ومضات محرّضة
ومضات محرّضة
عبدالله القحطاني
مواقف الأطراف في المعارضة السورية ، من أمريكا ومواقفها:
تعدّدت الرؤى ، وتباينت التوجّهات .. والنتيجة واحدة !
· لاخلاف بين أطراف المعارضة السورية ، جميعاً ـ فيما نعلم ـ بأن أمريكا ، هي الدولة الأقدر، بين سائر دول العالم ، على إسقاط النظام السوري المستبدّ !
· ولا خلاف ، كذلك ، بأن مصالح أمريكا ، هي التي تتحكّم بسلوكها ، ومواقفها تجاه الحكومات والدول !
· ولا خلاف ، كذلك ، بأن مصالح إسرائيل ، في المنطقة العربية ، هي جزء أساسي من المصالح الأمريكية ! وأن هذه المصالح الإسرائيلية ، هي عنصر قويّ ، وأساسيّ، في توجيه السياسة الأمريكية ، في المنطقة المسمّاة : الشرق الأوسط !
· ولا خلاف ، كذلك ، بأن أمريكا تهتمّ كثيراً، بالموازنة بين البدائل المتاحة لديها ، لحكم سورية : بين بديل جيّد وآخرأقلّ جودة ، وبين بديل ملائم ، وآخر أكثر ملاءمة ..! وكل ذلك ، من خلال النظر إلى أمريكا ومصالحها ، ومصالح حليفتها إسرائيل !
· ولا خلاف ، كذلك ، بأن أمريكا تحرص على أن تضع خيوط اللعبة ، كلها، في يدها، وتحرص على أن تجعل الأطراف السورية ، كلها، أوراقاً في يدها، تلعب بكل ورقة ، بالكيفية التي تناسب مصلحتها ، في الوقت الذي يناسب مصلحتها !
· ولا خلاف ، كذلك ، بأن ماتريده سائر أطراف المعارضة السورية، الجادّة المسؤولة، من أمريكا ، هو مساعدة المعارضة ، على تغيير الحكم في سورية ، بطريقة سلمية ! وأهمّ مساعدة ، تكمن في تفعيل المواثيق الدولية ، التي تحمي حقوق الإنسان ، وتحمي حقوق الشعوب في أوطانها .. ليتمكّن شعب سورية ، بوسائله الخاصة ، من إسقاط نظام حكمه الفاسد المستبدّ ، الذي يدمّر البلاد ، وينتهك حقوق العباد !
· ولا خلاف ، كذلك ، في أن تغيير الحكم في سورية ، على الطريقة الأمريكية في العراق ، مرفوض بشكل قاطع ، وأن الكوارث الجارية في العراق ، لايمكن أن يتمنّى مثلها عاقل ، لبلده ، أو لأيّ بلد في العالم !
· ولا خلاف ، كذلك ، في أن أمريكا ، لو اقتحمت سورية كما اقتحمت العراق ، فإن كل سوري حرّ شريف ، سيهبّ لحمل السلاح في وجهها !
· ولا خلاف ، كذلك ، في أن أمريكا ، لو أصرّت على تغيير الحكم في سورية ، لما استطاع أحد من قوى المعارضة ، منعَها ، ابتداءَ ! حتى لو كان بعض هذه القوى ، سيتصدّى لمحاربتها ، لاحقاً ، إذا فعلت بسورية مافعلته، وتفعله ، في العراق !
· فعلامَ تختلف بعض أطراف المعارضة ، في جبهة الخلاص الوطني ، وفي غيرها، حول أمريكا ، وسياساتها ، ونيّاتها ، ومواقفها .. تجاه سورية !
سؤال مطروح ، على العناصر التي انسحبت من جبهة الخلاص الوطني ، وعلى غيرها من أعضاء جبهة الخلاص الوطني .. وعلى سائر قوى المعارضة السورية ، بشتّى أطيافها وألوانها وتوجّهاتها !
