العداوة ..لمن ؟

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

هل تكره حكومة مصر العربية الإسلامية الشعب الفلسطيني في غزة أم تكره الإسلام ؟

في أواخر عام 2008، وقبل سنة من الآن قامت قوات الكيان النازي الصهيوني بالهجوم الدموي البشع على قطاع غزة ، بعد أن فشل حصارها المضروب عليه طوال ثلاث سنوات تقريبا ، في وقف المقاومة ، أوتغيير سياسة المنظمات التي تطالب بالحرية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الأسير ، واستمر الهجوم أكثر من عشرين يوما ، قتل فيها أكثر من ألف وأربعمائة فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال ، وجرح أكثر من ثلاثة آلاف فلسطينى ، فضلا عن تدمير مئات البيوت والمدارس والمساجد والمؤسسات والمستشفيات ،واستخدم الغزاة القتلة الأسلحة المحرمة والفسفور الأبيض وقاذفات القنابل ضد الشعب الأعزل الذي لا يملك من أمره شيئا ..

في أثناء المذبحة كان معظم الأنظمة العربية وفي مقدمتها النظام المصري والسلطة الفلسطينية التي يقودها آية الله أبومازن في رام الله ، مشغولين بهجاء قناة الجزيرة ، دون أن يقولوا للعدو النازي توقف ، بل كانوا  يلقون باللوم على منظمة حماس ، وتحميلها مسئولية الموت والدمار الذي أصاب الفلسطينيين ، مع أن المنظمة كانت تدافع عن القطاع دفاع الأبطال ، ويسقط أفرادها مع غيرهم شهداء ينطقون الشهادتين ، ويستقبلون الجنة بنفس راضية مرضية بإذن ربهم .

كان واضحا فيما جرى أن بعض الأنظمة ومعها رئيس السلطة وتلميذه دحلان ينتظرون سقوط حماس ، والانتهاء من صداعها ، لتتم الصفقة مع شيلوك النازي اليهودي ويتم تصفية القضية الفلسطينية تماما نظير دويلة لاتختلف كثيرا عن الحكم الذاتي المحدود ، بدون القدس ، واللاجئين والمياه وقوات الدفاع والقابلية للحياة المستقلة .. ولكن الحرب انتهت ، ولم تسقط حماس ، بل ازداد تمسك الشعب بها ، وانعقدت مؤتمرات لحفظ ماء الوجه العربي والإسلامي والإقليمي ، وبقى أهل غزة صامدين ، يعيشون في ظلال الجوع والحصار والقهر النازي اليهودي ، ومعه القهر العربي الشقيق ..!

ويبدو أن نتائج الحرب المجرمة على غزة لم تكن مرضية لبعض العرب ، فوضعوا قرارات إعمار غزة في الثلاجات ، وأرادوا فرض مصالحة تلغي المقاومة الفلسطينية وتؤمّن العدو النازي اليهودي ، وتتيح له فرصة الاحتلال الآمن ، والتغوّل المطمئن .. وأعلن فخامة الرئيس محمود عباس أنه لن يسمح أبدا بالمقاومة ، ولن تقوم في عهده أية انتفاضة فلسطينية أخرى ضد الغزاة اليهود القتلة ، بل إنه يقنع الصهاينة بعدم إتمام صفقة تبادل الأسرى الفلسطينين مقابل الجندى الصهيوني القاتل " جلعاد شاليط " ، ويطلب منهم عدم الإفراج عن مروان البرغوثي ، وأحمد سعدات ، حتى لايكون الأول بديلا له يجمع الفلسطينيين حوله ،أو بمعنى آخر يحقق المصالحة الفلسطينية ، وحتى لا يثير الآخر المشكلات ضد السلطة الفلسطينية المنبطحة أمام العدو .

وللأسف الشديد تبدو السياسة المصرية في موقف لا تحسد عليه نتيجة مواقفها غير المفهومة تجاه قطاع غزة ، فهي تتحكم في القطاع ، ومعابره ، وخاصة معبر رفح ، وتصر على عودة السلطة الفلسطينية الموالية للعدو لتشارك في حركة المعبر ، بحجة أن إخلاء مسئولية الغزاة القتلة عن احتلال القطاع سيجعل مصر تتحمل مسئولية القطاع وحماية الغزاةالقتلة منه ؟

صار العبور من القطاع وإليه يخضع لنوبات كرم من السلطة المصرية ، فتفتح المعبر في رفح بين حين وآخر ، لحالات إنسانية ، وهو ما دفع الفلسطينيين إلى استخدام الأنفاق على صعوبتها ومخاطرها ، ولكنها تهون جميعا أمام الجوع الذي يترصد الناس في القطاع ، فيتحملون المتاعب ، وارتفاع الاسعار ليتوفر لهم ما يقيمون به الحياة ، ويجعلهم يواصلون الأمل في يوم يعيشون فيه مثل بقية البشر . .

ولكن السلطة المصرية وبعد مطاردات عنيفة للأنفاق ، أرادت أن تضع حدا لتهريب الأطعمة ومستلزمات الحياة الأساسية بإقامة السد الواطئ ، تحت الأرض ، بحيث يكون فولاذى الجدار ، وقد اسهبت الصحف على تفاوت في وصفه ، بحيث يؤدي في النهايةإلى إحكام الحصار ، وخنق الشعب في غزة ، ليموت جوعا وفي صمت .. وكي يرضى الصهاينة وسادتهم الأميركان !

