المشكلة الاقتصادية
المشكلة الاقتصادية
هي الأصعب والطائفية هي الأخطر
المخاطر التي تواجه
سورية كنظام وبلد
د. محمد عجلاني
تواجه سورية منعطفات خطيرة ومستقبلا غامضا مليئا بالغيوم، والنظام والبلد يجتازان مرحلة صعبة ربما تكون الاصعب منذ تولي الرئيس بشار الاسد مقاليد الحكم، ومن اهم هذه المخاطر:
1 ـ الناحية الامنية والسياسية: النظام مهدد بشكل حقيقي وهو مهدد في بنيته الاساسية، اسرائيل هي مصدر التهديد الحقيقي له، عبر مناوراتها الخارجية وهي تلوح له بالجزرة والعصا معا، ولكنها في الحقيقة لها حساباتها الاخري، وهي تعرف ماذا تريد ان يكون عليه مستقبل هذا النظام وما هو حجم التنازلات التي يجب ان يقدمها لها.
2 ـ الدور الاقليمي: لقد فقد النظام دوره الاقليمي واصبح يلعب بالوقت الضائع، لقد كسرت اضلاعه الاقليمية، انه محاصر بقضية المحكمة الدولية في لبنان، وفي قضية العراق من الشرق، واصبح يتحمل تبعات الازمة العراقية من هجرة وارهاب بدون ان يكون له اي يد في حل هذه القضية، الاب كان مغطي دوليا واقليميا، والابن فقد كل هذا الغطاء، امام الابن خطوط حمر، ولم يعد هناك خطوط بنفجسية وزرقاء وصفراء يستطيع ان يلعب ويناور ضمن هذه الخطوط، حتي ايران حليفة النظام اصبح وضعها مهددا وهي علي حافة الانفجار.
سدت المخارج امامه كلها، حتي فرنسا اليوم تتحدث بلغة امريكا واسرائيل، العدو من امامه ومن ورائه وعلي يمينه وعلي ميسرته، فأين المفر؟
3 ـ بنية النظام: لم يعد النظام قادرا علي التغيير، شلت حركته وغادره افراده، فالعم يعارض من جهة، وخدام من جهة اخري، وحكمت الشهابي ربما يكون في صدد طبخ طبخة جديدة في امريكا، وفقد النظام رجاله الاقوياء الذين كانوا عمدة نظام الوالد، امثال الجنرال الراحل غازي كنعان.
ليست الشرعية بالانتخابات فقط، ولكن الشرعية ايضا بالنسبة للاعبين الدوليين الصغار والمتوسطين هي شرعية استمرارية علاقاتهم مع اللاعبين الكبار بدون التبعية او الانبطاحية او التملق، ضمن حدود المناورة، ولكن حتي هذه المناورة سدت عليه، واوصدت الابواب بوجهه، وهم في صدد البحث عن ملفات اخري لزيادة توريطه وتفخيخه في قضايا سابقة وقديمة فعندما تخر البقرة يكثر الذباحون!
هكذا هو حال النظام السوري اليوم للاسف ويجتاز مرحلة صعبة جدا. اما من ناحية البلد والكيان ككيان سوري فيمكن رصد اهم المخاطر التي ستواجهه مستقبليا وهي:
1 ـ مشكلة المياه، بسبب الجفاف وتغيير المناخ والحرارة المرتفعة تبخرت معظم المياه السطحية في سورية، بالاضافة الي الاستهلاك المائي غير المنظم، الي كل هذا وذاك يضاف ان معظم مصادر المياه التي تغذي الزراعة في سورية تأتيها من دول خارجية كتركيا. واسرائيل تسيطر علي معظم مصادر المياه الحيوية للمنطقة وفروع الانهار الكبري كدان والحاصباني وبانياس. وعندما تسير في سورية وفي شوارع دمشق تجد ان ما تبقي من نهر بردي هو عبارة عن ساقية صغيرة جدا، ونهر قويق عبارة عن شلال صغير، وينخفض منسوب نهر العاصي بشكل مستمر، اما الابار الجوفية فحدث ولا حرج، لان هناك ابارا تم حفرها في مواقع كان يجب ان لا يتم ذلك، لان لها تأثيرا كبيرا علي قشرة الارض. والمشكلة ان هناك في سورية، وفي دمشق بالذات او في ضواحيها تستخدم المياه بشكل مسرف جدا، حمامات السباحة وسونا في فيلات الاسد بالصبورة وكأن سورية بلد ثري بالمياه ككندا او السويد، والدولة ليست لها سياسة مستمرة وعقلانية في عملية ترشيد استهلاك المياه، وهي ربما لا تستطيع لان هناك قانون المحسوبية والاقوي والقانون لا يطبق الا علي الضعيف.
