شراكة إسرائيل ودول عربية
جميل السلحوت
قال رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو في لقاء مع راديو اسرائيل باللغة العبرية، وهو في طريق عودته من أمريكا بعد حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة: "ان الشرق الأوسط يشهد حاليا تغييرا جوهريا فهناك دول عربية هامة لم تعد تعتبر اسرائيل عدوا لها بل شريكا محتملا في مواجة ايران والتنظيمات الاسلامية المتطرفة. ويأمل نتنياهو أن "يتطور موقف الدول العربية لتطالب الفلسطينيين بتقديم تنازلات وابداء مرونة، حتى لا تبقى اسرائيل من يقدم هذه التنازلات وحيدة!"
وما قاله نتنياهو بأن دولا عربية هامّة قد غيّرت مواقفها تجاه اسرائيل صحيح 100%، خصوصا بعد الضغوطات التي مارستها وتمارسها أمريكا على الأنظمة العربية "لإبداء حسن النوايا تجاه اسرائيل كي تطمئنها وتجرّها الى السّلام" لكن ما لم يقل نتنياهو هو أنّ اسرائيل لم تغيّر ولم تطوّر موقفها من الدول العربية، بل على العكس فهو يطالبها بتنازلات أكثر دون أيّ مقابل، بل يطالبها بالاعتراف باسرائيل وإقامة علاقات طبيعية معها في مختلف المجالات، مع احتفاظ اسرائيل بالأراضي العربية المحتلة، فاسرائيل لم تعلن وهي غير مستعدة للاعلان بأنّه لا يوجد لها أطماع توسعيّة في دول عربيّة، ولم تعلن عن تخليها عن فكرة الوطن البديل للفلسطينيين في الأردن رغم اتفاقية وادي عربة بين البلدين الموقعة في العام 1994، وما تبع ذلك من تطبيع للعلاقات بين البلدين، بل ان اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تعلن حدودها، لأن الفكر الصهيوني قائم على التوسّع. بل إن اسرائيل لم تحترم الأماكن المقدسة الاسلامية في القدس وفي مقدمتها المسجد الأقصى، ولم تحترم حرية العبادة للمؤمنين العرب كبادرة حسن نيّة من جانبها تجاه الدوّل العربيّة"المهمّة" التي تقدّم التنازلات لاسرائيل، ولم يكتف نتنياهو بالتنازلات التي قدمتها له الدوّل العربية، بل يطالبهم بالضغط على الفلسطينيين "لتقديم تنازلات وابداء مرونة حتى لا تبقى اسرائيل من يقدّم هذه التنازلات وحيدة" فما هي التنازلات التي قدّمتها اسرائيل؟ فعلى أرض الواقع فان ممارسات اسرائيل الاستيطانية التوسعيّة، تجعل امكانيّة قيام دولة فلسطينيّة على الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967 أمرا خياليا، وهي مستمرة في سياسة الاستيطان هذه، وهي تمنع أيّ تطوّر للاقتصاد الفلسطيني، وتمتهن كرامة الانسان الفلسطيني بشكل يوميّ. وتحرمه من أبسط حقوقه الانسانية، بما فيها حقه في الحياة. بل إن نتنياهو لا يعترف بوجود أراض عربية محتلّة، فهي "جزء من أرض اسرائيل". وكلمته في الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، وتعقيبه وتعقيب مسؤولين آخرين على كلمة الرئيس محمود عباس في الجمعية العمومية للأمم المتحدة تثبت أنّهم بعيدون عن متطلبات السلام العادل والدائم بُعد السماء عن الأرض، وما حديثهم عن السّلام إلا من باب العلاقات العامة أمام الرأي العام العالميّ، ومن اللافت أن الولايات المتحدّة الأمريكيّة التي تمارس ضغوطات على السلطة الوطنية الفلسطينية والدول العربية لتقديم تنازلات تؤيّد السياسة الاسرائيلية التوسعية، ولم تضغط عليها لانهاء احتلالها للأراضي العربية المحتلة. وفي مقدمتها أراضي الدولة الفلسطينيّة العتيدة بعاصمتها القدس الشريف.
فأيّ شيء بقي للفلسطينيين للتنازل عنه كما يطالب نتنياهو؟ وهل طوّر نتنياهو موقفه من السلام الذي كتبه في كتابه الذي ترجم الى العربية تحت عنوان "مكان تحت الشّمس" والذي يرى فيه أنّ على العرب الاعتراف باسرائيل مع احتفاظها بالأراضي العربية المحتلة بما فيها هضبة الجولان السورية، لأن ذلك في مصلحة العرب، ففي سلام كهذا فان اسرائيل ستساعد سوريا في تطوير مواردها المائية وأراضيها الزراعية، وإذا "ما اجتمعت الانتلجنسيا اليهودية مع الأيدي العاملة العربية فإن الشرق الأوسط سيصبح جنّة"؟ أيّ أن نتنياهو يريد العرب "حطابين وسقّائين" في ظل السلام الذي ينشده.