إلى متى سنبقى أمة أمّية لا تقرأ
محمد فاروق الإمام
[email protected]
اتهم رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو محمود عباس بخرق التعهد بمنع ما
وصفه (التحريض ضد إسرائيل)، واشتكى للولايات المتحدة الأمريكية ضد محمود عباس،
ورئيس وزرائه سلام فياض لأنهما يتضامنان مع الشهداء ويواصلان التحريض ضد إسرائيل
ويدعمان المقاومة. ووفقاً لما ذكره تلفزيون الكيان الصهيوني فإن هذه الشكوى تأتي من
خلال إعطاء أبو مازن تغطية لفعاليات تحرض ضد إسرائيل لاسيما إحياء ذكرى الشهيدة
دلال المغربي إضافة إلى إطلاق شارع باسمها في رام الله. وقالت إسرائيل للولايات
المتحدة إن مثل هذا التحريض يضر بإسرائيل وهو خطير جداً، واشترطت ضرورة وقف حملات
التحريض.
أثارتني تصريحات (نتنياهو) وهو يشتكي
من عباس ورئيس وزرائه للولايات المتحدة لتحريضهما الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل، وهذا
يشكل خطراً وتهديداً لإسرائيل وأمنها، وخرقاً للتعهدات السابقة التي قطعها عباس
لإسرائيل – بحسب قوله – فماذا يريد الصهاينة من عباس وفريق السلطة في رام الله أكثر
مما قدموه ويقدموه من تنازلات على حساب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني؟!
الجواب هو في العودة إلى ما حذرنا الله
سبحانه وتعالى منه والتمعن في قوله:
(ولن
ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا
لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن
الله لا يهدي القوم الظالمين).
والاتعاظ بدروس الماضي، وما أسباب خبر سقوط بغداد بيد هولاكو عنا ببعيد، وكيف كانت
نهاية الخليفة العباسي الذي كان ينفذ طلبات هولاكو واحدة بعد الأخرى، حتى إذا لم
يبق لديه شيء أزهقت روحه وروح أولاده وحاشيته.
وقبل الحديث عن سقوط بغداد وما فعله هولاكو بالخليفة المستعصم بالله الذي قدم كل ما
طلبه منه، لابد من الوقوف قليلاً أمام حالة هذه الخلافة ووضعها الداخلي الذي يُحزن
العدو قبل الصديق.. كانت بغداد تعيش حالة مزرية، فقد تصدى للسلطة
حكام
انصرفوا إلى اللهو والمجون بعيداً عن كل القيم الإسلامية.. وأهملوا الأمور العسكرية
وإعداد الجيوش وآلة الحرب، ووضعوا الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب،
وتهاونوا في السهر على شؤون الحكم وأهملوا الرعية وأشاعوا بينها الظلم والمظالم
والفسق والفجور والملاهي، وأبعدوا عن مجالسهم العقلاء والحكماء والعلماء ونظيفي
اليد والشرفاء، وقربوا أهل المجون واللهو والغناء، والمتملقين والفاسدين والمطبلين
والمزمرين والطامعين والمتربصين.. وفوق كل ذلك تسريح الجيش وتقليصه من مئة ألف
مقاتل إلى عشرة آلاف فقط معظمهم لا يجيد القتال وفنه.. إلخ!!
وإليكم القصة علَّ أهل السلطة في رام
الله والحكام العرب يقرؤون ويتعظون:
أرسل هولاكو قبل غزوه للعراق رسالة إلى الخليفة العباسي المستعصم بالله رسالة في
(رمضان 655 هـ/آذار 1257م) يدعوه فيها إلى أن يهدم حصون بغداد وأسوارها ويردم
خنادقها، وأن يأتي إليه بشخصه ويسلم المدينة له، وأوصاه بأن يستجيب حتى يحفظ مركزه
ومكانته ويضمن حريته وكرامته، وإن أبى واستكبر فسيحل بأهله وبلاده
الدمار والخراب، ولن يدع أحداً حياً في دولته.
جاء رد الخليفة العباسي على كتاب هولاكو شديداً ودعاه
إلى الإقلاع عن غروره والعودة إلى بلاده، ثم أرسل هولاكو رسالة ثانية إلى الخليفة
ذكر له فيها أنه سوف يبقيه في منصبه بعد أن يقر بالتبعية للدولة المغولية، ويقدم
الجزية له؛ فاعتذر الخليفة العباسي بأن ذلك لا يجوز شرعاً، وأنه على استعداد لدفع
الأموال التي يطلبها هولاكو مقابل أن يعود من حيث أتى.
كان رد هولاكو على رسالة الخليفة أشد إنذاراً وأكثر وعيداً وفي لهجة عنيفة وبيان
غاضب وكلمات حاسمة؛ فحل الفزع في قلب الخليفة؛ فجمع حاشيته وأركان دولته واستشارهم
فيما يفعل؛ فأشار عليه وزيره (ابن العلقمي) أن يبذل الأموال والنفائس في استرضاء
هولاكو وأن يعتذر له، وأن يذكر اسمه في الخطبة، وينقش اسمه على السكة، فمال الخليفة
إلى قبول هذا الرأي في بداية الأمر غير أن مجاهد
الدين أيبك المعروف بـ(الدويدار الصغير) رفض هذا الاقتراح، وحمل الخليفة العباسي
على معارضته متهماً ابن العلقمي بالخيانة والتواطؤ مع هولاكو؛ فعدل الخليفة عن رأيه
السابق ومال إلى المقاومة.
