سورية في الولاية الثانية إلى أين ؟
(6- 8)
المساومة على القضية الفلسطينية !
د. نصر حسن
أولاً - احتواء الثورة الفلسطينية على طريق تصفيتها !
لعل دور النظام السوري في تصفية القضية الفلسطينية كثورة لها مشروعها الوطني التحرري اكتسبت على أساسه شرعيتها العربية والدولية , كان هو شاغله الوحيد وبدأ الإعداد على هذا الطريق بعد حرب تشرين 1973 وتوقيع معاهدة فك الإرتباط ( نهاية الحرب ) بين النظام السوري وإسرائيل , وسار النظام السوري على تحقيق هذا الهدف على كافة المستويات الداخلية والعربية والدولية , وبدأ بالإعداد لتصفية الحركة الوطنية في سورية ولبنان والمنطقة لتركيعها شعبياً وحكومياً باتجاه التطبيع ...وكانت الحلقة الأقوى هي وجود الثورة الفلسطينية كفكر وكواقع ميداني في لبنان له امتداده في سورية والعالم العربي , وهذا المنحى الذي أخذته الثورة الفلسطينية قد أرق النظام السوري أكثر من إسرائيل , وعليه بنى استراتيجيته عليه وعلى ساحة تواجده الإقليمية وركز كل قوته العسكرية والأمنية لحصار الثورة الفلسطينية وبشكل غير أخلاقي ليحرفها عن مسارها وأهدافها والتسليم بمقولة ( السلام العادل والشامل) كما يراه النظام السوري وليس كما يريده الشعب الفلسطيني على اعتبارها قضية حق في التحرير ورجوعه إلى أرضه وقيام دولته الديموقراطية المستقله على أرضه فلسطين , وكانت النتيجة الذي تمخضت عنها تصفية الثورة الفلسطينية وحصر القيادة الشرعية باتجاه الإعتراف بإسرائيل والإستعداد للتفاوض معها .
وجاء مؤتمر مدريد عام ( 1991) كثمرة لسياسة النظام السوري التي انهكت الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان وسورية والشرق العربي كله ,ونتج عنه مبادرة السلام المعروفة ( الأرض مقابل السلام ) ,بعبارة أخرى إن النظام السوري هو الذي أوصل الثورة الفلسطينية ومعها العرب عبر سلسلة طويلة من الحروب الأهلية والتصفيات الدموية ,أبرزها في لبنان حيث دمر القوة الحقيقية للثورة الفلسطينية ونفي ماتبقى منها إلى أبعد منطقة جغرافية عن فلسطين في اليمن والسودان وتونس وشتتها ومثل ذلك بطاقة دخوله إلى مؤتمر مدريد ورضى الأطراف الدولية عنه وحمايته وتأمين الغطاء له والصمت المطبق على مافعله بالثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني والسوري واللبناني , واستمر النظام السوري يلعب على الساحة الفلسطينية بأدوات تحسب على الثورة الفلسطينية وهي لاتملك من أمرها سوى تنفيذ سياسته التي مزقت الثورة الفلسطينية وتصدت للشرعية التي يمثلها الراحل ياسر عرفات وحصاره حتى وفاته و ومايجري اليوم في لبنان وغزة هو استمرار لنفس سياسة المساومة وتوهين المقاومة وتشويهها وجر الأطراف الفلسطينية إلى التصادم والإقتتال والركوع من جديد.
ثانياً - المساومة على دور حزب الله !
