أحداث غزة بين التوصيف والتبرير

جاسم بن مهلهل الياسين

أحداث غزة بين التوصيف والتبرير ..!!

الأزمة الفلسطينية ميلاد متجدد...!!

الشيخ الدكتور جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين

القضية الفلسطينية فيها من التعقيدات والتداخلات ما تشمل تعقيدات قضايا العالم كله، فهي ليست قضية أرض منهوبة أو شعب يحاول أن يقاوم الموت البطيء ولا هي قضية مذهب يحاول أن يفرض نفسه ولا قضية فئة أو فصيل يحاول أن يستأثر بالرأي.

ولكنها قضية عملت التراكمات التاريخية والسياسية والجغرافية على أن تظل قائمة ومعقدة، فهي قضية كل عربي لأن أرض العروبة قد اغتصبت وقضية كل مسلم يرى مقدسات المسلمين وهي تنتهك وتمسخ هويتها، وقضية كل غربي مسيحي يرى فيها حنيناً إلى مقدسات المسيحية موطن ميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام وقضية كل يهودي يرى فيها أحلامه بأرض الميعاد ويعيش في ذهنه أسطورة شعب الله المختار.

هذه الدولة – فلسطين- رغم صغر حجمها ازدحمت فيها كل الديانات وتصارعت على أرضها كل السياسات، هي بمثابة المسرح العام الكبير لكل الأحداث السياسية والوكيل الوحيد الذي يرجع إليه في حالة تفسير الصراعات في الشرق الأوسط بل في العالم كله، فهي ليست كقضية الدولة الألبانية المسلمة التي اتسولت عليها الشيوعية وليست كالأندلس التي مورست حولها الإحلال والتجديد بدءاً بمحاكم التفتيش إلى التهجير والتشريد ثم إعادة الهيكلة لتشمل حتى الاسم والمظهر واللباس.

فالقضية الفلسطينية إذن قضية معقدة، وفهمها وإصدار الأحكام فيها مجتزءاً عن هذا الفهم العام يعد نوعاً من الاستخفاف بها أو قصداً إلى تحجيمها ومحاولة تفليصها أو القضاء عليها وهذا لا شك يخالف معطيات الواقع وشهادات التاريخ.

 الأزمة الفلسطينية الجديدة ولدت من خلاف متعدد المستويات بين حكومة حماس "المنتخبة" ومعسكر الرئيس الفلسطيني ومجموعات من حركة فتح حول السياسات والصلاحيات والحكم والقرار، وبالرغم من أن اتفاق مكة قد وفر فرصة كبيرة لإعادة التوافق الفلسطينية الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

ولكن لا بد أن نفهم أن الأزمة التي عاشها المشهد الفلسطيني كانت في جذورها أزمة متعددة الأبعاد فهي من ناحية أزمة سياسية واقتصادية وجغرافية ومن جانب آخر هي أزمة رفض السلطة الفلسطينية السابقة التخلي عن الحكم والسيطرة على القرار الفلسطيني للحكومة الجديدة التي تقودها حماس.

هذا فضلاً عن الاختلاف على الخط السياسي بين حماس وفتح، وفي ظل هذه الأزمة تصاعد الحصار الدولي على الحكومة والشعب الفلسطيني ليأزم الأمور أكثر وأكثر، يضاف إلى ذلك أزمة الانفلاتات الأمنية - المصطنعة أحياناً من جهات معينة - والتي لا تقل عن الأزمات السابقة أو هي نتيجة مباشرة لها، لنشهد اليوم مواجهات مسلحة قرأ البعض منها محاولة للانقلاب وقرأ البعض الآخر أنها محاولة لإجهاض الانقلاب.

 هذا الوضع وهذا المشهد لن نستأثر فيه بالتحليل والتبرير مع توفر المعلومات لدينا والتي تجعل من السهل جداً إخراج المشهد الفلسطيني الفلسطيني بصورة يظهر فيها التآمر العالمي على حركة حماس وإنما سنحاول أن نضع أمام عيني القاريء بعض المشاهد والحقائق لنصل سوياً إلى فهم صحيح لهذه الصورة، فلن نعطي حكماً ولن نبرر وضعاً ولن نصدر حكماً عفواً لكننا سنحاول توصيف الوضع لنترك للجميع الحكم على ما يرى...!!