شعب سورية.. وانتظار الوعود !
إخلاف الوعود له أسباب عدّة ، أبرزها ـ فيما نعلم ـ ثلاثة : (الكذب ، والعجز، والجهل) ولكل من هذه الثلاثة ، في العمل السياسي ، آفاق ، تختلف عنها في السلوك الاجتماعي الفردي . ونتيجتها ، في كل الأحوال واحدة ، هي إخلاف الوعد : أي الكذب ! وما يهمّنا ، هنا ، هو ذاك المتعلّق بالعمل السياسي.
ولا بدّ من الإيجاز والتركيز ، وحصر الأمر في أطر محدّدة منضبطة ، كيلا يتشعّب الحديث ويطول . والأمثلة المحدّدة تساعد في الضبط ، والإيجاز، والتركيز:
· رئيس الدولة : (المخوّل الأول ـ رسمياً ـ بصناعة القرارات في بلاده !)
حين فرَضت الميليشيات الطائفية المسلّحة ، بشار الأسد ، على شعب سورية ، وريثاً لأبيه، عبر أجهزة المخابرات ، التي فَرضت الأمر على مجلس الشعب المعيّن .. وقَف بشار الأسد ، أمام مجلس الشعب هذا ، ليطلق الوعود الرنّانة ، بالإصلاح والتطوير..!
وقد تفاءل بعض الناس ، الذين يحبّون أن يتبعوا (العيّار إلى باب الدار!) ، لأنهم يحبّون أن يصدّقوا كل وعد بالخير، ولو ظنّوا أن احتمال الكذب فيه كبير.. وذلك لشدّة ماعانوه ، من ظلم وسحق ، تحت مطارق الشر والفساد ..!
فلماذا أخلف وعوده كلها ؟ أي : لماذا كذب على الناس !؟
· بعض المتابعين ، يرى أنه فعل هذا ، لأنه (كذّاب) في الأصل ! كان يَعد ، وهو يعلم أنه لن يفي بشيء من وعوده .. إنما ينفق من جعبة الكذب ، المحشوّة لديه ، كسباً للزمن ، وتمريراً للمرحلة التي هو فيها ، حتى يثـبّت حكمه ، ويستتبّ له الأمر.. وفي خلال هذه الفترة يظلّ يناور، ويراوغ ، ويختلق الأعذار ، ويتفلسف ، ويحتجّ بالصعوبات ، والظروف ، والإمكانات ، وبأنه لايملك عصا سحرية ..! ويقدّم في إعلام الدولة ، بعض الأمور الهزيلة ، على أنها إنجازات رائعة ..! حتى يملّ الناس من الإصلاح الحقيقي ، ويصنّفوه في خانة أبيه !
· وبعض المتابعين ، يرونه صادقاً في وعوده ، لكنه (عاجز!) عن أيّ إصلاح ، لأنه لايملك شيئاً من قرارات البلاد ، على المستوى الفعلي .. وإن كان يملك الصلاحيات كلها ، من الناحية الرسمية !
· وبعض المتابعين ، يراه ( جاهلاً !) لأنه كان يطلق الوعود متسلحاً بالصلاحيات الرسمية ، دون أن تكون لديه القدرة ، على حساب المعادلات المعقّدة ، على الأرض المحيطة به ، التي تتحكّم به ، وبحكمه ، وبصلاحياته الرسمية ! فوعوده الإصلاحية هنا ، تنسَب إلى الجهل ، أكثر مما تنسَب إلى الكذب المتعمّد !
· ومهما يكن من أمره ، فهو، في كل الأحوال ، كذّاب .. سواء أجاء كذبه ، ناجماً عن خلق أصيل لديه ، أم عن عجز ، أم عن جهل بحقائق الأمور المحيطة به ، جعله يطلق الوعود ، دون أن يعرف مدى إمكانية تنفيذها في الواقع !
