نظرة في صراع القوى و أزمة النهوض

نظرة في صراع القوى و أزمة النهوض

مازن كم الماز

[email protected]

إن المشروع الأمريكي في مأزق حقيقي , هذه حقيقة لا جدال فيها اليوم..إن إدارة بوش لم تتمكن من تحويل العراق إلى نقطة انطلاق لمشروعها الإقليمي بل هي تبدو اليوم عاجزة عن الاستمرار في احتلاله و تبدو في موقف إقليمي غير حاسم..إن تحدي القوة الإيرانية الصاعدة و هزيمة إسرائيل في الصيف الماضي لم تهز صورتها فحسب بل أكدت عمق مأزقها الإقليمي خلافا لكل استنتاجات النخب الحليفة أو الموالية..إن الشرق الأوسط ليس ساحة صراع إقليمي فقط , إنه ساحة إنتاج السيطرة الكونية الإمبراطورية الأمريكية , هذا يدركه الجميع..و منطق الصراع مختلف أيضا..

فإدارة بوش تريد أن تظهر بمظهر مختلف هذه المرة , عما كانت تظهر به في الماضي أو في أماكن أخرى , عندما كانت أمريكا تعتمد عادة على عنف القوة الحاسمة بعدوانية سافرة..إدارة بوش حاولت أن تظهر بمظهر المحرر محاولة إعادة إنتاج نموذج أوروبا الشرقية حيث تم لها و بسهولة كبيرة إقامة أنظمة تابعة ذات استقرار نسبي اعتمادا على صورة ايجابية ذات شعبية مقبولة , كانت عملية تدجين ناجحة للجماهير و فكرها و احتواء لعوامل المعارضة المؤثرة و التغيير خارج مصالح الإمبراطورية الأمريكية..لكن هناك عجز حقيقي عن تكريس صورة كهذه على الرغم من موقف أقسام هامة من النخبة المنخرطة في هذه العملية و رغم دعاية مباشرة و غير مباشرة غير مسبوقة ربما , هناك إحساس بالمرارة و العجز في مواجهة هذا الفشل لدى منظري الإمبراطورية المحافظين و الليبراليين الجدد و من الطبيعي أن يرافق هذه المرارة عودة للمواقف العنصرية الاستشراقية التقليدية عن استحالة دمقرطة الشرق و ضرورة العودة إلى وسائل و حلفاء الأمس التي استخدمت "بنجاح" في إطار الحرب الباردة سواء ضد صعود القوة الإيرانية الإقليمية أو الخطر الأصولي..إن الأسباب المقترحة لهذا العجز تتفاوت من المواقف العنصرية الآنفة الذكر إلى محاولة الدخول في تفاصيل عملية العصرنة و أبعادها الاجتماعية و العقيدية و التاريخية و سواها..لكن من المؤكد أن ربط عملية العصرنة و النهضة بتبعية المنطقة للغرب الاستعماري فاشلة تماما..في الحقيقة لا يوجد الكثير من الجدة في الهجوم الليبرالي المحافظ فالمطلوب في النهاية هو الاستسلام للأمر الواقع الجديد..أن تكون "حداثيا" أو ليبراليا يعني في رأي منظري الهجمة الأمريكية الأخيرة أن تذعن لإرادة الغرب الليبرالي "المتفوق" تماما كما كانت القومية أو المقاومة تعني الإذعان لاستبداد الأنظمة "القوميوية" لا أكثر و لا أقل..لا يتجاوز الوعد الليبرالي الطلب من الناس الخضوع للسيد الجديد "الديمقراطي و المتفوق" هذه المرة بدلا من السيد القديم "غير المتحضر و الديكتاتوري"..

لكن من المؤكد أيضا أن فشل أمريكا و "حلفائها" في تدجين الجماهير سياسيا و فكريا لا يرافقه نهوض شعبي مضاد..لا يمكن الحديث عن أوقات كانت فيها الجماهير على هذه الدرجة من التهميش و الاستلاب كأيامنا هذه , حتى الجهاديين أنفسهم لا يفكرون بكسب الجماهير لخطابهم بل على العكس فهم يبحثون عن خلايا جهادية معزولة متخفية عن أعين المخابرات و الجماهير في نفس الوقت..يبقى هذا الحياد السلبي و هذا التهميش خارج الجدل السياسي و الفكري الدائر فهو مصدر القوة الأساسي لكل أصحاب المشاريع التسلطية التي تتنافس حول أفضل السادة المحتملين أصحاب القرار الأخير في مصائرنا...