يئس هولاكو من إقناع الخليفة العباسي بالتسليم؛ فشرع في
الزحف نحو بغداد وضرب حولها حصاراً شديداً، واشتبك الجيش العباسي الذي جهزه الخليفة
العباسي بقيادة مجاهد الدين أيبك بالقوات المغولية فكانت الهزيمة من نصيبه، وقتل
عدد كبير من جنوده لقلة خبرتهم بالحروب وعدم انضباطهم، وفر قائد الجيش مع من نجا
بنفسه إلى بغداد.
كان الجيش المغولي هائلا يبلغ حوالي 200 ألف مقاتل مزودين بآلات الحصار، ولم تكن
عاصمة الخلافة العباسية تملك من القوات ما يمكنها من دفع الحصار ودفع المغول إلى
الوراء، في الوقت الذي كان يظن فيه هولاكو أن ببغداد جيشاً كبيراً، ثم تكشفت له
الحقيقة حين اشتد الحصار، ونجحت قواته في اختراق سور بغداد
من الجانب الشرقي، وأصبحت العاصمة تحت رحمتهم.
أحس الخليفة بالخطر، وأن الأمر قد خرج من يديه؛ فسعى في
التوصل إلى حل سلمي مع هولاكو، لكن جهوده باءت بالفشل؛ فاضطر إلى الخروج من بغداد
وتسليم نفسه وعاصمة الخلافة إلى هولاكو دون قيد أو شرط، وذلك في يوم الأحد الموافق
(4 صفر 656 هـ/10 شباط 1258م) ومعه أهله وولده بعد أن وعده هولاكو
بالأمان.
كان برفقه الخليفة حين خرج 3 آلاف شخص من أعيان بغداد وعلمائها وكبار رجالها، فلما
وصلوا إلى معسكر المغول أمر هولاكو بوضعهم في مكان خاص، وأخذ يلاطف الخليفة
العباسي، وطلب منه أن ينادي في الناس بإلقاء أسلحتهم والخروج من المدينة لإحصائهم،
فأرسل الخليفة رسولاً من قبله ينادي في الناس بأن
يلقوا سلاحهم ويخرجوا من الأسوار، وما إن فعلوا ذلك حتى انقض عليهم المغول وقتلوهم
جميعاً.
ودخل الغزاة الهمج بغداد وفتكوا بأهلها دون تفرقة بين رجال ونساء وأطفال، ولم يسلم
من الموت إلا قليل، ثم قاموا بتخريب المساجد ليحصلوا على ذهب قبابها، وهدموا القصور
بعد أن سلبوا ما فيها من تحف ومشغولات قيمة، وأتلفوا عدداً كبيراً من الكتب القيمة
وألقوا بها في نهر دجلة، حتى ليقال إن ماء دجلة ظل يجري أسوداً لأيام من كثرة ما
ألقي فيه من كتب، وأهلكوا كثيراً من أهل العلم فيها، (وهذا ما حل ببغداد بعد ما
يقرب من 800 سنة عندما دخلتها جحافل الغزاة الأمريكيين وحلفائهم وعملائهم عام
2003م) واستمر هذا الوضع نحو أربعين يوماً، وكلما مشطوا منطقة أشعلوا فيها النيران،
فكانت تلتهم كل ما يصادفها، وخربت أكثر الأبنية وجامع الخليفة، ومشهد الإمام موسى
الكاظم، وغيرها من المعالم الإسلامية الشامخة التي كانت آية من آيات الفن الإسلامي.
وبالغ المؤرخون في عدد ضحايا الغزو المغولي حين دخلوا بغداد، فقدرهم بعض المؤرخين
بمليون وثمانمائة ألف نسمة، على حين قدرهم آخرون بمليون نسمة، وفي اليوم التاسع من
صفر/شباط دخل هولاكو بغداد مع حاشيته يصحبهم الخليفة العباسي، واستولى على ما في
قصر الخلافة من أموال وكنوز، وكانت الجيوش المغولية أبقت على قصر الخلافة دون أن
تمسه بسوء، ولم يكتف هولاكو بما فعله جنوده من جرائم وفظائع في العاصمة التليدة
التي كانت قبلة الدنيا وزهرة المدائن ومدينه النور، وإنما ختم أعماله الهمجية بحبسه
الخليفة المستعصم بالله مع كنوزه وأمواله التي جمعها أيام سلطانه وصولجانه، وأبقاه
في حبسه بلا طعام ولا ماء حتى أسلم الروح.
وبموت الخليفة العباسي في (14 صفر 656 ه /20 شباط 1258م) تكون قد انتهت دولة
الخلافة العباسية التي حكمت العالم الإسلامي خمسة
قرون من العاصمة بغداد.
ورحم الله شاعرنا الكبير (عمر أبو ريشة) الذي صور بشعره الذي لامس جرح الأمة أبلغ
تصوير عندما قال:
أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق خجلاً من أمسك المنصرم
ويكاد الدمع يهمي عابثاً ببقايا كبرياء الألم
ألإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم !؟
كيف
أغضيت على الذل ولم تنفضي عنك غبار التهم ؟
اسمعي نوح الحزانى واطربي وانظري دمع اليتامى
وابسمي
ودعي القادة في أهوائها تتفانى في خسيس المغنم
أمتي كم صنم مجددته لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدوَّ الغنم
فاحبسي
الشكوى فلولاك لما كان في الحكم عبيدُ الدرهم