البعد السياسي للقمة العيش
د. انتصار شعير
الإسكندرية ـ مصر
أعتقد أن الحزب الوطنى سيعيد النظر أكثر من مرة فى المؤتمر السابع للحزب بعد أن أصبح حديث الساعة فى أعقاب كل مؤتمر سنوى هو ما خلفه الحزب الوطنى الحاكم من آثار سلبية فى حياة المواطنين ، سواء من الناحية الاقتصادية أوالسياسية أوالاجتماعية أوالثقافية أو من ناحية انتهاك أبسط حقوق المواطن كإنسان . وقد قامت بعض المؤسسات بعمل الاستقصاءات ومنها أجهزة تابعة للدولة ، وأخرى تابعة لجهات خاصة ، وجميعها أعطت مؤشراً واضحاً هو تدنى أداء حكومة الحزب الحاكم ، وتسببها فى زيادة ديون مصر ، وانخفاض مستوى معيشة الفرد , وقام بعضهم بعمل استقصاءات أخرى عشوائية عن اهتمامات الشعب المصرى - وإن أجريت على عينة عشوائية صغيرة - إلا أنها أعطت مؤشراً آخر ، وهو أن أولوية ما يهتم به أغلبية الشعب المصرى هو لقمة العيش ، وما تحمله من معانٍ أخرى تتمثل فى حصوله على فرصة عمل ، والدخل الشهرى للفرد ، ومستوى معيشته ، وجودة مرافق الدولة التى تقوم على خدمته هو وأولاده صحياً وتعليمياً وطرق المواصلات ... وكل ما شابه ذلك , وعلى رغم أهمية هذه الأشياء بالنسبة للمواطن إلا أنها لا يجب أن تكون على حساب مشاركته الفاعلة فى الحياة السياسية من أجل تحقيق كل ما يصبو إليه من مستوى معيشي بطريقة شرعية سليمة دائمة وغير مؤقتة .
فإذا حدث وأصبح اهتمام الشعب بلقمة العيش على حساب مشاركته فى صنع القرار فذلك يعرف فى لغة السياسة بمصطلح ’’ الديمقراطية الشعبية ’’، أو ’’ ديقراطية النتائج ’’ . وهو يعد من أسوأ أنواع الأنظمة الديمقراطية , وهذا ما سيق إليه شعب مصر حيث الانشغال الدائم بالظروف المعيشية الصعبة وضغوط الحياة المتراكمة والمعاناة المستمرة مع الشعور باستحالة تغيير الأوضاع , فلا يوجد فصل بين السلطات , فالحزب الوطنى يمثل الأغلبية فى مجلس النواب , ومن الحزب الوطنى تشكل الحكومة , ومن الحزب الوطنى يعين رئيس الدولة . وهذا ما يعرف باسم ’’الظاهرة الحزبية ’’ ، حيث يتحكم فى نظام الحكم حزب واحد هو السلطة التشريعية وهو السلطة التنفيذية وتتبعه السلطة القضائية , ولا توجد محاسبة جدية وفعلية لأداء الحكومة داخل مجلس الشعب ، وذلك يعطل كل اتجاه إصلاحي ، و يعرقل عمل كل جهاز رقابى حقيقى . فمن أين يأتى الإصلاح ؟ وهل نتوقع أن يعترف الحزب الوطنى بأخطائه أمام الشعب؟ أو أن يحاسب نفسه بنفسه ؟.. لقد اعترف الحزب الوطنى بخطئه فى شئ واحد وهو تقصيره فى الهيمنة الكلية والانقضاض على كل المقاعد فى انتخابات مجلس الشعب السابقة مما تسبب فى دخول 88 عضواً من الإخوان المسلمين سهواً تحت قبة برلمان ’’ الحزب الوطنى ’’ .
لذا يجب أن يكون اهتمامنا ليس الحصول على لقمة العيش فحسب ، ولكن يجب أيضا أن نهتم كيف نحصل على لقمة العيش ؟ كيف نحصل على لقمة العيش دون غرق مصر فى الديون؟ , وكيف نحصل على لقمة العيش دون أن تكون لقمة العيش من قمحٍ فاسد؟ , وكيف نحصل على لقمة العيش دون أن نمد يدنا للإعانة من هذا وذاك ؟ كيف نحصل على لقمة العيش كحق وليس أن تلقى إلينا كفتات وبواق من موائد الكبار ؟ كيف نحصل على لقمة العيش ويجدها أولادنا فى المستقبل ؟ .
لابد أن ندرك أن التغيير الحقيقى يبدأ من أنفسنا .. من طريقة تفكيرنا .. من المطالبة بحقوقنا فى المشاركة كشعب فى صنع القرار وهذه هى الدبمقراطية الحقيقية.