حماس والأجهزة الأمنية

الأحداث إما أفعال وإما رداً على أفعال، وما حدث في غزة تلون بالأمرين معاً فإشكالية أجهزة الأمن الفلسطيني وما أسفر عنه من أحداث دموية لم تظهر مع سيطرة حماس على الأمن الداخلي بأجهزته، إنما هي ضاربة بجذورها منذ تشكل السلطة الفلسطينية في عام 1994م حيث زادت عدد تلك الأجهزة وتضاربت أعمالها وتزايد عدم التنسيق بينها مع انتشار ظاهرتي المحسوبية والولاء لحركة فتح.

ومع تولي حماس الحكومة الفلسطينية تصاعدت حدة الخلافات داخل الأجهزة الأمنية فيما بينها وبين الحكومة الفلسطينية الأمر الذي جعل الوزير هاني القواسمي وزير الداخلية لأن يقدم استقالته بعد أقل من شهرين مع أنه متفق عليه من حكومة حماس المنتخبة ومنظمة التحرير المتمثلة في الرئاسة بعد الاختلاف حول حقيبة وزارة الداخلية في اجتماع مكة الأمر الذي دعا لإيجاد شخصية نظيفة من منظمة التحرير يمثل هذا الدور ثم حصول المباركة على هذا الاتفاق من الطرفين، إذ لم يكن بمقدور القواسمي السيطرة على تلك الأجهزة التي كانت تأخذ أوامرها من مجموعة دحلان الذي يمثل عنصر التأزيم بين حكومة حماس ومنظمة التحرير لما يملك من قوة عسكرية.

 ولم تستطيع حكومة حماس إجراء أية إصلاحات في الأمن الداخلي الذي يدين بولائه لقيادات تلك الأجهزة شخصياً ثم لحركة فتح دون غيرها وكل ما استطاعت حماس أن تفعله هو تشكيل قوة جديدة "القوة التنفيذية" وقوامها خمسة آلاف أغلبهم من حماس، ومع احتدام الصراع بين الأجهزة الأمنية والقوة التنفيذية راح ضحيته المئات.

هل الأمر معد سلفاً...

 تداعيات هذه الأحداث المتسارعة جعلت البعض يجزم بأن الأمور معدة سلفاً فهناك كثير من المؤشرات والتصريحات التي تؤكد هذه النظرة يضاف إليها بالطبع الحصار السياسي والاقتصادي الدولي على حكومة حماس والذي شاركت فيه وللأسف أطراف كان من المفترض أن تكون على أقل الأمور في موقع الحياد اللهم إن لم تبحث عن طرق لفك الحصار.

من هذه المؤشرات[1] ما يلي:-

 ذكرت صحيفة "يونجافليت" الألمانية تقريراً قالت فيه:"إن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش خططت منذ فترة طويلة لتفجير الأوضاع الداخلية الفلسطينية، وتحريض تيار موالٍ لها داخل فتح على القيام بتصفيات جسدية للقادة العسكريين في حركة حماس.

على صعيد آخر وفي ندوة عقدتها لجنة الشرق الأوسط بالكونجرس الأمريكي قال الجنرال "كيت دايتون" مسئول الاتصال العسكري الأمريكي المقيم في تل أبيب أن: للولايات المتحدة الأمريكية تأثيراً قوياً على كافة تيارات حركة فتح وأن الأوضاع ستنفجر قريباً في قطاع غزة، وستكون عنيفة وبلا رحمة، وقال: إن وزارة الدفاع الأمريكية والمخابرات المركزية الأمريكية ألقتا بكل ما تملكان من ثقل، من جانب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل داخل حركة فتح، كما أن تعبئة الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية ضد حماس تمثل خياراً استراتيجيا للإدارة الأمريكية الحالية".

 فهل نجح التيار الأمريكي الإسرائيلي داخل فتح رغم الدعم السخي الذي قدم في كسر شوكة حماس...؟

من جانب آخر نسب إلى خبيرة التخطيط السياسي بالجامعات الإسرائيلية "د/هيجا ياو مجارتن" قولها: أن دحلان مكلف من وكالة المخابرات المركزية وأجهزة أمريكية أخرى بتنفيذ مهمة محددة وتصفية أي مجموعات مقاومة لإسرائيل.