وعليه استمر النظام السوري بسياسته المنحرفة التي ترى في القضية الفلسطينية ورقة مساومة يستخدمها متى شاء وأنى شاء لإثبات قوته الإقليمية وبالتالي دوره واستمراره , وبعد حصار الثورة الفلسطينية بالإشتراك مع "إرييل شارون" وتصفية قوتها الميدانية وطرد ماتبقى منها من لبنان , عمل النظام السوري إلى خلق البديل على الساحة اللبنانية , البديل العسكري الذي يمكن أن يلعب دور النظام بالنيابة بخصوص القضية الفلسطينية والمزايدة عليها , هنا جاء دور حزب الله ليعطيه حرية بالسيطرة على لبنان والمزايدة على الثورة الفلسطينية وفصائلها بتحريك حزب الله على الحدود الشمالية لفلسطين متى رأى مصلحة له , أي اعتبر حزب الله هو الوكيل العسكري للنظام السوري في لبنان وفلسطين وعلى مستوى الإنتفاضات الفلسطينية المتعاقبة , وحاول بشار أسد الإستمرار بنفس مقاربة والده للقضية الفلسطينية , وبذل جهود كبيرة لتسويق نفسه على ساحة الإنتفاضة الفلسطينية لإضعاف ياسر عرفات وتقوية دوره في الشؤون الداخلية الفلسطينية متمما ً الدور الإسرائيلي , بالتوافق مع حزب الله الذي فقد دوره بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان , وبدأ دور النظام السوري يمر عبر حزب الله بشكل علني وصريح عندما أعلن الحزب الدخول على خط الإنتفاضة بقول حسن نصرالله عام 2001 بأن ياسر عرفات ليس هو الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني وأنه لن يترك الفلسطينيين يقاتلون إسرائيل وحدهم , هنا قرر النظام السوري الدخول المباشر مرةً أخرى على خط الأحداث الداخلية في فلسطين.
ثالثاً - النظام السوري وفلسطنة حزب الله !
تابع بشار أسد عملية الدخول إلى المعادلة الداخلية الفلسطينية عبر تقديم المزيد من الدعم إلى حزب الله بالإتفاق مع إيران ودفع حزب الله إلى المواجهة والإستقطاب بين موافقي" أوسلو" ومخالفيه الذي وفر لهم النظام السوري وحزب الله كل أشكال التدريب والدعم واستطاع أن يبني علاقات مع بعض فصائل العمل الفلسطيني وأن يطورها ويمدها بكل وسائل الإستمرار المادية والعسكرية واللوجستية التي تجعلها قادرة على تغذية الصراع واستمراره بالإتجاه الذي يريد والمضر بالقضية الفلسطينية ويزيد بؤس الشعب الفلسطيني ومعاناته , ودخل حزب الله بشكل مباشر عندما وسع دائرة عملياته إلى داخل الإراضي الفلسطينية وأقام صلات مع بعض الفصائل التي تقف ضد الشرعية الفلسطينية وجيرها بالموقف العام الذي يريده النظام السوري .
وحتى يكون الكلام موضوعياً ودقيقاً وواضحاً , كلمة حق يجب أن تقال : إن الذي أفرز حزب الله على الساحة اللبنانية هو حالة الفراغ والخلل في المواجهة أمام الإحتلال الذي شكلها تصفية الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية وطردها من لبنان من قبل النظام السوري , وأيضاً التناقضات اللبنانية الداخلية التي غذاها النظام السوري لتأكل بعضها وتتقاتل وتدخل حلقات من التصفيات المتبادلة تحت الإشراف والوصاية السورية وعجزها عن تحرير الجنوب , أي أن حزب الله رغم صورته المذهبية كان وطنياً في أهدافه بل من أكثر الأطراف التي تمسكت لالتحرير ومقاومة الإحتلال , وتجذره كحركة مقاومة شعبية لها وجودها على الأرض , هنا وجد النظام السوري فيه الأداة القوية المناسبة لإستخدامها في تحقيق مخططاته بالضبط كما تلاعب بالثورة الفلسطينية , سهل له ذلك علاقته مع إيران وعلاقة حزب الله المتميزة مع إيران أيضاً , وتشابك واختلاط الأهداف والشعارات بين النظام السوري الإيراني اللذان حرصا على احتواء حزب الله كل لحساباته الخاصة والعامة وبرمجته بدقة حسب أجندتهما الإقليمة والدولية ....يتبع
(7-8)
قبرصة القضية الفلسطينية !
