مفارقات السياسة السعودية في اليمن
"النصر المؤزر والباهر" على حد وصف الرئيس الإيراني محمد روحاني سيطرة جماعة «أنصار الله» (المعروفين بالحوثيين) هو ذروة كبرى في المنازلة الإقليمية التي تخوضهاطهران وحلفاؤها مع المملكة العربية السعودية وحلفائها.
غير أن الانهيار السريع للجيش اليمني والسيطرة الحوثية السريعة على العاصمة صنعاء رفعا أسهم فرضيتين:
الأولى تقول إن ما حصل هو انحناءة سعودية فرضتها أولويات الرياض الحالية المتمثلة في دورها ضمن «التحالف الدولي» لمجابهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، والثانية تقول إن ما حصل خديعة تم تمريرها على السعودية وحلفائها وشاركت فيها أطراف يمنية وخليجية.
في كلمة ألقاها نيابة عن الرئيس اليمني وزير خارجيته جمال السلال مساء الأربعاء الماضي في الاجتماع الوزاري لمجموعة أصدقاء اليمن على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، عزى عبد ربه منصور هادي، نجاح الحوثيين في السيطرة على العاصمة اليمنية الى تحالفهم الوثيق مع «بعض أركان النظام السابق» (ملمّحاً الى الرئيس السابق علي عبد الله صالح)، وهو تحليل يعزز الفرضية الأولى، لأن الرئيس السابق علي صالح يتحرّك بتغطية إقليمية من السعودية، ولا يعقل أن يتخلّى عن حليفته الكبرى لو لم تكن هناك موافقة مبدئية من السعوديين على تحركه.
لكنّ هذا التحليل لا يستطيع أن يجلي كل غوامض الأحداث اليمنية الأخيرة، فهناك فرضية ثالثة تقول إن سلطنة عُمان أشرفت على اتفاق بين وفد ابتعثه هادي وترأسه علي حسن الأحمدي (رئيس جهاز الأمن القومي اليمني) ووفد إيراني التقاه في مسقط، وأن الاتفاق أدى الى صفقة قضت «بتمكين الحوثيين من القرار السياسي في البلاد»، وحسب هذه الفرضية فإن الرئيس هادي قصد من ذلك تعطيل دور نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض، وهو الشخصية القيادية الخطيرة والمؤثرة في الحراك اليمني الجنوبيّ، وأن هادي برّر للسعوديين اتفاقه مع الإيرانيين بهدف ضرب الإخوان المسلمين في اليمن.
الإشارات على الاتفاق السعودي الإيراني في اليمن موجودة وأضيف إليها أمس الإعلان عن إطلاق إيرانيين كانا محتجزين في عدن، بوساطة عمانية، وهذان كانا اعتقلا بعد احتجاز السفينة الإيرانية «جيهان 1» التي كانت محمّلة بأربعين طنا من الأسلحة والقذائف والمتفجرات وتم حجزها عام 2013.
ومما يزيد التأكيد على كل ذلك مسارعة السعودية الى الترحيب بـ «اتفاق السلم والشراكة الوطنية» وإشادتها «بما بذله الرئيس عبد ربه منصور هادي».
ورغم اتساق جهات السيناريو المذكور، فإن تصريح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الأحد الماضي الذي دعا فيه جماعة الحوثي الى تنفيذ اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي وقعته الجماعة مع الحكومة اليمنية «بشكل كامل وعاجل»، واتهمهم فيه بعدم تطبيقه «على الوجه المطلوب»، والذي تقابله تصريحات روحاني حول «النصر المؤزر» وتضييق جماعة الحوثيين الخناق على خصومهم السياسيين في صنعاء، تكشف أن السياسة الخارجية السعودية في اليمن قد تكون أطلقت رصاصة على قدمها، وأن الإيرانيين والحوثيين لن يكتفوا بمطاردة خصوم السعودية الآنيين (الإخوان المسلمون) بل سيستهدفون النفوذ السعودي في اليمن ويستخدمونه في المعركة الإقليمية الكبرى الدائرة.
مجتبى ذو النور، مستشار مندوب الولي الفقيه في الحرس الثوري الإيراني، لم يعتبر ما حدث في اليمن انتصارا لـ «الثورة الإسلامية» في سوريا والعراق وغزة ولبنان واليمن فحسب بل اعتبر ان «هذه الانتصارات ستفتح بوابة فتح السعودية».
وبغض النظر عن الشحنة الدعائية لهذه التصريحات فإن ما حصل في اليمن، في رأينا، يعكس دهاء إيرانياً كبيراً يقابله سوء تقدير سعودي كبير، والنتيجة العملية ستكون تقليم أظافر السعودية في اليمن وهو ما سينعكس على دور الرياض الإقليمي، وقد يهدّد أمنها الداخليّ.