لدينا الكثير من هذه التصريحات التي تؤكد أن الأمر معد سلفاً، والتي تؤكد أيضاً أن هناك جهات تحاول أن تظهر بصورة وطنية على المسرح الفلسطيني، أمثال دحلان ومجموعته، لكن أني لهم ذلك وقد تشربوا حتى امتلأت بطونهم من أنهار العسل الأمريكي والصهيوني، ويريدون أن يردوا الجميل على حساب إخوانهم من الشعب الفلسطيني، وعلى حساب القضية الفلسطينية وعلى حساب كل طفل وامرأة وشيخ وشاب يعاني الجوع على أرض فلسطين وبأيد الفلسطينيين أمثاله، ويعرضون له طوق النجاة وهو أن يكون سيفاً في يد الصهاينة مسلطاً على رقاب الشعب الفلسطيني.

إن قرار الحسم من قبل حماس لم يأت اعتباطاً أو تخميناً لأمور قد تقع وإنما جاء بعد معاناة عاشها الأخوة في حماس، وبعد تأكدهم من إجراءات وإرهاصات لمشروع حقيقي واضح المعالم يريد أن يطبقه الـ "دحلان" ومجموعته يبدأ من التجييش والتسليح والتدريبات والمعسكرات المغلقة والدورات الخارجية في دول الجوار لعناصر أمنية ثم دخولها إلى قطاع غزة بطريقة مريبة وينتهي بالتحريض الإعلامي السافر وعودة الفتنة والاستفزازات الميدانية والعمل على تفاقم أزمة وزارة الداخلية.

وليس أدل على ذلك من أن وزيراً للداخلية لا يملك أي صلاحيات في وزارته بأجهزتها الأمنية التي يقودها دحلان ورشيد أبو شباك اللذان لا يجدان باباً للفتنة والأزمة إلا فتحاه وعلى مصراعيه.

فما حدث في غزة من حسم طال انتظاره يمثل أمراً واقعاً لا يمكن تجاوزه أو إجهاضه، ويشكل سابقة خطيرة يخشى الحلف الصهيوني والأمريكي تكراره في الضفة، وهو بذلك يمثل مع تداعياته نهاية عملية لـ"فتح" المهيمنة على القرار الفلسطيني على مدى أكثر من أربعين عاماً، وفتح صفحة جديدة من الصراع وفق معادلة جديدة منضبطة مع الأهداف الفلسطينية.

وإن إخفاق التيار الانقلابي "الفتحاوي" "الدحلاني" وقد تلقى من الدعم المالي والعسكري ليسجل إخفاقاً جديداً للمشروع الأمريكي في المنطقة ويعزز تيار المقاومة التي هي الخيار الشعبي والوطني الفلسطيني والإسلامي، ويكشف عن أكذوبة السلطة والقانون ووهم الدولة التي تحاول الرئاسة الفلسطينية تسويقه بإعلانها حالة الطواريء وتشكيل حكومة للطواريء وتجريمها لحماس وتحريضها للعالم لحصار حماس في غزة والقضاء عليها ومن ثم حصار الشعب الفلسطيني أجمع.

إن كل هذا المكر والتخطيط الجهنمي لسيناريو الكارثة لا يعدو في الواقع زوبعة في فنجان، ولا شك أن الأخوة في حماس قبل أن يأخذوا قرار الحسم كانت لديهم المبررات الكافية التي جعلتهم يرون الصورة من الزاوية الحقيقية، وأن حجم الارتباك البادي في محاولة احتواء الإعصار الذي عصف بغزة، وأطاح بالطاغوت الذي كان يجثم على جسدها من قوى أمنية متواطئة مع العدو، ليدلل على حجم الإنجاز الذي تحقق والذي بدأت تباشيره بالظهور للعيان بشكل فوري متمثلة في الأمن، والقضاء على بؤر الفساد وتفكيك الأزمات والمشكلات المزمنة من اختطاف وبلطجة ومخدرات وتبدَّي واضحاً كما يقول أهل غزة في الاختفاء المفاجيء لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية في سماء غزة لأول مرة منذ سنين، وقد تبين أنها كانت توجه من داخل المقرات الأمنية.

إن ما وقع في أيدي حماس من أسرار استخباراتية دولية مما تم العثور عليه في المقرات الأمنية ليرقى لمستوى الكارثة على الحلف الصهيوني الأمريكي والوقوع على كنز من المعلومات الاستخباراتية يتعدى الأراضي الفلسطينية على حد وصف العدو وأجهزة الاستخبارات الدولية.