أولاً - تشويه صورة المقاومة !
مع انسحاب قوات الإحتلال من الأراضي اللبنانية عام 2000 ومارافقها من شعور بالنشوة المباشرة من قبل حزب الله وغير المباشرة من قبل بشار أسد شخصياً , وماعكس ذلك من ازدياد شعبية الحزب ليأخذ طابعاً وطنياً , جاء دور النظام السوري بنقله من موقع الوطنية التي هو فيها إلى موقع الوكيل العسكري المباشر في لبنان وخارجه , وتم تسهيل دخوله إلى الساحة الفلسطينية الداخلية ليزيد الأمور تعقيداً وتشابكاً وفوضى وليطبع المقاومة الفلسطينية بصفات يسعى لها النظام السوري والقوى الإقلمية والدولية إلى لونها الجديد لإعطائها مصداقية في الحرب على الإرهاب , وبشكل أكثر مباشرة نقل الصراع الفلسطيني من إطاره التحرري الوطني المقاوم إلى واجهة دينية وبالتالي أصبح الصراع ليس بين احتلال وأصحاب حق بقدر ماهو صراع بين متطرفين من كل حدب وصوب , وجاءت حرب تموز 2006 لتضيف استعصاء جديد إلى الوضع الإقليمي , رغم حجم البطولة والأداء والتضحيات التي حققها حزب الله ومعه كل اللبنانيين , ضغط النظام السوري باتجاه سرقة النتائج وتصوير أنه هو المنتصر وعمل جاهداً إلى استخدام نتائجها فئوياً لجر حزب الله من موقع المقاومة إلى موقع النزاع الداخلي وتفتيت الوحدة الوطنية اللبنانية , ونقل ساحة الصراع إلى شوارع بيروت والمؤسسات الحكومية مما أدى إلى شلل الحياة السياسية العامة في لبنان, وتقسيمه سياسياً واجتماعياً وأهلياً , وهذا بالضبط مايريده الحلف السوري الإيراني من خلخلة وفراغ حكومي وسياسي للسيطرة على مفاصل المنطقة المهزوزة وسحب الصراع إلى مستواه الإقليمي , والضغط على القوى الدولية التي دخلت هي الأخرى الساحة الإقليمية بشكل مباشر , ترافق مع الإهتزاز في اللافتات الدولية التي رفعتها في المنطقة وانتقل الصراع من مسار الإنتصار وبناء الديموقراطية وتعزيز حقوق الإنسان وحل قضية الشعب الفلسطيني إلى صراع بين استراتيجية إيرانية وأخرى غربية إسرائيلية على حساب شعوب المنطقة واستقرارها , والذي يجري في فلسطين من شقاق وانشقاق واقتتال واختلاف على أساسيات المصلحة الوطنية الفلسطينية اليوم هو بشكل أساسي من صنع النظام السوري أولاً والإيراني ثانياً والضعف والوهن في النظام العربي ثالثاً والنظام الدولي الجديد الفاقد لكل أسس النظام والعقلانية رابعاً وأخيراً.
ثانياً - حشر القضية الفلسطينية بالحرب على الإرهاب!
