سُمم عرفات؟ وهل ثمة دور فرنسي

سُمم عرفات؟ وهل ثمة دور فرنسي

د. ياسر سعد

[email protected]

تُحتل بلادنا وتنهب ثرواتنا وتدمر مدننا ومخيماتنا على رؤوس الابرياء من ساكنيها ويأتينا المبعوث الامريكي ليعنف حكامنا على الملأ وتمنع الخارجية الامريكية قادة العرب من عقد القمة او من الاتصال بعرفات عندما كان محاصرا في المقاطعة في رام الله فيستجيب الحكام وهم صاغرون. وتفتك القوات الامريكية في الفلوجة وتعيث فيها قتلا وإفسادا وترسل الخارجية الامريكية مذكرة للحكومات العربية بعدم التطرق الى مجازر الفلوجة –حسب موقع إسلام اونلاين- فتنصاع تلك الحكومات للمذكرة فلا تسمع لها حتى همسا. وتنعقد مراكز التخطيط الاستراتيجية في امريكا وغيرها من دول الغرب ترسم مستقبل بلادنا ونرى بعد ذلك بسنوات معدودات او ربما أقصر تلك الدراسات على ارض الواقع حقيقة ملموسة. مع كل ذلك أكثر يُفترض فينا ألا نفكر ونتدبر تداعيات الاحداث ونرصد ما يدور حولنا وإلا أتهمنا بأننا من أنصار نظرية المؤامرة.

وعلى الرغم من قناعتي الشخصية بأن كثيرا من الامراض والعوارض التي تعاني منها بلادنا وأُمتنا هي من عند أنفسنا وان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم فأن ذلك لا يمنع من التأمل في الاحداث الجسام التي تدور علينا أو من حولنا. وأذا كانت نظرية تسميم الزعيم الفلسطيني عرفات قد تعرض لها كثير من الكتاب المعتبرين وبأسلوب علمي رصين مثل الطبيبة الفلسطينية غادة الكرمي والتي كتبت مقالا قيما في "الحياة" اللندنية تحت عنوان من قتل عرفات, فأنني سأكتفي بسؤال ربما يعتبره الكثيرون خارج سياق المنطق : هل ثمة دور فرنسي في التغطية على تسميم عرفات والتخلص منه مما سبب بهجة عند الحكومة الاسرائيلية لم تحاول إخفائها وتفاؤل أمريكي لا يليق بطبيعة الحدث من الناحية الانسانية البحتة عبر عنه جورج بوش بأمله بتولي قيادة فلسطينية جديدة قادرة على صنع السلام مع شارون أو بالاحرى مستعدة للتنازل عن كل شئ علها تناول الوصف والتقييم الامريكي لكرازي وعلاوي واللذان لا ينفك الرئيس الامريكي ينعتهما بالشجاعة. دعونا نستذكربعض ما مضى و لنتوقف قليلا عند النقاط التالية:-

- سمحت السلطات الاسرائيلية للراحل عرفات بالسفر دون تردد صوب فرنسا وهي التي تحاصره وتضيق عليه وتهدده بالاغتيال منذ عدة سنوات متأكدة من أنه لن يعود حيا مما حدا بالرئيس المصري الاتصال بشارون شاكرا له إنسانيته.

- تعرضت فرنسا لحملة إبتزاز إعلامية إسرائيلية مركزة تحت عنوان معاداة السامية كان أبرز محطاتها دعوة شارون اليهود الفرنسيين للهجرة الى فلسطين المحتلة, وتم استغلال بعض الاعتداءات على المصالح اليهودية كوقود لتلك الحملة. مع كل المبالغة والتهويل في تلك الحملة رغم تكشف الكذبة الكبرى ليهودية فرنسية (ماري لوبلان) زعمت تعرضها لاعتداء في القطار من شبان يحملون ملامح عربية مما أدى حينها بشيراك ولكبار الرسميين الفرنسيين للتنديد بالحادثة, وفي سياق أخر تعرض مركز يهودي للحرق والاعتداء واذا بسلطات الامن الفرنسية تعتقل حارس المركز متهمة أياه بارتكاب الحادث. على الرغم من كل ذلك فلم نسمع صوتا إسرائيليا واحدا ولومن التيارات المتطرفة وما أكثرها يعتب على فرنسا والتي تنتشر فيها موجة معادة السامية كما يزعمون لاستضافتها الارهابي عرفات!! والاحتفاء الكبير به ومحاولتها معالجته.

- إختيار السلطات الفرنسية مستشفى عسكري حيث يخضع الاطباء للاوامر والقوانين العسكرية الصارمة والتي تحؤول دون تسرب الاخبار والتقارير الطبية والتي ستحدث لو كان عرفات نزيل مستشفى مدني تغلب فيه على الاطباء تقاليد المهنة على الحسابات السياسية الدولية أو الرسمية.