· ومع هذا كله ، فهو ، عند رجال أمنه وإعلامه ، وموظفيه ، من وزراء ونوّاب ، وغيرهم ، وعند المصفّقين له ، والمسبّحين بحمده .. هو عند هؤلاء ، جميعاً ، أصدق الصادقين ! وما على شعب سورية ، سوى أن ينتظر ثلاثين سنة ، أو أربعين .. حتى يرى صدق السيّد الرئيس ، ويلمسه لمس اليد ، على أرض الواقع !
· الرئيس الأمريكي : ( المخوّل الأول ـ إمبراطورياً ـ بصناعة القرارات ، في الدول الخاضعة لهيمنته ، أو نفوذه !).
مرّت على الرئيس الأمريكي الحالي ، بوش ، سنوات عدّة ، منذ بداية استلام الرئاسة في بلاده ، وهو يثرثر حول الديموقراطية ، وضرورة تصديرها إلى شعوب الشرق الأوسط ، الواقعة تحت أنظمة حكم مستبدّة .. وفي مقدّمة هذه الشعوب ، الشعب السوري ، المحكوم بسلطة مصنّفة في إطار محور الشر، الذي لايفتأ الرئيس الأمريكي ، يتحدّث عن ضرورة مجابهته ، بمناسبة وبغير مناسبة ، ويوعز إلى رجال حكمه ، بإطلاق التصريحات ، التي تبشّر الشعوب المسحوقة ، بأن الفرج قادم إليها ، قريباً جداً ! كما تستقبل مؤسّسات الحكم في بلاده ، بعض عناصر القوى الشعبية المعارضة ، وتمنّيها بأنها ستساعدها في التخلّص من نظام حكمها ، الدكتاتوري المستبدّ الفاسد. وكل ذلك دون أيّة نتيجة عملية على الأرض ..!
فلماذا يخلف الرئيس الأمريكي ، ورجال حكمه ، الوعود التي يَعدون بها الشعب السوري ، والتي أبرزها ، كما أشرنا ، تخليصه من النظام المستبدّ الفاسد .. ليحظى بالحرية والديموقراطية !؟
وهل يفترَض احتمال العجز ، أو الجهل ، لديه .. كما هو حال الرئيس السوري ، أم أن الكذب متمحّض ، هنا ، ويجب البحث عن أسبابه ، دون البحث غير المجدي ، في الاحتمالات الأخرى !؟
يبدو أن الراجح ، هو استبعاد الجهل والعجز ، وحصر الأمر في الكذب ، وحده ، وهذا ما سوف نناقش أسبابه !
فلماذا يكذب الرئيس الأمريكي ، على شعب سورية؟
ثمّة أسباب عدّة ، من أبرزها :
· السياسة الدولية قائمة على المصالح ، وهذه متغيّرة ، متقلّبة ، بطبيعتها ! ممّا يقتضي تقلباً في المواقف ، ويقتضي ، بالتالي ، إخلافاً بالمواعيد التي يضرّ إنجازها بالمصالح الأمريكية ، أو يفوّت على أمريكا مصالح جديدة ، هي أفضل من المصلحة المتحقّقة ، من إنجاز الوعود القديمة ، أو الراهنة !
· الرئيس الأمريكي الحالي ، نفسه ، كذّاب ! بل مدمن كذب ، يتحرّى الكذب ، ويبحث عنه ، ويخترعه ، ويلفقه ، ويضع له أطراً وقواعد ، ووثائق وبحوثاً ، ودراسات تفصيلية ، منمّقة مركّزة (موثّقة !).. وحربه على العراق ، أثبتت أن لديه إبداعاً مميزاً في هذا المجال ، من خلال الأسباب التي ابتكرها ، وحشدها ، ليقنع الشعب الأمريكي بضرورة غزو العراق !