هذه الصورة دعمها الموقف الواضح والحاسم لعلماء فلسطين، وبيانهم بأن ما يجري ليس فتنة وليس قتالاً من أجل النفوذ وليس حرباً أهلية، ولكنه صراع بين الحق والباطل، وبين أهل الصلاح والمفسدين في الأرض اللذين عاثوا فيها الفساد وتسلطوا على البلاد والعباد تجبراً وظلماً وتعسفاً وتمادوا في غيهم حتى وصل بهم الأمر إلى التسلط على كل من يحمل سمات التدين من اللحى والحجاب.

وحدث كما تناقلت وسائل الإعلام أن أحد الشباب الملتحين لم ينجو من بين أيديهم إلا بإثباته عدم التدين بشتم الذات الإلهية بناء على طلبهم، كذلك تجلى هذا الموقف القوي والحاسم من فتوى د/مروان أبو راس رئيس رابطة فلسطين في غزة بإباحة دم سميح الدهون الذي كان يقتل ويعدم أبناء حماس ويحرق بيوت أنصارها وقد جاهر بأفعاله حين قال: أنه حرق عشرين بيتاً مقابل مهاجمة كتائب القسام لأحد أوكار هذا التيار.

عذراً أيها القاريء فقد قلنا في بداية المقال أننا سنوصف ولن نبرر ولن نصدر أحكاماً لكن الصورة تستدعي منا أن نكيل الاتهامات إن كانت تنفع لمحمد دحلان ومجموعته ولكل من يريد أن يقضي على ما تبقى من فلسطين ولكل من يتآمر على حساب إخوانه ولكل من يستبيح دماءهم وأموالهم بغير حق ولكل من ارتمى في أحضان الأمريكيين والإسرائيليين وأقسم أن يعزها على حساب ذل إخوانه بل في الحقيقة ذل نفسه، ولكن كما قال تعالى:" وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ"[2].

حسم طال انتظاره

 هذا الحسم المبارك طال انتظاره فعلى ما يبدو أن كتائب القسام قد أعطيت الضوء الأخضر حيث أجمعت أجهزة القرار في حركة "الداخل" "غزة والضفة" بالإجماع على إنهاء هذه الحالة من التسلط الاستخباراتي الدحلاني حيث تم تحديد الهدف بوضوح وبدأت المعركة التي استهدفت مراكز الفساد وأوكار الأجهزة الأمنية بهدف حسم المسألة بشكل نهائي، وأعلنت حركة حماس أن هذه المعركة ليست ضد فتح ولا ضد الأجهزة الأمنية، ولكنها معركة اضطرارية فرضتها الصورة الواقعية على الأرض ضد التيار الانقلابي الذي يقوده مجموعة من قادة الأجهزة الأمنية ومنتسبيها.

 وبالفعل تمكنت كتائب القسام في خلال ثلاثة أيام من بسط سيطرتها الكاملة على كافة مواقع الأجهزة الأمنية بدءاً من شمال القطاع وجنوبه ومن ثم الاستيلاء على مراكز القيادة في قلب غزة حيث مكتب الرئيس الذي استخدم كمركز لاحتجاز وتعذيب المختطفين وكمركز للتيار الانقلابي، في ذلك الوقت لوحظ غياب بعض قيادات هذا التيار وإدارته للمعركة من خارج القطاع بحسب تصريحات وسائل الإعلام الصهيونية خصوصاً محمد دحلان الذي تناقلت وسائل الإعلام قيامه بعملية جراحية في ألمانيا ثم انتقاله إلى مصر للنقاهة وإخراجه عائلته خارج القطاع قبل إشعال فتيل الأزمة في القطاع.

 إن ما حدث باغت هذه الأجهزة الأمنية من حيث الحسم والسرعة في اجتياح المقرات الأمنية وتطهيرها وكان بمثابة ضربة استباقية تمت بأقل الخسائر الممكنة، وأجهضت سيناريو الحرب الأهلية الذي كان يتوقع أو يودي بحياة المئات بل الآلاف من الفلسطينيين.

 ما حدث يمكن أن يوصف بعملية جراحية بامتياز ضد هذا التيار الانقلابي.

ماذا بعد الحسم...؟

 هدأت غزة تحت وقع الصدمة بإنهاء ما كان يؤرق أهلها ويقض مضاجعهم وينغص عليهم حياتهم على مدى سنوات (أوسلو) العجاف، إن هذا الحسم لن ينساه قطاع غزة، وسيظل علامة فارقة ومميزة في تاريخ القضية الفلسطينية، ولم يبالغ المتحدث باسم حماس حين وصفه بأنه التحرير الثاني للقطاع، وبنفس الأيدي المتوضئة الشريفة التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب منه قبل عامين.

