يا أيها المفتي

مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؟!..

د.محمد بسام يوسف*

[email protected]

الإسلام عقيدة وعبادة ومنهج شامل متكامل، يحكم كل جوانب الحياة وينظّمها، فيغمرها عدلاً ورحمةً ورغداً ورخاءً، وإنّ الأصل الأول الذي تقوم عليه حياة المسلم، هو أنّ التلقّي في أمور الحياة العامة والخاصة لا يكون إلا من الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالحكم في كل شؤون حياتنا له سبحانه وتعالى وحده، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، هي -كما قرّرها الله تبارك وتعالى في القرآن العظيم- طاعة له وحده لا شريك له: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ..) (النساء: من الآية80).

وقد خاطب الله عزّ وجلّ المؤمنين بقوله الجامع المانع الفصل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الحجرات:1)، أي: يا مَن آمنتم بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً ونبياً، وبكتابه دستوراً.. يا هؤلاء.. لا تقطعوا أمراً، ولا تقوموا بأي فعلٍ أو عملٍ، ولا تُبدوا رأياً أو قولاً في قضيةٍ.. حتى يحكمَ الله ورسوله بها، واحذروا مخالفة أمره ونهيه سبحانه وتعالى.. فالله يعلم وأنتم لا تعلمون. وبذلك، فقد وجب على كل مسلمٍ مؤمن، تسليماً مطلقاً لله عزّ وجلّ، ولحكمه ومنهجه ودينه.. وجب الأمرُ الذي يفرض اتّباعاً خالصاً لما جاء به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، من غير أي حرجٍ نفسيّ، لأن ما جاء به عليه الصلاة والسلام، هو الحق من رب العالمين:

(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65).. هكذا إذن: (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)!.. ويتأكد لنا ذلك في قوله أيضاً تبارك وتعالى:

(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب:36).. هكذا أيضاً، فمَن لا يلتزم بالتسليم المطلق لله ورسوله: (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)!..

كما استوجب ذلك كله من المسلم المؤمن: الأدب الجمّ تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو ناقل الشرع والمنهج عن الله سبحانه وتعالى.. فكانت الطاعة المطلقة لله ورسوله، من علامات صحّة الإيمان أولاً.. ومن علامات تقوى الله عزّ وجلّ ثانياً!.. ومَن لا يتأدّب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد أغضب الله سبحانه وتعالى أولاً، ونقض أركان الإيمان ثانياً، وأخرج نفسَه –الآثمة- من دائرة التقوى ثالثاً.

*     *     *

بعد نزول ما ذكرناه آنفاً من آياتٍ كريماتٍ وغيرها، كان صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشون في كل أقوالهم وأفعالهم، أن تكونَ (تَقَدُّماً بين يدي الله ورسوله)، فما عاد أحد منهم يُدلي برأيه في حُكمٍ أو أمرٍ قبل أن يرجعَ إلى حكمهما (أي إلى حُكْمِ الله ورسوله):

[عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، قال: خَطَبَنا النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم النّحر، فقال: أتدرون أيّ يومٍ هذا؟ قلنا: اللهُ ورسولُهُ أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النّحر؟ قلنا: بلى، قال: أيّ شهرٍ هذا؟ قلنا: اللهُ ورسولُهُ أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس (ذو الحجة)؟ قلنا: بلى، قال: أيّ بلدٍ هذا؟ قلنا: اللهُ ورسولُهُ أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا: بلى، ..] (أخرجه البحاريّ).

وهكذا.. فقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتحرّجون من الإجابة، على الرغم من معرفتها!.. ولنا أن نلاحظَ قولَهم: (اللهُ ورسولُهُ أعلم)، وذلك خشيةً من أن يكونَ قولُهُم (تَقَدُّماً بين يدي الله ورسوله)!.. إنه التأدّب الرفيع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم!..

*     *     *

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات 2).

