حماس بين الظواهري وعباس

حماس بين الظواهري وعباس

خليل الصمادي

 [email protected]

عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ الرياض

صرح الشيخ أيمن  الظواهري الرجل الثاني في القاعدة أكثر من مرة أن حركة حماس بقبولها اللعبة الديمقراطية قد  فرطت بأربعة أخماس فلسطين، ونعاها أكثر من مرة، وربما قرأ الفاتحة عن روحها ، ولم يرضَ الظواهري عن حماس إلا مرة واحدة يوم  حسمت أمرها العسكري في غزة، ولكنه عاد كعادته يصب جام غضبه على الحركة لأنها اعتبرت أن الحسم العسكري ما هو إلا عملية جراحية اضطرارية من أجل القضاء على الفلتان الأمني ولا سيما أنها اعتبرت السيد محمود عباس ما زال يمثل الشرعية الفلسطينية كما أنها دعت إلى حوار وطني جاد بينها وبين حركة فتح  .

   وفي الوقت نفسه اتَّهم السيد محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية أن الحركة وفرت ملاذا آمنا للقاعدة في غزة!!

 جاءت اتهامات الظواهري منذ أمد بعيد أي منذ قبول حماس باللعبة الديمقراطية وربما قبلها إذ أن أداء أي حركة إسلامية خارج نطاق منهج وفكر القاعدة يعتبر خروجا عن أصل الإسلام وهدفه الجهادي.

 أما اتهامات عباس فجاءت متأخرة  جدًّا، أي بعد سقوط غزة المريع، ولا شك أنها اتهامات تحريضية كيدية ، وهي عبارة عن رسائل سريعة للمجتمع الدولي الذي يحارب القاعدة على قدم وساق منذ الحادي عشر من سبتمبر  مفادها احكموا الحصار على شركاء الأمس فقد رفع الغطاء عنهم .

 "احترنا يا قرعة منين نبوسك " مثل فلسطيني مشهور ينطبق بالواقع على حركة حماس فالمنهج الذي تسير فيه لا يعجب القاعدة وفي الوقت نفسه لا يعجب تيار أوسلو أو تيار أمريكا وإسرائيل ، والاتهامات متبادلة بين الطرفين

 اتهامان متناقضان لا شك أنهما غريبان فالسيد عباس في اتهامه بأن حماس توفر أماكن آمنة للقاعدة هو اتهام له فقبل أقل من شهر  كانت غزة بمن فيها تحت سيطرة عباس وأجهزته الأمنية الجرارة !! ومشكلة خلايا للقاعدة في غزة والضفة مشكلة قديمة ، بدأت قبل أن تشارك حركة حماس الانتخابات البلدية والتشريعية .

وأما في قضية " جيش الإسلام " فلا شك أن هذا التنظيم هو حالة فكرية من حالات القاعدة المنتشرة في أرجاء المعمورة وهو يفكر بما تفكر به القاعدة ، وقد أعيا الأجهزة الأمنية في قضية  الإفراج عن الصحفي البريطاني  خلال أربعة أشهر من اختطافه ، وانتشرت إشاعات مفادها أن جيش الإسلام مخترق من قبل بعض الأجهزة الأمنية التي باركت اختطاف الصحفي البريطاني واشتدت الإشاعات ضراوة بعد السيطرة على غزة وهروب المناوئين إلى رام الله وأخطرها أن حركة حماس رصدت مكالمات هاتفية بين الخاطفين والقيادة المنهزمة في رام الله تحثهم على عدم تسليم المختطف لحماس ، لا شك أن مثل تلك الإشاعات تبقى بعيدة عن المصداقية ما لم تعرض الأدلة الدامغة لإثباتها ولا سيما في عصر الفضائيات والإنترنت والفضائح ،  أما ما يهمنا هو في هذا المجال عملية إطلاق الصحفي البريطاني فهما قيل عنها فإنها صبت لصالح حماس جملة وتفصيلا وأثبتت للعالم كله أن حركة حماس تتعامل بحنكة ومصداقية ،فمنذ اليوم الأول أعطى السيد إسماعيل هنية رسالة واضحة مؤكدة للخاطفين بالإسراع عن الإفراج عن الصحفي البريطاني وإلا....، وتوالت في الأيام التي تلت الحسم العسكري أخبار مفادها أن قضية الإفراج عن الصحفي البريطاني باتت قضية أيام معدوة أو ساعات ، ولكن يبدو أن التكتيك الذي اتبع أخر الإفراج لمدة أسبوعين.