وها هي اليوم تطهره من صنائع الاحتلال ومن الأجهزة الأمنية المشبوهة والموصومة بالعمالة له، والقائمة وظيفياً على حماية الاحتلال من قوى المقاومة.

بعد هذا الحسم يمكن أن يتوقع عدة سيناريوهات منها:

سيناريو التدخل الدولي والذي كان عباس وفريقه يتمنوه ويدعون له بقوة عبر دعوة الأمم المتحدة إلى استقدام قوات دولية واعتبار حماس قوة خارجة عن الشرعية والقانون.

ومنها سيناريو "غزة لحماس والضفة لفتح" وهو ما يجري تنفيذه من قبل معسكر التيار الانقلابي بعد هروبه من قطاع غزة والتحاقه بمعسكر الرئاسة في رام الله، وقد تعزز هذا السيناريو بإعلان حكومة الطواريء والتي تشكلت في الضفة وعلى أتم استعداد أن تلبي الشروط الدولية.

 ومنها أيضاً سيناريو الحسم العسكري من قبل إسرائيل بمحاولة تنفيذ ما فشلت فيه الأجهزة الأمنية من إقصاء حركة حماس وتحطيم قوتها، فإما أن ينتهي الأمر باجتياح كامل للقطاع أو باستنزاف الحركة عسكرياً وإضعافها حتى تنهار أو تكاد.

 هذه السيناريوهات السوداوية وقوعها محتمل، لكن المحتمل أيضاً بل المؤكد أن الشعب الفلسطيني وقطاع غزة بالذات يقف بجوار حماس يؤازرها ويدعهما بل ربما قلنا ما ذكره أحد المسؤولين المصريين عقب نشوب الأحداث من أن دحلان ومجموعته لا يواجهون حماس وإنما يواجهون 70% من الشعب الفلسطيني...

نعم... فهذا الشعب الذي انتخب حماس عن إرادة قوية في تغيير الأوضاع لم تؤثر فيه شهور العذاب وأيام الحرمان تحت وطأة الحصار ويشهد الشارع الفلسطيني الخروج المكثف لتأييد حكومة حماس، فعلى الرغم من الحصار الدولي السياسي والاقتصادي الشديد على حماس وعلى الشعب الفلسطيني إلا أن حماس قدمت الكثير من الإنجازات والتي يعلمها الشعب الفلسطيني والتي جعلتهم يؤيدونها مهما كانت الظروف.

التجربة خير برهان...!

 الحركة الإسلامية عند وجودها على أرض الواقع تثبت ما تلقته في أدبياتها من معاني حضارية وروح وطنية وتفاني اجتماعي وإهدار للمصلحة الشخصية مقابل المصلحة العامة، ولذلك نجدها دائماً تلاقي القبول من الشارع حتى في أحلك الظروف، حتى لو كان على حساب لقمة العيش.

وأكبر مثال على ذلك هو حركة حماس وإلتفاف الشارع الفلسطيني حولها على الرغم من الحصار القاتل المدمر الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني منذ أن استملت حماس الحكومة، وإن كان الحصار الاقتصادي والسياسي الخارجي مضراً فالحصار الداخلي الأمني الذي عملت مجموعة دحلان وأعوانه من قيادي فتح على إحاكته بصورة محكمة أشد ضرراً، وما انتهى إلا بالحسم الذي أنجزته حماس في قطاع غزة وسيطرتها على فرق الأتاوات والعمالة الإسرائيلية التي سامت الشارع الفلسطيني وأذاقته المر.

فالحركات الإسلامية نتيجة لتجاربها المشرفة والمشرقة تجد قلوباً تلتف حولها وتحمي نفسها وقياديها بالحب لا بالجند، ولا أدل على ذلك من صناديق الاقتراع في أي انتخابات محلية أو تشريعية ويكون الاكتساح للإسلاميين ولأبناء الحركة لا بالترغيب بالوعود والأماني والخيالات ولا بالترهيب وإنما بالقناعات، والقناعات تأتي من خلال التجارب.

وإن كان من مثال آخر فهي الحركة الدستورية في الكويت، ففي وقت أزمة الاحتلال العراقي أبدت الحركة قدرتها على التعامل مع الحدث بشفافية كاملة مع كل شرائح المجتمع ومع نظام الدولة من خلال مؤسسات كونت بديلاً لمؤسسات المجتمع المدني في وقت السلم، مما أدى إلى قبول الناس من خلال الانتخابات الأولى بعد التحرير عام 1991م بوجود ستة من الحركة الدستورية في البرلمان واثنين من الورزاء.

