قادة البيت الأبيض هل سينفذون من الملاحقة والعقاب

قادة البيت الأبيض هل سينفذون

من الملاحقة والعقاب؟

سميرة رجب - صحافية من البحرين

[email protected]

بعد ست سنوات (2001 - 2007) من سلسلة الحروب المدمرة للبشرية على المستوى الإنساني والأخلاقي والسياسي، والحروب "الاستباقية والوقائية"، والحرب على "الإرهاب"، و"السجون الطائرة"، وممارسات أبشع وسائل التعذيب.

بعد كل هذا التاريخ الحافل بالمآسي البشرية التي مازالت مستمرة على كوكب الأرض بالإرادة واليد الأمريكية والبريطانية، أصدر جورج بوش، يوم الجمعة 20 يوليو (تموز) 2007، قراراً يأمر وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي أي) والقوات الأمريكية المنتشرة في العالم بالالتزام باتفاقيات جنيف لحقوق الإنسان في ملاحقاتها للأفراد وحروبها ضد الدول والجماعات، وفي سجونها الطائرة والموزعة في أقاصي الأرض وفي الدول الواقعة تحت احتلالها، وفي ممارسات التحقيق والتعذيب بسجونها!!..

ويأتي هذا القرار ضمن سلسلة من القرارات الأمريكية الصادرة مؤخراً، التي يعد بها الرئيس جورج بوش ترتيبات انتهاء ولايته وخروجه من البيت الأبيض، من ضمنها قرار الإفراج عن أفواج من المعتقلين في غوانتنامو، والدعوة إلى عقد اجتماع دولي لحل القضية الفلسطينية، بينما عمق الأزمة الأمريكية في العراق وأفغانستان يعيق إصدار أي قرار يراه الرئيس بوش صالحاً لترتيباته تلك حتى الآن، فمازالت بيوت الدراسات الاستراتيجية تعمل للوصول إلى قرار في هذا الشأن يمكن كحد أدنى، أن يحمي الرئيس الأمريكي ونائبه من الملاحقة والمحاسبة على ما اقترفاه من جرائم حرب خلال السنوات الستة الماضية في هذين البلدين!!.

إذن كل ما يهدف إليه الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني من هذه القرارات هو إنقاذ نفسيهما من الملاحقات القانونية والدولية، الرسمية والشعبية، التي هما متأكدان أنها ستأتي في جميع الأحوال مع انتهاء ولايتهما من جهة، ومع انتهاء الحالة الاحتلالية لهذه الدول من جهة ثانية. ويبدو إن هذا الهاجس بات أقوى لديهما من هاجس حفظ ماء الوجه وتحسين تاريخهما السياسي الذي ألحق العار بتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، وبالأخلاقيات الغربية عموماً، السياسية منها والإنسانية، بعد أن باتت الديمقراطيات الغربية، بفضل سياسات الرئيسين "لمحترمين" بوش وبلير، عنواناً لاستعمار الشعوب واضطهادها وسرقة ثرواتها، بأدنى الأساليب الأخلاقية وضاعة، بالكذب والقتل والإبادة الجماعية والتعذيب والتشويه، وزرع الفتن والأمراض، وبقوة أبشع أنواع أسلحة الدمار الشامل فتكاً، الكيمياوية منها والإشعاعية والحارقة. فهل سيحصل الرئيس ونائبه على هذا الأمان يا ترى؟!.

يرجعنا هذا الحديث إلى الجرائم الأمريكية البريطانية في العراق، بدءاً بجريمة استعمال اليورانيوم المنضب في قصف المدن والقرى العراقية وما ترتب على ذلك من مآس ستستمر على مدى مئات السنين في تلك المناطق، وليس انتهاء بعذابات وفظاعات التعذيب في السجون الأمريكية من معتقل أبو غريب في بغداد إلى معتقل "بوكا" في البصرة وما بينهما من سجون سرية منتشرة فوق وتحت الأرض العراقية يتعذب بها أكثر من 30000 (ثلاثين ألف) معتقل من رجال ونساء وشيوخ وأطفال العراق، من دون تهمة محددة أو محاكمة، مروراً بتشرّد وهجرة ما يقارب 5 ملايين عراقي في كل بقاع العالم، ليصبحوا شهوداً على تدني الغرب الديمقراطي المرتزق على عذابات شعوب العالم الآخر.

ويرجعنا هذا أيضاً للحديث عن تقرير مجلة "ذي لانست"، التي يصفها الكاتب الأمريكي مايكل شوارتز بأنها تعد "أكثر المجلات الطبية البريطانية وقاراً".. ذلك التقرير الشهير الصادر بتاريخ 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2006، الذي فجع العالم بالاستنتاجات التي جاء بها من خلال دراسة ميدانية معمقة تؤكد أن 600000 (ستمائة ألف) عراقي قتلوا خلال 39 شهراً منذ بدء غزو واحتلال العراق (مارس/آذار 2003 – مايو/أيار 2006)، أي بمعدل 15000 (خمسة عشر ألف) قتيل في الشهر، أي 500 قتيل في اليوم، والمعدل في ازدياد حسب التقارير الإخبارية التي نشاهدها كل يوم، أما أسباب الموت فإنها تتوزع ما بين الذخيرة الحية والطلقات النارية، وبين (فرق الموت) والميليشيات وتفجير السيارات والضربات الجوية.

وفي مقال للكاتب الأمريكي، مايكل شوارتز، بعنوان "كم يقتل الأمريكيون من العراقيين كل شهر..؟!" (العرب الأسبوعي، السبت 21 يوليو/تموز 2007) يقول الكاتب "غير أن وسائل الإعلام الإلكترونية والمطبوعة لا تخبرنا ببساطة أن الولايات المتحدة تعمد إلى قتل كل هؤلاء الناس، فنحن نسمع الكثير عن الانتحاريين بالسيارات المفخخة وفرق الموت ولكن لا نسمع إلا القليل عن أمريكيين يقتلون عراقيين باستثناء حكاية الإرهاب العربي، بل حتى أكثر من هذه القصة المروعة".. وحول "كيف تكون الولايات المتحدة الأمريكية بصدد ارتكاب هذه المجزرة؟، ولماذا لا تحظى بما تستحق إعلامياً؟.."، يأتي الكاتب بإجابات من خلال دراسات أخرى، وأهمها ما صدر من إحصائيات ينشرها الجيش الأمريكي، وتنقلها عنه "مؤسسة بروكينغز للدراسات"، تقول هذه الإحصائيات إن "طوال السنوات الأربع الماضية دفع الجيش الأمريكي بأكثر من ألف دورية في اليوم إلى المناطق والأحياء المعادية للقبض على المتمردين والإرهابيين أو قتلهم، (ومنذ فبراير/شباط 2007 حتى اليوم ازداد العدد إلى زهاء 5000 دورية يومياً، إذا ما ضممنا الوحدات العراقية في التعزيز الأمني الأخير للقوة الأمريكية)، فآلاف الدوريات هذه تحولت بانتظام إلى آلاف من حالات قتل العراقيين"، أي إذا قتلت الدورية الواحدة في كل طلعة في اليوم عراقي واحد يعني أن هناك 5000 قتيل عراقي يومياً، وهو المعدل الجديد لعدد القتلى في العراق حالياً.

ويصف الكاتب هذه الجريمة بـ "الوحشية الرهيبة"، ويقول "وهذه الوحشية تصبح منطقية تماماً حال ما تدرك الغرض والسيرورة من هذه الدوريات، فالجنود ومشاة البحرية الأمريكية هنا يرسلون للتجمعات السكنية المعادية حيث يساند جميع السكان حركة المقاومة، وغالباً ما تكون لديهم قوائم بعناوين مشتبه بهم، ومهمتهم هي استجواب أو اعتقال أو قتل المظنون بهم، ويعمدون إلى تفتيش البيت عن أدلة تجريم ولاسيما الأسلحة والذخيرة وأيضاً سائر أدبيات وتجهيزات الفيديو والأشياء الأخرى التي تعتمدها المقاومة في أنشطتها العسكرية وعندما لا تتوافر لديهم قوائم المشتبه بهم فإنهم يداهمون المنازل بيتاً بيتاً بحثاً عن أي شيء أو سلوك مشتبه به بما في ذلك الأفراد أو ما يمكن أ ن يشكل أدلة.

وفي هذا السياق فإن أي رجل قادر على القتال لا يكون مجرد مظنون به، وإنما عدواً قاتلاً محتملاً، ويُبَلّغ جنودنا بأن لا يعتمدوا على الصدق، ففي الكثير من الحالات فإن طرق الأبواب قد ينجم عنه إطلاق الرصاص عبرها، والتعليمات الصادرة إليهم تكون عندها هي استخدام عنصر المباغتة كلما بدا الموقف خطيراً بكسر الأبواب وإطلاق النار على كل ما يثير الشبهة وإلقاء القنابل اليدوية بالغرف أو البيوت التي قد يأتي منها أي نوع من المقاومة، وعندما تتصدى لهم مقاومة ذات شأن فبوسعهم الاستنجاد بالمدفعية أو القوة الجوية بدلاً من اقتحام المبنى (...)، وإن لم يجدوا أي مقاومة تعمد هذه الدوريات إلى اعتقال 30 أو نحو ذلك من المشتبه بهم، أو يفتشون عدة عشرات من المنازل في أيام العمل"..

ويؤكد الكاتب أن دورياتهم، "إذا ما تعرضت سيارة هامفي للتفجير، أو إلى رصاص قناص، تداهم 30000 بيت في اليوم الواحد، ويضربون ويعتقلون ساكنيها، هذا بجانب ما يمارسوه من إطلاق نار عشوائي في حالات الارتباك المستمرة في المداهمات، حيث في هذه الحالات تكون الأولوية لسلامة الجندي الأمريكي، ولا وجود لسلامة العراقي في قائمة الأولويات الأمريكية".

يا ترى ما الذي سيمحي هذه الجرائم والوحشية من الذاكرة والضمير والقلب قبل العقل العربي، إن كانت جرائم التتار والصليبيون والصفويون مازالت أصداؤها تتفاعل وتتداول أدبياتها بين أيدينا كل يوم؟؟!!

وهل يمكن أن يفلت قادة البيت الأبيض من المحاسبة على جرائمهم ووحشيتهم هذه؟؟..