2 ـ مشكلة ديمغرافية المدن: في سورية في الستينات وحتي لبداية السبعينات، شكل الريف حوالي 70% من سكان سورية، والمدن حوالي 30%. اليوم الاية انقلبت فأصبح سكان المدن يشكلون اكثر من 70% من عدد سكان سورية، فدمشق التي كان يسكنها مليون شخص في بداية السبعينات اصبح عدد سكانها اليوم خمسة ملايين شخص، وحمص اصبح عدد سكانها مليوني شخص، وحلب اكثر من ثلاثة ملايين شخص، واللاذقية اكثر من مليون ونصف المليون شخص. والمشكلة ان ديمغرافيا المدن توحشت وتوغلت، حتي لم يبق هناك ضاحية خضراء في المدن الا وقد قطعت اشجارها لتوفير السكن لهذا المد البشري الكبير، وكذلك الانهار والمياه المعمولة لعدد معين من الاشخاص، اصبحت قليلة بالنسبة لهذا المد البشري الكبير. لم يعد هناك مياه وطرقات واسلاك هاتفية تكفي لمثل هذا العدد الكبير من السكان، والغريب ان المناطق السياحية في سورية وريف اللاذقية الجميل جدا لا توجد فيه كثافة بشرية ان لم تكن معدومة بدون ان ننسي ريف حمص الغني بالماء والخضرة. واذا ذهبنا باتجاه الشمال الشرقي لوجدنا ان الكثافة البشرية معدومة ايضا في المناطق الغنية بالنفط والغاز. بالاضافة الي كل هذا وذاك، ان ضواحي المدن الكبري اصبحت ممتلئة ببيوت القصدير والحديد وغير مؤهلة للسكن، بالاضافة الي ان المدن استوعبت كل هذا الحشد البشري الكبير ولكنها لم تدمجه في نسيجها الوظيفي والمهني والاجتماعي، وهو يشكل مصدر انفجار لأي هزة جديدة تصيب سورية، وستكون هذه المرة ليست من الريف وانما من ضواحي المدن الكبيرة.
لقد انتشرت السرقة وحتي الدعارة في ضواحي المدن الكبري، ولولا قبضة الدولة القوية لشهدنا حوادث عنف شبيهة بالتي تحصل في عواصم الدول الكبري. وفي حال ضعف قبضة النظام فيمكن ان تتحول الحوادث الاجتماعية وتأخذ ابعادا سياسية وطائفية.
3 ـ مشكلة التلوث: في سورية وبالاخص في مدنها وهي كلها علي شكل مدن مبسطة محاطة بجبال، لذلك فان سكانها يستنشقون كل الهواء الملوث، نتيجة الغازات السامة الناتجة عن حرق النفط ومشتقاته من المازوت والبنزين بشكل سييء جدا، وخاصة اثناء ارتفاع درجات الحرارة، حيث تشعر وكأنك ستختنق، لذلك يهرب جميع سكان المدن في فصل الصيف الحار الي الهضبات والجبال المحيطة بهذه المدن وهي الطريقة الوحيدة لتجنب التلوث، بالاضافة الي ان التلوث البيئي يصيب شواطيء سورية البحرية بسبب ما تنقله ناقلات الشحن البحرية وما تبثه من نفايات في المياه الاقليمية السورية، بدون اي رقيب او محاسبة، بالاضافة الي كل هذا وذاك، نجد عدم الاهتمام بهذه الشواطيء من حيث رمي النفايات والقاذروات علي هذه الشواطيء الجميلة، واذا كان البلد يريد ان يظهر بمظهر الوجه السياحي الجميل فالاحري بوزير السياحة ان يكون في نفس الوقت وزيرا لمكافحة التلوث.
الدولة بحاجة الي ان تكون موجودة في هذا الميدان، كما هو عليه الحال في الميدان الامني والمخابراتي.