ثم إن لممارسات أبناء الحركة في الأداء الوزاري كان واضحاً للعيان فما من واحد إلا وقد ترك بصمة واضحة في المكان الذي تولاه.

فعلي سبيل المثال لا الحصر الدكتور على الزميع عندما استلم وزارة الأوقاف وضع فيها أنوار مشرقة ووضع بصمته التاريخية هو ورفيق دربه عبدالمحسن العثمان في مؤسسة حضارية أصبحت مثالاً يحتذى به على مستوى دول الخليج والعالم الإسلامي، وهي الأمانة العامة للأوقاف، حيث نقلت أموال الوقف من كونها محفظة مالية إلى وجودها كمحفظة مالية إنمائية مجتمعية.

أما الدكتور عادل الصبيح فقد أدار وزارة الكهرباء والماء ووزارة النفط باحتراف مهني أصبح اليوم في كل أزمة تحدث في وزارة الطاقة "الكهرباء والنفط" يقال أين الدكتور عادل الصبيح؟، كما أدار الجانب السياسي في وجوده بمجلس الوزراء باحتراف وقوة حتى في عملية الاستجواب الكيدي الذي مورس له في مجلس الأمة.

وأما الدكتور إسماعيل الشطي فمع قصر مدته وتحالف قوى الحسد والمال عليه إلا أنه استطاع أن ينجز في فترته القصيرة إنجازات كانت أحلاماً يحلم فيها مجلس الوزراء في أرض الواقع كمتابعته لما يسمى بـ"BOT" والاختراقات القانونية فيه والمؤثرة بالمال العام حتى أطلق عليه محبوه وحاسدوه بالوزير الإصلاحي.

ثم جاء المهندس محمد العليم إلى وزارة كان الجميع يراهن على أنها مستنقع الفشل لأي وزير يأتي، فشمر عن ساعد الجد، وألقى وجاهة بشته، وأدار كرسيه في الوزارة ليمارس مهنته كمهندس في كل أنحاء الوزارة ليمر علينا الشهر الأول والثاني لفترة الصيف الحارقة مع وجود النزاعات السابقة في تعطيل البنية التحتية لوزارة الكهرباء والماء من غير إرباك للشارع الكويتي ومن غير تشريعات مرهقة للمواطن الكويتي.

هذه نماذج كويتية وتلك نماذج فلسطينية والعالم الإسلامي مليء بقوى الحركة الإسلامية المتمثلة بالفكر الإسلامي الشمولي الوسطي الذي أسسته مدرسة الإخوان المسلمون بفضل الله سبحانه ثم ترتيبات مؤسسها حسن البنا لتخرج لأرض الواقع نماذج تعطي صورة واضحة لهذه الحركة الوسطية الشمولية.

يا حماس... ولكم في رسول الله أسوة حسنة...!!

 اقرأوا السيرة ففيها البيان الكافي والدواء الشافي لكل أزمة، نعلم أن الكل قد تألب عليكم وأن القضاء عليكم وإضعافكم صار هدفاً لكل متآمر خائن وعميل خسيس باع أرضه وإخوانه بحفنات ستكون عليه وبالاً يوم القيامة، ونعلم أن الأزمات قد حيكت ضدكم ومورس معكم كل أنواع العنت والقهر وهكذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في المدينة لكن بحكمته المؤيدة من الوحي خرج من هذه الصعاب...

فاقرأوا السيرة... اقرأوا كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المتآمرين عليه... اقرأوا قصته مع العتل العربي "خالد الهذلي" مع اقرأوا غزوة ذي أمر وما أعقبها من أحداث وترتيبات تتعلق بكعب بن الأشرف وغزوة أحد... وأقرأوا غزوة بني قريظة وما تلاها من أحداث... اقرأوها ففيها المنهج السليم للخروج من الأزمات بأمن واستقرار... اقرأوها ففيها بيان وشفاء... !!

أمنية أخيرة على حماس

 أن تعجل باجتماع قياديها في الداخل والخارج لتضع رؤية مستقبلية على الأقل لثلاث سنوات قادمة فترة ما تبقى من الحكومة.

              

[1] هذه المؤشرات وغيرها انظر مقال الأستاذ فهمي الهويدي 19/6/2007م

[2] سورة الأنفال : 7-8