 لا شك أن الإفراج عن الصحفي البريطاني  أفرح أطرافا وأزعج أطرافا كثيرة بالرغم ممن تظاهروا بالحبور والسرور ، إذ سارع بعضهم بتصريحات مفادها أنها مسرحية مملة انتهت فصولها وغير ذلك من الاتهامات الصريحة ، لا تخرج عن حسد حركة حماس التي استطاعت في فترة قصيرة كسب جولة الإفراج  .

وإذا ما رجعنا إلى الاتهامات المتبادلة نجد أن هناك فروقا وتباينا بين تنظيم القاعدة وحركة حماس وأن الاتهامات ليست وليدة اليوم بل أنه قديمة كما أنها سياسية بامتياز فبعد أحداث سبتمبر 2001 مباشرة ظهرت أصوات عديدة من مستشاري الرئيس الفلسطيني محمود عباس تتهم حماس بالتوافق مع القاعدة وكان سبب هذه الاتهامات الحصول على تأييد أمريكي ضد حماس، ولكن بعد مرور عدة أيام من الاتهامات الخطيرة عدل المحرضون عن اتهاماتهم للقاعدة وجيَّروها لاتهام متناقض ألا وهو اتهام التشيع والصفوية والتبعية لإيران وذلك حسب الأوضاع السياسية والشعبوية.

  واليوم تعود هذه الاتهامات بقوة للقاعدة  بعد أن يئس الطرف المناوئ لحماس من النيل من الحركة  إذ ظنوا أنهم في اتهامهم هذا يحرجون الحركة ونسوا أن المجتمع الدولي بما فيه أطراف عربية كثيرة يناوئون حركة حماس العداء وأن اتهامهم هذا لا ينفع ولا يضر ولا بد من بيان حقيقة أنه لا تعاون أو التقاء بين حركة حماس والقاعدة لأسباب بيَّنها خطاب القاعدة في أكثر من مناسبة وعلى لسان كبير منظريها أيمن الظواهري وأهم هذه الخلافات فيما يلي:

·        يلوم تنظيم القاعدة أي تجربة ديمقراطية ويعدها من نتاج المجتمع العلماني الكافر.

·   لا يؤمن تنظيم القاعدة إلا بالقتال وليس قتال اليهود والنصارى كما في تسميتهم بل في قتال كل من يختلف مع أطروحاتهم  وحتى لو كانت حركة إسلامية.

·   يشتد نمو تنظيم القاعدة أو انتشار فكره في بيئات  إما تحارب التدين المعتدل والوسطية إذ أن نموه كرد فعل على ممارسات التطرف العلماني أو الإرهاب الفكري الأحادي كما في كثير من البلدان الإسلامية  وإما في بيئة إسلامية متشددة  كما في طالبان والقبائل الباكستانية.

·   يعادي تنظيم القاعدة الحركات الإسلامية المعتدلة كلها  كحزب العدالة والتنمية التركي  وحركة الإخوان المسلمين العالمية إذ أن حركة حماس هي إحدى فروع  تنظيم الإخوان المسلمين العالمية .

·   تختلف مصادر الفكر بين حركة حماس وتنظيم القاعدة   كثيرا فتنظيم القاعدة يتخذ من الفكر السلفي الجهادي منهجا له بينما تتخذ حركة حماس الفكر الوسطي المعتدل منهجا لها.

 مستقبل تنظيم القاعدة في فلسطين:

لا ينكر أحد  أنَّ هناك خلايا قاعديَّة نائمة في فلسطين  أو أنَّ هناك  حالة فكرية منتشرة بين صفوف المتدينين وهذه الخلايا  بالطبع لا تؤمن بمنهج حركة حماس ولا بفكر حركة الجهاد الإسلامي وتكفِّر بلا شك المناوئين لها وتراهن على فشل حماس لتثبت لمؤيديها أن الحل الوحيد في الصراع الفلسطيني اليهودي  هو قتال اليهود والصليبيين والعلمانيين ومن سار في فلكهم، والأيام القادمة عصيبة على الجميع فإن نجحت حماس داخليا ودوليا انحسر هذا التيار القاعدي، وإن فشلت كما هو مخطط لها فإن تيار القاعدة مرشح للظهور والبروز وما قضية " جيش الإسلام " إلا عينة من عينات القاعدة في الساحة الفلسطينية .