 جريحا، وقد حاولت القاعدة في بيانها الذي تبنى فيه التنظيم العملية إعطاء تبريرات سياسية لها، وتم ذكر العسكري المطرود حبيب سوايدية الذي نشر كتابا مثيرا للجدل تحت عنوان 'الحرب القذرة'... نحن نرى أنه لا يوجد تنسيق تنظيمي بين القاعدة الأم وتنظيم الجزائر، وإن كانت المجموعات التي أرسلت إلى العراق ساهمت في توطيد العلاقة مع تنظيم الزرقاوي، ومن بين الأسباب التي تجعل التنسيق غير ممكن هو قناعة بن لادن والظواهري وغيرهما من أن تنظيمات الجزائر كلها مخترقة من طرف المخابرات، وقد ساهم هذا الإختراق في الكثير من الأحداث منها المجازر المروعة التي عرفتها الجزائر خلال الحرب الأهلية... هذا إذا سلمنا جدلا أن أمريكا تريد رأس بن لادن حقيقة وتفتش عنه في كل مكان، وهذا ما أكده لنا أحد الأفغان الجزائريين السابقين نعود بالتفصيل لشهادته مستقبلا، أما إن كانت الأمور كلها عمليات إستعراضية يراد منها تنفيذ مشروع المحافظين الجدد بأمريكا، والذي خطط له من قبل أحداث 11 من سبتمبر، وأمريكا لا تريد رأس بن لادن الآن حتى تصنع خليفته وفي مستواه طبعا، أو تجد شماعة جديدة تعلق عليها أسباب هيمنتها وغزوها للعالم الإسلامي، وهو المستبعد حاليا لأن المشروع الأمريكي لم يتم بسطه كما خطط له، حيث تتواجد طبعا الثروات النفطية التي أسالت لعاب البيت الأبيض، ويكفي أن تمركز القوات الأمريكية في أفغانستان جاءت على طول أنبوب النفط، فضلا عما ينقل يوميا عن الحرب في العراق ومشاكل النفط فيه... ونؤكد هنا على أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من أجل تجاوز عنق الزجاجة بعد النزيف الذي يعرفه من جراء الإستنكار الذي خلفته عملية قصر الحكومة، فإنه أكيد سيقبل على عملية أخرى تستهدف الأجانب ليعطي طابعا مؤكدا على عالميته وإرتباطه التنظيمي بالقاعدة الأم، لا نقول ذلك من باب أننا نملك معلومات أو أي شيء قد يصب في هذا القبيل، لكن نحكم بذلك بناء على التداعيات التي خلفتها أحداث 11 أفريل بالجزائر، سواء على مستوى الداخلي للتنظيم أو حتى على المستوى المحلي الشعبي، وخاصة أن عمليات أخرى تستهدف المدنيين قد تدفع به للجحيم، لذلك أن قد يستهدف خاصة الأمريكيين في ظل الإحتقان الذي خلفه من جراء غزوه للعراق وما يقترف في حق الشعب العراقي هناك... إذن ما يعرف بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يعيش أسوأ مراحله، ففي القضاء عليه يعني إلحاق الهزيمة بالقاعدة الأم على التراب الجزائري، وإفشال المخططات الأمريكية بالمنطقة التي تاتي على غرار مبررات محاربة ما تسميه بالإرهاب، في حالة أخرى تطرح نفسها بإلحاح لماذا لم تتبرأ القاعدة الأم من العملية التي إستهدفت المدنيين في الجزائر؟ ، هذا إن إعتبرنا تجاهل الظواهري للعملية يصب في هذا الإطار، فإن فعل ذلك فهو يجعل التنظيم الأم في موقف حرج أمام مناصريه ومريديه ومؤيديه عبر العالم، وتعتبر سابقة خطيرة في تاريخ التنظيم أو حتى الإسلاميين الجهاديين، بغض النظر عما أقدمت عليه الجماعة الإسلامية المصرية التي طرحت مراجعات لها بعد سنوات النار والسجون... هي لأول مرة يعلن فيها تبني جماعة مسلحة ويتبرأ منها إن حدث، العلاقة بين بن لادن ودرودكال تطرح الكثير من نقاط الإستفهام، فنحن على يقين انه توجد علاقة عقدية بينهما في ما يخص الفكر الجهادي، لكن توجد إختلافات منهجية تطرحها المسيرة الثورية للجهاديين الجزائريين، هناك جانب آخر يمكن أن نعتبره هاما وهو أن تنظيم القاعدة الأم صار يحتضر ومحاصر في أدغال باكستان وأفغانستان، لذلك يبحث عن تنظيمات أخرى تعمل ميدانيا ولها متسعا من الحرية لأجل إعطاء الصورة المستمرة لنشاط بن لادن ضد الأمريكان وعملائهم... فإستجابة القاعدة الأم لرغبات الجماعة السلفية قد تكون بوسائط تنظيمية عن طريق المجندين الجزائريين في العراق، أو حتى من خلال وسائل الإعلام وشبكة الأنترنيت، أما العلاقة المباشرة فأنا أنفيها مطلقا لإعتبارات كثيرة أهمها الإعتبار الأمني والإستراتيجي الذي تلعب فيه أمريكا دور البطولة...
الأهداف والغايات المضادة
من الأسباب الظاهرة التي دفعت التنظيم إلى إعلان انضمامه للقاعدة، ومن خلال ما تقدم من معطيات وإن كنا لم نحط بها كاملة، إلا ان الرؤية قد تكون واضحة بعض الشيء... ونجملها في مايلي:
- إيجاد مبررات للعمل المسلح تساعد على استمرار الدعم والتجنيد والتعبئة، خاصة بعد طي المبررات السياسية التي خلفها توقيف المسار الإنتخابي عام 1991، حيث كانت التنظيمات المتعاقبة على التمرد والثورة وما يسمى بمفهومهم العقدي 'الجهاد' ترى من مصادرة الإرادة الشعبية التي أرادت 'الحكم الإسلامي' و'الدولة الإسلامية' التي نظر لها شيوخ جبهة الإنقاذ، السبب المباشر للعمل المسلح... حتى أن الدعم الشعبي للجماعات المسلحة في بداية الحرب الأهلية يصب في إطار القتال من أجل إسترجاع الحقوق المصادرة، لكن ما عجز في احتوائه من طرف المتمردين الإسلاميين هو التطور المتسارع للتفكير القتالي والسلفي للجماعات، حيث بدأ من الدفاع عن 'إختيار الشعب' وعرج على مقاتلة العسكريين ورجال الأمن وجماعات الحماية والدفاع الذاتي، لأنهم يعتبرون –في إعتقادهم- حماة ما يسمونهم بالمرتدين والطواغيت، ووصل إلى إعلان الحرب الشاملة على الشعب الجزائري بحجة ردته عن الدين، إلا أنه بعد إختراق المخابرات واستغلالهم للفكر التكفيري الذي سيطر على عقول المتمردين