تصفية الحسابات القديمة
على الأراضي السورية
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
لست أدري هل النظام في دمشق يعي حقيقة الوضع , أم يعلم بذلك الأمر وليس أمامه إلا هذا المسار خوفا على النظام وليس حرصا على الوطن .
عندما استلم بشار الأسد الحكم في سورية خلفا لأبيه واحتفالا بهذه المناسبة كان ممن قدم له ولاء الطاعة حزب الله في لبنان بآلاف من عناصر الحزب بلباسهم العسكري وقياداته سنة 2000.
والسؤال الذي أثير في النفس بذلك الوقت وقد ظهر جليا عند البعض:
ما هو سر ولا ء تقديم الطاعة تلك من قبل حزب الله لبشار الأسد ؟
الكل يعرف أن سبب الولاء ذلك كان منحى طائفي بحت بسبب التقارب المذهبي لتستمر العلاقة قوية بين الطرفين .
العلاقة الأخرى والتي تشمل مختلف التعاون الثقافي والفكري والسياسي والإقتصادي وحرية التحرك المذهبي داخل المجتمع السوري من قبل طهران لتغيير الطبيعة الديمغرافية للمجتمع السوري .
على مرأى وسمع النظام الحاكم وبمساعدته مع الفرق الشاسع بين الإيديلوجيتين في طهران ودمشق .
فالأول يتلبس الثورة الإسلامية ذات الطابع المذهبي الشيعي الفارسي والمعادي للعرب وهوالعدو الأوحد له , وبين إيديلوجية حزب البعث المتمثل بالحزب العلماني الإشتراكي والقومي العربي .
وحرية الحركة التي يتمتع بها الإيرانيون في سورية والعلاقات الإقتصادية والتعاون الإستراتيجي بين الطرفين أصبحت معظم المواقع الحساسة في الدولة السورية يتحكم بها الإيرانيون لتصل هذه اليد إلى الحلقات الأمنية القائم على أساسها النظام .
مما جعل السياسة السورية مرهونة بيد طهران وليست بقادة دمشق .
في هذه السيطرة الإيرانية يبدو أن النظام قد ضاق ذرعا بهذه السيطرة فلجأ إلى الجارة العدوة لإيران تاريخيا وهي تركية.
وهو السلوك المتبع في العصر الحديث عند الزعماء
ويطبقونه بين الحين والآخر وتكون النتيجة الإستعمار للبلد واستبدال عدو مكان آخر .
كما حصل بالثورة العربية الكبرى للتخلص من السيطرة العثمانية بمساعدة فرنسا وبريطانيا والنتيجة كانت الإستعمار وذرع الصهيونية في فلسطين وتقسيم الدولة العربية إلى دويلات متعددة .
وكان آخر ها طلب المعارضة العراقية احتلال العراق وتمزيقه إلى دويلات وحرب طائفية وأنهار من الدماء .
فلمحة سريعة عن المحيط الجفرافي السكاني لسورية من الناحية الطائفية داخليا وخارجيا هي الآتي :
الحدود الشمالية الغربية يحدها لواء اسكندرون ذو الأغلبية الطائفية من العلويين(النصيرية) وتمتد لعمق الساحل السوري .
والحدود الشمالية الشرقية حتى العراق يتوزع الأكراد بنسبة كبيرة في تركية وسورية .
والحدود الشرقية عندنا العراق والمحافظات السنية فيها والمجاورة لسوريه .ومن الجنوب الأردن وفلسطين ولبنان .
الخطر الكامن في تلك التركيبة الإجتماعية الخوف من تفعيل عناصر الفتن والإقتتال الطائفي ودخول تلك العناصر في معترك تلك الحرب .
فالمهاجرون العراقيون الموجودون في سورية وعددهم بالملايين معظمهم ينتمون للمذهب الشيعي والغالبية العظمى من الشيعة والذين يعتبرون إيران هي الرأس والعقل والسيطرة الروحية والعقدية على تلك الطائفة أينما وجدت .
العداء التاريخي بين العثمانيين والفرس له أصول وثوابت , وكانت الدولة الصفوية
العدو الذي يطعن الدولة العثمانية من الظهر بتبديد قوتها بين الشرق والغرب عندما كان هدف العثمانيين فتح أوروبا .
ولكن موقف الدولة الصفوية المناهض للعثمانيين والمتعاون مع الغرب هو الذي أضعف الدولة العثمانية .
النفوذ الإيراني العميق في سورية والنفوذ التركي القادم إليها بقوة لن يبق بعيدا عن المنافسة بين الدولتين .فكل دولة لها استراتيجية تختلف عن الدولة الأخرى , ولا توجد أهداف مشتركة بين الفريقين , سوى مصالح آنية يمكن أن تتبدل في أي لحظة كانت .
الصراع بين الدولتين على أرض الوطن السوري قادم لامحالة ويمكن أن ينفذ بأيدي سورية كالحاصل في العراق الآن سورية تبنت المقاومة السنية وإيران تبنت الحكومة الشيعية والخاسر هو العراقي فقط.
في الجانب الآخر عندما تجد الدول الغربية وإسرائيل أن الدور الإيراني قد انتهى وأصبح يشكل خطرا على المصالح الإسرائيلية والغربية سوف تورط إيران سورية بمعركة بالنيابة عنها مقرها الأراضي السورية واللبنانية.
من السهولة بمكان أن تستقطب تركية السنة لصالحها , كما من السهولة نفسها استقطاب الفرس الطائفة الحاكمة والمتشيعون الجدد .
وليس من الصعوبة أن تلعب تلك الأطراف أو أي طرف لعبة العزف على المنوال الطائفي المذهبي وتصفية الحسابات القديمة والسيطرة على المكان وتأمين المصالح.
ولكي يعي النظام السوري هذه الحقائق الموجودة على الأرض , وإن كان همه مصلحة الوطن السوري فعليه أن يسعى بأقصى سرعة لتفادي الخطر القادم .
أما إن كان همه فقط بقاء النظام كما هو والسكوت على جمع الأعداء على طبق واحد فلن يكون النظام محميا أيضا .
ولا يوجد أمام النظام في سورية إلا حل واحد يستطيع من خلاله تفادي العبث بالوطن والبعد عن الحرب الأهلية وذلك من خلال إزالة الشحن الطائفي من النفوس المتوطدة في نفس المواطن السوري .
والموجودة حاليا في سورية حتى بين معتنقي المذهب الواحد (المتطرف والمعتدل القومي والأممي العلماني والإسلامي) .
فهل يعي النظام حقيقة أن الحل لايمكن إلا عن طريق إلغاء القوانين العرفية وقانون الطواريء وملحقاته وحرية تشكيل الأحزاب السياسية بدون خطوط حمراء ولا خضراء ولا زرقاء .
هل ستكون عنده الجرأة الكافية على فعل ذلك أم سيترك الأمور تسير باتجاه الهاوية؟
فليس من المهم أن تقف ضد الطائفية ولكن المهم أن تلغي أسباب الحرب الطائفية
كما عبر بالمعنى كونفشيوس (إن أطعمت فقيرا سمكة فقد كفيته شر الجوع مرة واحدة ولكن إن علمته صيد السمك فإنك تكفيه شر الجوع مدى الحياة)