4 ـ المشكلة الاقتصادية: التضخم الديمغرافي، والتوسع العمراني، وقلة المياه وارتفاع نسبة التلوث كلها مشاكل صعبة ويجب تفكيكها بشكل منظم واعادتها الي جذورها واسبابها لايجاد الحلول المناسبة لها. لكن المشكلة الاكبر والاعقد والاصعب هي مشكلة البطالة الحالية والمستقبلية، فعدد سكان سورية البالغ ثمانية عشر مليونا او حتي عشرين مليونا، معظمهم وبنسبة 70% هم تحت سن الثلاثين عاما، وسورية بلد شاب، ونسبة التعليم الكمي عالية جدا، ولكن جامعات ومعاهد ومدارس القطر لا تلبي احتياجات سوق العمل، وهي غير مؤهلة لهذا الامر، لذلك بقيت الفجوة واسعة جدا، بين التأهيل المهني واحتياجات سوق العمل.
هناك فجوة اخري، بين تعليم مهني جيد خاص ومكلف يقوم به اصحاب الثروات والذين انعم الله عليهم بثروات طائلة لا تحصي ولا تعد، واليوم اولادهم يحتلون مقاعد العمل الذين حصلوا عليها بفضل ثروة البابا وعلاقاته الاجتماعية، وهناك في المقابل اكثر من سبعة ملايين سوري لا يتمتعون بمثل هذه الميزة، وراتب القطاع العام ان كان هناك ما زال توظيف يعتبر من اخفض الرواتب في دول العالم كلها، حتي الموظف في بوركينا فاسو راتبه افضل من راتب الموظف السوري.
انخفاض وتراجع القوة الشرائية للفرد السوري بالاضافة الي البطالة المقنعة وبالاضافة الي وجود خمسة ملايين سوري يعيشون تحت خط الفقر، كلها قنابل انفجار توقيتية، ستستخدم للكبس علي ازرارها في الوقت المناسب. 5 ـ المشكلة الطائفية: وهي الاخطر والاشد كارثية والتي ستدمر سورية من رأسها حتي اخمص قدميها، اذا استطاع الغرب واعداء سورية ان يتحكموا في مفاصلها ويضربوا علي الوتر المتفجر فيها.
ليس كل ابناء العلويين اثرياء، وليس كل ابناء السنة فقراء، وليس الحكم بيد طائفة معينة، ربما ينطبق علي ذلك امنيا، ولكن الحكم بشكل كبير وان تعددت مفاهيمه متوزع علي الجميع ولو كان بنسـب غير متفاوتة، مع الافضلية للمقربين عائليا وليس طائفيا من النظام.
المشكلة ان هناك جهلا في خفايا الامور، والحكم دائما يتم علي المظاهر، لقد فتح النظام باب الثراء للجميع، ولكن ضمن شروطه ومطالبه، فمن مشي علي هذا الطريق، نال ابواب النعيم، ولكن هناك فئة لم تقبل السير بهذا الطريق وهي فئة كبيرة ما زالت تجني عملها من عرق جبينها، وتكدح لتحصل علي قوت يومها، صحيح ان الوساطة والمحسوبية دمرت جهود الاخرين، لكن ما زال بعض ابناء المجتمع صامدين وواقفين في وجه المصاعب.
ما يحدث في العراق خطير، وما حدث في لبنان سابقا خطير، واخشي ان يكون مشروع الشرق الاوسط الجديد ظاهرة جديدة وديمقراطية ولكن باطنه طائفي ومذهبي، واخشي ان تكون سورية محطته القادمة، فيجب ان نكون واعين لذلك. ليست المعركة بين السني والعلوي، المعركة يجب ان تكون مع الوطن لصالح الوطن من اجل ارساء الديمقراطية للجميع بدون استثناء، وليس بحجة ان هذا الشخص كان من الطائفة الحاكمة يجب ان يستثني او يقصي عن المراكز والمناصب.
يجب ان لا تكون سورية المستقبلية مبنية علي الانتقام والحقد والثأر، بل يجب ان تكون كما عهدناها ارضا مفتوحة للجميع، بدون استثناء، ان كان من حيث الهوية او المذهب. اما من جهة النظام الحالي، اذا بقي مستمرا علي هذا الحال فهو لن يعمر طويلا، واذا لم يأخذ قرارات حاسمة ومصيرية وجذرية وشجاعة فانه سينهار امام هذا المشروع، او مشروع آخر، واذا انتظر طويلا فسيأتون ليقولوا له كش ملك. ولا مكان للضعيف في العلاقات الدولية.