كان الرد المصري بعد طول صمت ومراوغة أن مصر تحمي حدودها ، وأنها تقوم بعمل من أعمال السيادة لحماية حدودها ، وهذا كلام جيد بلا شك أن تحمي حدودك ، وتمنع الغزاة من الاقتراب منها ، ولكنه مع أهل غزة ، يطرح صورة أخرى ، بوصف غزة كانت محمية مصرية حتى عدوان 1967م ، وكانت مصر طوال سنوات 48-1967م ، تعين حاكما مصريا للقطاع برتبة لواء ، وكانت في القاهرة حكومة فلسطين المؤقتة برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي ؛ التي تعين عمدة لغزة وللمدن الأخرى في القطاع  .

مسئولية مصر واضحة ، وهي من خلال مفهوم بسيط للغاية يختلف عن مفهوم كتاب السلطة وأبواقها ومشايخها ووعاظها ، وهي أن غزة جزء من أمن مصر القومي ، وتأمين غزة تأمين لمصر العربية المسلمة من العدو النازي اليهودي وغدره الذي يميزه منذ اغتصبت  العصابات الصهيونية أرض الوطن السليب ، وحماية غزة حماية لمصر في كل الأحوال ، وليس أهل غزة هم الخطر الذي يهددنا بالاجتياح أو احتلال سيناء ، والواجب الذي يحلم المصريون أن تقوم به السلطة المصرية أن تتحول غزة إلى درع يحمي مصر وشعبها من الصهاينة القتلة .. ثم كيف تكون حماية أمن مصر على حدود رفح مرادفا للذعر والهلع؟ في مارس الماضي زرت رفح وذهبت لأرى بوابة صلاح الدين التاريخية ، وللأسف وجدتها قد أزيلت بجدار من الصخور المبنية بالأسمنت المسلح ، وفوقها يربض جندى مصري بائس ، عندما رآني حذرني من الاقتراب مشهرا سلاحه : ممنوع يا أفندي !   كانت الغصة تملأ قلبي حين رأيت الحارات الموازية لرفح تبدأ مداخلها بنقاط حراسة مشددة ، والبؤس يخيم على المدينة الحزينة .. تذكرت السنوات البعيدة بعد هزيمة 67 وكنت مجندا ونحن نستعد لحرب رمضان ، التي حققت هيبة غير مسبوقة لبلدنا ، وتساءلت في نفسي : كيف ضاعت هذه الهيبة؟ وهل بالجدران والذعر تتحقق هيبة الأمم ؟

إن وقوف مصر في صف واحد مع العدو لخنق أهل غزة ، لا يسوغه ما تنطق به الأبواق المأجورة عن الأمن القومي ! لأن الأمن القومي له مفاهيم أكبر وأعمق تحققه هيبة الدولة ، وتجعل الآخرين يفرون مذعورين بمجرد أن تبدى الدولة رغبة ما ، بل تدفعهم دفعا إلى تفادي إثارتها أو استفزازها أو إغضابها ! اما الهلع والذعر والاستعانة بالإعلام الفاشل ، فلا أظنها تسهم في تحقيق الأمن القومي .

تأمل صورة مصر العربية المسلمة أمام العالم ، وخاصة العالم الإسلامي ، وهي تمنع قوافل الإغاثة المحلية والدولية من الوصول إلى غزة ، وتخرج بعض أبواق الإعلام الأمنى تهاجم " جورج جالاوي " أوغيره من النشطاء الدوليين ، وتتهمهم بتهم مضحكة ، من قبيل أنه من بريطانيا التي صنعت مأساة فلسطين ؟ هل يقبل عاقل مثل هذا السبب لرفض قافلة جورج جالاوي؟ وهل نرفض نخوة أصحاب الضمير في أي مكان كانوا ومن أي جنسية كانت ؛ بعد أن ذهبت نخوة الأقارب والأشقاء ؟ ثم إننا نسأل المعنيين في السلطة : ما رأيكم في تظاهرات الأجانب في شوارع القاهرة ليدخلوا رفح وهم يفترشون الطرقات أمام سفارات بلادهم لتبحث لهم عن حل مع الحكومة المصرية كي يؤدوا مهمتهم الإنسانية ويدخلوا غزة؟ ما رأي الخارجية المصرية ووزيرها الهمام الذي يجلس في برامج التلفزيون الحكومي واضعا ساقا على ساق ، ومضطجعا على الآخر ، ويتفوه بكلام سقيم لامعني له حول القضية الفلسطينية وحماس والمصالحة ؟ تمنيت أن يذهب الوزير المبجل إلى تركيا ويجلس إلى وزير خارجيتها الشاب أحمد داود أوغلو ويتعلم منه كيف يقول لا للعدو النازي اليهودي ؟ وتمنيت أن يتدرب على يديه أيضا في كيفية الإضافة إلى رصيد مصرالمعنوي  على الساحة الإقليمية والدولية كما يضيف أوغلو لبلاده  دون أن يشن حربا ، أو يحرك قواته المسلحة ؟

عموما الناس في مصر يقولون إن خنق غزة بسبب إسلام أهلها أومنظمات المقاومة ، وهو غير الإسلام الأمريكاني الذي يرحب به العدو . لقد عبر عباس رام الله من قبل عن كراهية الإسلام حين وصف غزة بالإمارة الظلامية ، أي الإسلامية .. أي إن القضية هي الإسلام ، فالإمارة البهائية في رام الله هي المطلوب إعلانه حتى يرضى الصهاينة النازيون القتلة .. !!

والله غالب على أمره