· حِرص الرئيس الأمريكي ، على الإمساك بخيوط عدّة ، وأوراق عدّة ، يلعب بها ، ويناور بها ، ويضغط بهذا الطرف على ذاك ، ويخوّف هذا الفريق من ذاك ، ويلوّح لهذا الحليف ، بأن لديه حليفا آخر بديلاً، يمكن أن يحقّق له مصالحه ، إذا عجزالأول ، أو تلكّأ ، عن تحقيق المصالح الأمريكية ، كما تريدها الإدارة الأمريكية ! والإمساكُ بالخيوط ، أو الأوراق ، يمنحه ، بالطبع ، فرصة احتكار اللعب ، بالوقت ، وبالبشر، وبالدول ، والأوطان ! ويجعل أنظار الأطراف كلها ، معلّقة به ، وبقراره ، وبتصريحاته ، وتصريحات أعضاء إدارته.. تحلّل ، وتركّب ، وتبني آمالاً ومواقف، قائمة على الظنّ والتخمين ، والأمال الغامضة ، ومخادعة النفس .. في كثير من الأحيان ! ( نقول : هذا مايريده هو ! أمّا مواقف الآخرين ، منه ، ومن تصريحاته ، وتصريحات أعضاء إدارته .. فتختلف من جهة إلى أخرى ، ومن طرف إلى آخر! وكثيراً ماتختلف الجهات والأطراف ، فيما بينها ، بين معوّل على الموقف الأمريكي تعويلاً تاماً ، وبين مهوّن من جدّية هذا الموقف وصدقه ، مشكّك به وبأصحابه ! ولكل منهم حججه ، وطرائقه في النظر إلى الأمور، وفي حساب المعادلات السياسية ، المحلية والدولية !).
· المعارضات السورية : ( المخوّلة الأولى ـ شعبياً ـ بصناعة السياسات ، التي تحرّر البلاد والعباد ، من نير الاستبداد !) ليست كلها سواء ..! فمنها الصغيرة والكبيرة ، ومنها القديمة المتمرّسة والجديدة قليلة التجربة ، ومنها ذات الوزن الشعبي الكبير وضعيفة الوزن ، ومنها التنظيمات والأحزاب ، ومنها الشخصيات المستقلة ، ومنها أشخاص ذوو تجربة سياسية ، وآخرون ذوو ماض سياسي ، وآخرون ذوو أفكار ونظريات ، وآخرون ذوو أقلام ، تكتب في الصحف ومواقع الإنترنت ، وآخرون ذوو ألسنة تمرّست في الحديث عبر الفضائيات ..!
فهل هؤلاء ، كلهم ، سواء ، من حيث قيمة الكلمة ، وجدّية الوعد الذي يَعدون الشعب به، ونتيجة الإخلاف بالوعد ، والإحساس بالمسؤولية عن الوعد ، وعن الإخلال به !؟ بالطبع لا !
فماذا إذن !؟ إن الناس في سورية ، عبر تجاربهم الطويلة مع الساسة ، سواء أكانوا حكاماً أم محكومين .. تكوّنت لديهم ملكة قويّة ، للتمييز بين أصحاب الوعود من هؤلاء الساسة ! وصاروا يتعاملون معهم ، ومع وعودهم ، على ضوء ماتشكّل عن شخصية كل منهم ، وقيمته الفعلية على أرض الواقع ؛ من حيث صدقه ، وقدرته على تنفيذ ما يَعد به، وإدراكه لأبعاد الوعد الذي يَعد به ، وبتكاليفهِ على الأرض !
ومن التجارب الطريفة ، التي يتذكّرها أبناء بعض المحافظات السورية ، عن بعض العاملين في العمل العامّ ، أن بعض هؤلاء العاملين ، كانوا يضعون في برامجهم الانتخابية ، للإدارة المحلية في المدن والقرى.. هدفاً بارزاً ، هو: تحرير فلسطين ! فبأيّة جدّية ، يمكن أن يتعامل الناس ، مع هذه الوعود ، ومع أصحابها !؟