ملكة بريطانيا .. وميزانية الأوسمة!

ملكة بريطانيا .. وميزانية الأوسمة!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

كنت أودّ أن أقول لملكة بريطانيا العظمى ( سابقاً ) : إنها يجب أن تُخصص ميزانية كبيرة للأوسمة التى تمنحها للكتاب والمثقفين وأهل الإدارة فى البلاد العربية الإسلامية ، فعددهم أكثر مما تتصور ، وقد نجحت الدول الأوروبية الاستعمارية ، ومعها أمريكا فى صناعة الآلاف من عينة سلمان رشدى وتسليمة نسرين ووفاء سلطان وإرشاد منجى وشاكر النابلسى ، ناهيك عن مثقفى الحظيرة العرب وكتاب لاظوغلى العرب واليساريين المتأمركين العرب !

لكن خذلنى مذيع تلفزيونى مشهور ، اتفق معى على السفر إلى مقر القناة التى يعمل بها ، بعد أن ( رغى ) معى وقتاً طويلاً فى قضية " الوسام " الذى منحته الملكة البريطانية للمدعو " سلمان رشدى " ..

كان المذيع المشهور ، ولا أعرف كيف توصل إلى هاتفى فى أعماق الريف ، حيث أحيا بعيداً عن الأضواء التى لا أُحبها ، ولا أسعى إليها ، ولا أفهم فى قوانينها ومقتضياتها .. وأفضل أن أعيش فلاحاً بسيطاً بعد أن جاوزت الستين ، أقرأ ما يروقنى ، وأكتب ما يعتقده ضميرى ، ويؤكده إيمانى ، أقول : كان المذيع المشهور حريصاً على مشاركتى في برنامجه ، ووجدتنى تلقائيا مع كرهى للسفر ومتاعبه ، أوافق ببساطة وسذاجة ، وأستعدّ للجدال فى قضية يراها بعض " الخونة " العرب أمراً طبيعياً يصدر عن جلالة الملكة البريطانية ، فهى تُكافئ سلمان رشدى لمجمل أعماله الأدبية الرائعة ، وفى الوقت ذاته تشنّ حملات ضارية على الشيخ يوسف القرضاوى ، وتعده إرهابيا يجب منعه من دخول عاصمة الضباب !

فخامة المذيع المشهور وعد أن يتصل بى بعد ساعتين ليتحدث معى – كما فهمت – عن إجراءات السفر ونقاط الكلام ، ولكنه لا حس ولا خبر ، بعد أن مضت الساعتين والساعات والأيام ، وجاء بآخر أو آخرين يتناولان الموضوع !

قررت بعدئذ أن أعيش سلطانا فى أعماق الريف ، حيث لا أضواء ولا علاقات عامة ، وأخذت على نفسى عهداً ألا أغادر القاهرة من أجل برامج ، يتحكم فيها الهوى والعصبية والمذهبية ، وربما البيزنس الذى يعقد عليه أصحاب المكاتب والمراسلون فى القاهرة آمالاً كبارا فى إنعاش جيوبهم ونفوسهم ..

ما الفارق الذى أقوله فى مقال قد يطالعه نفر محدود ، وحديث قد تشاهده الملايين ؟

لا فرق ، فالأمة سئمت من المقالات والأحاديث ، ولكن الأمل فى كل الأحوال يبقى قائماً ، حين يتأثر فرد هنا أو هناك برأى سليم ، فيتولى تنفيذه عندما تدفعه الأقدار إلى موقع المسئولية .. وأعتقد أن كل الأفكار التى نادت بها ( الحركة المباركة ! ) فى يولية 1952 ، وكانت نتاجاً لكتابات الأدباء والمثقفين طوال ستين سنة مضت ، مذ بدأت مقاومة الاستعمار البريطانى ، ومكافحة استبداد القصر .. مئات الصحف وآلاف الكتاب والشعراء ، والكتب والدواوين ، كانت كلها تتكلم عن الإصلاح والمستقبل .. لم تكن ( الحركة المباركة ! ) وليداً شيطانياً من حيث الفكر ولكنها كانت بنت الرسالة والثقافة ومجلات الإخوان والشبان المسلمين والجمعية الشرعية وغيرها .. ( هل تعلمون أن الجمعية الشرعية فى الخيامية تبنت إقامة أول مصنع لنوع من ملابس الفلاح المصرى ؟ ثم امتد الأمر وتوسع فيما بعد بالمحلة الكبرى وغيرها ؟ ) .

لا يوجد فارق كبير بين مقال فى صحيفة محدودة وحديث فى قناة ممدودة .. ولكن بعض السادة الأشاوس والنشامى ، من أهل الإعلام وخاصة المرئى ، يظنون أنفسهم ملوكاً ، يرفعون من يشاءون ويخفضون من يُريدون .. ولكنى أرى المسألة غير ذلك ، وأراهم " نرجسيين " إلى درجة عبادة الذات ، وهم فى كل الأحوال سيذهبون مثلما يذهب غيرهم من الناس ، ولا يبقى من هؤلاء وأولاء إلا البذور الطيبة الصالحة للإنبات .

" سلمان رشدى " لا يعنينى ، ولكن تعنينى صناعته ، وهى صناعة ثقيلة بلا شك ، أتقن الغرب الاستعمارى واليهود الغزاة صناعتها ، حيث خاطبوا نقاط الضعف فى بعض الأشخاص الذين ينتسبون إلى الأمة الإسلامية بالمولد أو النشأة ، وراحوا يستفيدون من مناخ الاستبداد القائم فى معظم بلدان العالم الإسلامى ، فروّجوا لهؤلاء الأشخاص ، بدعوتهم إلى ندوات ومؤتمرات ورحلات في العالم الغربي ليست فوق مستوى الشبهات ، وأرسلوا إليهم من يتبنى إنتاجهم الردىء بالترجمة والتعريف ، ومنحوا جوائز لكل من يسبّ الإسلام أو يُشكك فيه ، وأتاحوا الفرصة للحصول على الشهادات العلمية الرفيعة لمن يدرس اللهجات العربية وغير العربية فى بقاع العالم الإسلامى .. ثم – وهو الأخطر – فرضوا على الدول العربية والإسلامية التى تتلقى معونات أو تفرض عليها حمايات ، أن تغير الخطاب الدينى الإسلامى ، أى تغيير الإسلام ، وتستأصله من الثقافة والتعليم والإعلام والأوقاف – نعم الأوقاف وتفسير ذلك يطول ولعل مناسبته تأتى إن شاء الله – وأعتقد أن زعماء وسلاطين هذه الدول هم الذين يستحقون الأوسمة من عينة " فارس " أو ما فوقها ، لأنهم يؤدون خدمات جليلة لإنجلترا والغرب كله فى هزيمة أوطانهم ، وانتصار الغرب واليهود .. ومرة أخرى .. ليت ملكة إنجلترا رئيسة الكنيسة البروتستانتينية – أساس المواطنة هناك – تخصص لهؤلاء الأشاوس والنشامى الذين صاروا يفوقون " سلمان رشدى " ولاءً وحبّاً وتماهيا مع الغرب الاستعمارى ، ميزانية خاصة تتناسب والعدد الضخم الذى يُشكّلونه فى أرجاء العالم الإسلامى .. ألم تذهب بعض الجوائز المحلية لشعراء تزغيط البط و " الذات الإلهية التى تنظم المرور فى شارع زكريا أحمد ؟

ولا غالب إلا الله ..