آية عظيمة، ومادّة رئيسية في دستور الله عزّ وجلّ لعباده المسلمين المؤمنين حق الإيمان.. مادّة تصدح بجوهر الإيمان الذي يُشرِق في القلب، فينعكس ضياءً والتزاماً على اللسان والسلوك.. يا أيها الذين آمنوا: إذا كلّمتم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فالتزموا الأدبَ الكامل، وحين مخاطبته لا تجهروا بالقول كما يجهر بعضكم لبعض، وخاطبوه بما هو أهل له (يا رسولَ الله.. يا نبيّ الله)، وبما يميّز مقامَه عن مقامكم، لأنكم إن اقترفتم ذلك، فقد يسوقكم هذا السلوك إلى الاستخفاف بمن يبلّغكم رسالة الله عزّ وجلّ، وبالتالي إلى الاستخفاف بالرسالة ذاتها، وهذا سيؤدي إلى بطلان أعمالكم وضياعها، وذلك مُنزَلَق عَقَديّ خطير يوصلكم إلى الكفر المحبِط للعمل!.. فهل بعد هذا التحذير الحاسم القاطع أيّ تبريرٍ أو تسويف، يمكن أن يسوقَه إلينا أي جاهلٍ ضالٍّ مُضِلّ، يزعم العِلمَ أو الصلاح أو الإسلام أو الإيمان، ويستحق التربّع على كرسيّ المفتي الأول في البلاد؟!.. إنها الآية العظيمة التي جعلت صحابة حبيب الله صلى الله عليه وسلم يلجأون إلى الحيطة والحذر في أقوالهم وأفعالهم، فمنهم مَن أقسم ألا يكلّم رسول الله -عليه أفضل الصلاة والسلام- إلا سرّاً، كما فعل (أبو بكرٍ الصدّيق رضي الله عنه).. ومنهم من حرص على خفض صوته حتى يستفهمَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.. ومنهم مَن بقي خائفاً وَجِلاً من أن يَحبَطَ عَمَلُهُ، لأنّ صوته -في طبيعته وخَلْقه- جهورياً حادّاً، مثل (ثابت بن قيسٍ) رضوان الله عليه.. ومنهم.. ومنهم.. فمَن أنت يا (أحمد حسّون)؟!..

*     *     *

(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم: 3 و4).

آيتان عظيمتان أخريان، ومادّة رئيسية ثانية في دستور الله سبحانه وتعالى، تقطع بأنّ كلّ ما جاء به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، إنما هو وحي من عند رب العزّة عزّ وجلّ، ومَن يشكّ في هذا أو يشكِّك أو يستفتح بـ (لو) الشيطانية، ليفترض افتراضاً مناقِضاً لأصل الإيمان وأصل عقيدة الإسلام.. فإنه قد أخرج نفسَه من دائرة الإسلام، ناقضاً أركان الإيمان، مستهتراً بالله ورسوله، ودينه ومنهجه.. فأي دركٍ وصلتَ إليه يا (أحمد حسّون)؟!..

*     *     *

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المائدة: من الآية17).. آية عظيمة أخرى، تُدَعِّمها الآية الكريمة: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة:73).. ويُدَعِّم الآيتين الكريمتين كذلك، ما جاء في فاتحة الكتاب: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:6 و7).. فماذا تقول يا مفتي سورية (أحمد حسون)، بعد قولك للوفد الأميركيّ الذي زارك –منذ يومين- في مقرّ وزارة الأوقاف بدمشق، برئاسة الحاخام اليهوديّ (مارك غوبن).. بعد قولك الغريب عن أسس الإسلام ومفهوم المسلم التقيّ والمؤمن الحق: [لو طلب مني نبيّنا أن أكفرَ بالمسيحية أو اليهودية لكفرتُ بمحمد)!.. وبعد افترائك: [أمَرَنا الإسلامُ بالمحافظة على المسيحية واليهودية]!..

من الواضح، أنّ المفتي المتشيّع، مفتي النظام السوريّ، وأحد رعاة المشروع الشيعيّ الفارسيّ في بلاد الشام، المدعوم من قِبَلِ ذلك النظام -الحليف الاستراتيجيّ للفرس الصفويين-.. هذا المفتي الذي شتم صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم أجمعين- وانتقص من قَدْرِهِم مراتٍ عدّة، في خُطَبِه ومقابلاته الصحفية (لاسيما مقابلاته مع الصحافة الإيرانية).. من الواضح أنّ هذا المفتي المزعوم.. لم يعد له عدوّ سوى أهل السنّة والجماعة، وأصبح ممّن ينطبق عليه القول: (مَن عاشر القومَ أصبح منهم)، وهكذا هي حال مَن يعاشر المُضلِّين، من شتّامي الصحابة رضوان الله عليهم، ومحرِّفي دين الله عزّ وجلّ، وحلفاء (الضالّين) و(المغضوب عليهم) على مَرّ التاريخ: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)؟!.. (الجاثـية:23).

       

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام