الحرب الصليبية على سوريا.. محاولة لفهم ما يحدث

الحرب الصليبية على سوريا..

محاولة لفهم ما يحدث

محمود القاعود

[email protected]

" لتكن حربا صليبية" هكذا أعلن الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ، غداة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م التى استهدفت مركز التجارة العالمى فى نيويورك ووزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" ..

لم تكن زلة لسان من بوش .. فكما يُقال .. المرء مخبوء تحت فلتاتِ لسانهِ .. برهنت الحرب الصليبية على أفغانستان  على ما قاله بوش .. استخدم الأمريكان أحدث أسلحة القتل والترويع والهدم والفتك ضد المسلمين فى أفغانستان بزعم محاربة "الإرهابيين" الذين هاجموا أمريكا !

انتقلت الحرب من أفغانستان إلى العراق بزعم نزع "أسلحة الدمار الشامل" التى يمتلكها صدام حسين ! لم يكن لدى العراق أية أسلحة .. رغم ذلك خرج وزير الخارجية الأمريكية آنذاك "كولن باول" ليدعي كذبا وزورا أن صدام يضع أسلحة الدمار الشامل فى عربات كارو وسيارات نصف نقل !

بدأت الحرب الصليبية الأمريكية ضد العراق فجر 20 مارس 2003م .. كان حصادها قتل مليون عراقي .. و3 مليون  أرملة .. وهدم البني التحتية للعراق .. وإبادة قرى ومدن باكملها كما حدث فى الفلوجة التى دكها الأمريكان بالقنابل العنقودية والهيدروجينية .. وحدثت عمليات تهجير كبرى للعراقيين .. أدت لتغلغل إيران بكل ثقلها داخل العراق .. حتى أضحت بغداد وكأنها مدينة إيرانية !

رحل بوش عن رئاسة الولايات المتحدة .. وجاء أوباما الذى سارع العرب باعتباره "محمد الفاتح" ! إلا أن أوباما لم يختلف فى شئ عن سلفه بوش ..

كان الربيع العربى مفاجئا لدول الغرب وأمريكا .. هرب زين العابدين بن على من تونس .. وخُلع حسني مبارك من مصر .. وقُتل معمر القذافي فى ليبيا .. وحُرق على عبدالله صالح فى اليمن .. كانت الموجة الثورية عاتية تكتسح فى طريقها أعداء الروح والحرية والإنسانية .. وبالتوازي .. كانت الشعوب تصوت للتيار الإسلامى وتمنحه ثقتها .. فكان القرار الأمريكي الأوروبى الخليجي بعمل ثورة مضادة تلتف على هذه الثورات وإعادة أنظمة أشد بشاعة وقسوة وديكتاتورية من الأنظمة السابقة ...

مثّل بشار الأسد الحصان الأسود .. للمتآمرين على الشعوب .. فبشار له رمزية خطيرة للغاية .. إذ أنه يُمثل حكم أسرة تحتكر الثروة والسلطة فى سوريا منذ نصف قرن .. ورحيله يعنى انتصار الحق على السيف .. ويُغري الشعوب العربية التى تخضع لأسر تشابه أسرة بشار أن تثور وتطالب بحريتها .. فكان الدعم الهائل لبشار .. والسماح له بقصف السوريين وقتل كل من يعترض .. منذ 18 مارس (آذار) 2011م .. لم يتوقف بشار عن قتل السوريين المنادين بالحرية .. استخدم كل أنواع الأسلحة ضدهم بداية من القنص وقطع الأعضاء الذكورية .. مرورا بالذبح بالسواطير والسكاكين والمناشير وحتى براميل البارود والأسلحلة الكيمائية وغاز الكلور والأعصاب ..

العديد من المناطق فى سوريا سُويت بالأرض .. الغرب أعطى الضوء الأخضر لنظام القتل والهدم ليستمر فى عمله الإجرامى البشع .. وعندما لاحت فى الأفق بوادر تحرر مناطق عديدة من تحت سيطرت بشار .. وسيطرة حركات إسلامية عليها .. هنا هب الغرب لاختراع خطر .. تماما كما اخترعوا أكذوبة أسلحة الدمار الشامل فى العراق .. فزعموا أن تنظيم "داعش" الدولة الإسلامية فى العراق والشام .. يُهدد مصالح الغرب ويجب أن يحاربوه !

على الفور اجتمع مجلس الأمن الذى ترك الشعب السوري يتعرض للإبادة منذ 2011 .. ليصوت على قرار يسمح بضرب كل التيارات الإسلامية فى سوريا .. واختفت مسرحية "الفيتو : الروسي – الصيني " ..

بدأت الحرب الصليبية التترية ضد سوريا فى 23 سبتمبر 2014م بمعاونة دول عربية لمواجهة "الإرهاب" ! وأكثر من ذلك أن الغرب يُنسق مع بشار الأسد .. الذى استعادت قواته السيطرة على مناطق قصفتها القوات الأمريكية – العربية ..

إن الحرب الصليبية التى تقودها أمريكا بمعاونة دول عربية ضد سوريا .. هدفها مساعدة بشار الأسد ليستمر فى الحكم .. ولتبقى الجولان محتلة من قِبل إسرائيل .. ولتقسيم سوريا إلى دويلات .. وكل هذا وفق نبوءات  مزعومة توراتية وتلمودية .. تتحدث عن إسرائيل الكبرى .. "من النيل إلى الفرات " ..

إنه سيناريو مشابه تماما لما حدث للمسلمين فى الأندلس .. حيث استعان ملوك الطوائف بالصليبيين ضد بعضهم البعض من أجل الاستمرار فى الحكم .. فكان أن أبادهم الصليبيون وأقاموا لهم محاكم التفتيش ..

هل نتعلم من التاريخ ؟