- عبد الباري عطوان رئيس تحرير القدس العربي الواسع الاطلاع والقريب من مراكز اتخاذ القرار الفلسطيني كتب عن ذكرياته يرثي عرفات في صحيفته في 12-11-2004 يقول "من اكبر اخطاء الرئيس عرفات في تقديري كان زواجه من السيدة سهي عرفات ليس لفارق السن، وتناقض الخلفيات الاجتماعية، وانما لان هذا الزواج فرض عليه فرضا، والقصة معروفة،" سهى عرفات التي لم يحدد لنا عطوان الجهة التي فرضتها على عرفات لعبت دورا رئيسيا في الحصار المضروب على المعلومات المتعلقة بصحة عرفات مستفيدة من قانون فرنسي شرحته لها جهات مطلعة, فكيف لامرأة أنيقة تهتم بأحدث صرعات الموضة أن تعرف أدق تفاصيل القانون الفرنسي إن لم يكن ذلك لامر مبرمج. والجميع يتذكر تصريحاتها الغريبة والتي بثتها قناة الجزيرة’ فهي لا تريد لأي من المسؤولين الفلسطينين القدوم لباريس للاطلاع على المعلومات الطبية حول الرئيس عرفات. الغريب أن الناطق باسم المستشفى دعم موقف سهى الطويل وصرح وهو المقل في تصريحاته عشية وصول الوفد الفلسطيني لباريس أن وضع عرفات الصحي لا يسمح بتعدد بالزيارات, إذا كان عرفات في غيبوبة وقتها أو في موت سريري فكيف ستضيره تلك الزيارات؟

- الوفد الفلسطيني وبعد لقائه بالرسميين الفرنسيين وعاد وُسمح له بزيارة عرفات رغم النصيحة الطبية العسكرية الفرنسية السابقة ورغم القوانين الفرنسية والتي تضع الامر في يد زوجته وكان احدى أول تصريحات نبيل شعث بعد تلك الزيارة إن عرفات لم يُسمم.

- نقلت رويترز تقريرا حول غموض أسباب وفاة عرفات جاء فيه "والآمال في حل هذا اللغز ضعيفة. وكبير الاطباء الفرنسيين الذي أعلن وفاة عرفات في الساعات الاولي من صباح الخميس مقيد بقوانين السرية التي لجأت اليها أرملة عرفات والتي تمنعه من الكشف عن تفاصيل. ويقول مساعدو عرفات الذين أثاروا ارتباكا في العالم باعطاء معلومات متضاربة حول صحة عرفات حتي اللحظة الاخيرة انه لا يوجد تشخيص للمرض الذي سبب وفاته. ولم تلق الدعوات المطالبة بمزيد من الشفافية اذنا صاغية. وقال أشرف الكردي وهو طبيب أردني عالج عرفات لحوالي 25 عاما لرويترز من الضفة الغربية اليوم الجمعة لا يوجد تشخيص بعد ومعروف من الناحية الطبية أن الاطباء يجرون تشريحا عندما لا يكون هناك تشخيص .وقال الكردي الذي يشعر علي ما يبدو أنه أبعد بعد نقل عرفات الي باريس أطالب بتحقيق في مرض الرئيس عرفات وبتحقيق لمعرفة سبب وفاته". لاحظ الاحساس العميق لدى الكردي بأن عرفات حوصر في فرنسا محتضرا وميتا, ولماذا تجاوزت فرنسا رفض سهى الطويل لزيارة الوفد الفلسطيني لعرفات وتمسكت تماما بطلبها الغريب عدم الكشف عن طبيعة مرض؟.

هل قامت فرنسا بدور في التكتم على عملية تسميم عرفات ومحاصرته مريضا وميتا وتغيبه عن الساحة في توقيت مختار بدقة؟ ليس من السهل الاجابة على هذا السؤال. غير ان المعطيات السابقة والادوار التاريخية الفرنسية من سايكس بيكو الى دور مخابراتها المفترض في تدمير المفاعل النووي العراقي والذي ساهمت الخبرات الفرنسية في بنائه إلى مساهمتها الفعالة في إلغاء الاختيار الانتخابي الجزائري في مطلع تسعينات القرن الماضي يفرض على الحدث علامات إستفهام كبيرة.

المطلوب من السلطات الفرنسية توضيح موقفها والكشف وبشكل سريع عن خفايا وخبايا ما حدث وعن ما يتناقل عن حسابات سهى الطويل السرية في بنوكها وألا فان على السلطات الفرنسية تحمل مسؤولياتها الادبية والمعنوية في عملية التسمم المفترضة.