معروف أن النظام السوري ماقبل استلام بشار أسد أنه مسجل على قائمة الأنظمة التي تدعم وترعى الإرهاب في العالم , ومع كون العلاقة السورية الأمريكية كانت تسير ضمن توافق حول مشاكل المنطقة الإقلمية لعقود ,إلى أن جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 الكارثية لتضع النظام السوري في مأزق مباشر مع السياسة الأمريكية الجديدة والحرب على الإرهاب , ولتجنب النظام السوري أن يحسب على قائمة الدول التي تدعم الإرهاب باشر باستباق الأحداث وعرض على الجانب الأمريكي بعد الهجمات مباشرةً تقديم المعلومات الإستخباراتية حول "القاعدة" والجماعات الإسلامية المعتدلة والتي فوجئت بها وبمستوى التنازل من النظام السوري واستعداده للتعاون غير المحدود , وقدم الكثير من المعلومات حول التنظيمات المختلفة وصورها على أنها متطرفة ومعادية لأمريكا , محاولاً تحييد واشنطن على أقل تقدير إذا لم يتمكن من كسب ودها ورضاها, "وكانت المعلومات التي قدمها النظام السوري قد فاقت كل توقعات الجانب الأمريكي من حيث الكمية والنوعية " , وبنفس الوقت كان النظام السوري يعمل في الخفاء على تشكيل تنظيمات ذات طبيعة متطرفة ملتحية ليوحي بأنها بهذا الشكل أو ذاك امتداداً للقاعدة ويعرض خدماته على القوى الخارجية للسيطرة على هذه التنظيمات المنتشرة على الساحة الإقليمية وخاصة ً في سورية ولبنان وفلسطين والعراق , بمعنى آخر حشر القضية الفلسطينية في دائرة الحرب على الإرهاب وملاباساتها وتداخلاتها الإقلمية والدولية , وشكل إساءة كبيرة للثورة الفلسطينية وحزب الله والمقاومة , ينتظر النظام السوري قبض ثمنها عداً ونقداً بتخفيف الضغط الدولي عليه واستمرار الحوار معه وتبديل الموقف منه من حملات تغييره إلى تهذيب سلوكه على الساحة الإقلمية وتحريك المفاوضات على المسار السوري بضغط الفوضى الشاملة التي تعصف بالمنطقة.
ثالثاً - عرقنة القضية الفلسطينية على طريق بلقنة المنطقة !
لعل ماشهدته غزة من صدامات مسلحة وصراع بين الأطراف الفلسطينية أدى بمحصلته إلى شق الصف الفلسطيني وشق حكومة الوحدة الوطنية وإسقاط اتفاق (مكة المكرمة ) بين جهازي السلطة ( الرئاسة ومجلس الوزراء ) وماتبعه من تفكيك أجهزة السلطة على أساس تقسيمي مابين حماس وفتح ولأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية تنحدر الفصائل الفلسطينية إلى الإقتتال الدموي تحت الإحتلال بمحصلته العامة أساء لحركة التحرر الوطني الفلسطينية وأظهرها بمظهر العجز عن أداء واجباتها تجاه الشعب الفلسطيني وأهدافه وانحرافها إلى الصراع على السلطة والمواقع والمكتسبات في ظل الإحتلال ,ولعل هذا هو الجزء المكمل للصورة في لبنان حيث الدولة مشلولة والشرعية محاصرة , وفي سورية أصبحت الفصائل الفلسطينية مرهونة كلياً بقرار النظام السوري الإيراني وحاجتهم إلى أدوات يديرون بها صراع إيران الستراتيجي في المنطقة .
خلاصة القول أن النظام السوري في ولايته الأولى عمل على تقطيع أوصال الفصائل الفلسطينية وتدجينها وحصرها في المسار الإيراني والدولي عبر مستويين : الأول وصمها بالتطرف والإرهاب وبالتالي فقدت شرعيتها الدولية وأصبحت ملاحقة ومحاصرة والثاني زجها ميدانياً في لبنان وفلسطين والعراق على أنها تنظيمات متطرفة وبالتالي نقل الصراع كله من مستواه الوطني إلى مستوى عصابات مأجورة حرص على أن تكون كل مسمياتها فلسطينية أو مشتقة منها ( فتح الإنتفاضة / فتح الإسلام / جند فلسطين / جند الشام ...) وتفريخات النظام السوري الإيراني التي ساهمت في تفتيت القضية الفلسطينية وإهانة الشعب الفلسطيني وحصاره ووقف المساعدات والدعم العربي والدولي له وتركه تحت مطرقة الإحتلال وفوضى النظام السوري الإيراني وسندان الإحباط واليأس والفقر وفقدان مشروع مستقبلي واضح الأفق .