الكابوس العربي

فاضل الأحوازي 

[email protected]

انه لوقت صعب ان يكون فيه المرء من اصحاب التنبؤ أو التكهن بمجريات الاحداث ومنتهاها في عالمنا العربي ناهيك عن التفاؤل بمآلها وذلك لتسارع الاحداث والتحديات ووقوعها بغير تسلسل عقلاني او تاريخي او منطقي.. إلا أنه وكما استدل الاعرابي الذي يعيش في الصحراء على وجود الخالق بعد أن دلته فطرته السليمة على ذلك حيث قال ان البعرة تدل على البعير وآثار الاقدام تدل على المسير ، أرض فجاج وسماء ذات أبراج ألا تدل على صنع العلي القدير.بعد أيام قلائل سنودع عاماً ميلادياً ونستقبل جديداً آخر وسيفرح الكثير في عالمنا العربي لقدوم هذا المولود الجديد وسيستبشرون به خيراً وهكذا جرت العادة ولكن واستلهاماً من إدراك ذلك الاعرابي البسيط هناك عدة دلائل تدعونا الى عدم الافراط في التفاؤل.

لقد استقبلنا عام 2009 بمجازر غزة والتي حصدت الاخضر واليابس واستشهد بها اكثر من 1400 برئ حتى لتُسْأل الموؤدة بأي ذنب قتلت ، فإن كانت افتتاحية هذا العام بهذه المجازر البشعة وهذا العدوان من العدو الغريب إلا أننا وقبل وداع هذا العام صدمنا بزلزال الفتنة يضرب أوصال العلاقات الطيبة بين الاشقاء في مصر والجزائر حتى تنكر كل منهم لما قدمه له الآخر أيام محنته ومن أجل ماذا؟ من أجل لعبة كرة كان يجب أن لا ترتفع بمستواها فوق مستوى أقدام لاعبيها أما المحروسة ذاتها والتي كثر مدعو حراستها والطامعون بها، فلا ننسى ان الانتخابات الرئاسية فيما ستتم عام 2011 ، وفي المطابخ السياسية المصرية يشحذ الطباخون سكاكينهم ويوضبون أدواتهم من قدح وذم وتجريح وتشهير فيما بين الحزب الوطني الحاكم الحالي وبقية الاحزاب المعارضة ، فهذا يطالب بتوريث السلطة وذلك يرفض سواء كان هذا التوريث أسرياً أو حزبياً وهذا كله من شأنه أن يصيب الجسد المصري بالهزال وزيادة الأمراض فيه ، لن نذهب بعيداً عن المحروسة مصر أم الدنيا فها هي شقيقتها السمراء التوأم السودان والتي سيجري فيها عام 2011 اقتراع على الانفصال الجنوب واستقلاليته بل وسلخه عن بلده مع استمرار النزاع حول دارفور وأبييه دون ان يلوح في الأفق أي بارقة أمل بالوصول الى أي اتفاقات يضع حداً لمرض عضال يتجاوز عمره الخمسة وعشرون عاماً من المشاكل والخلافات ونمضي جنوبا من السودان بإتجاه أرض الصومال والتي كنا ننسى عروبتها إلى أن يذكرنا بها بعض ملاحين التاريخ العرب أو قارئة كف عربية فها هي أزمة الصومال تطاول قاماتهم ويزيد لونها سواداً وقتامة على لون أهلها الذين هدتهم الحروب والمجاعة والترحال وإن الاتفاق الاخير بين الحكومة والمعارضة على تطبيق الشريعة يحمل في صفحاته بذور صراعات وأزمات جديدة والتي كان من بواكيرها ذلك التفجير الأخير الذي كان من بين ضحاياه الوزراء الثلاثة .. ونجتاز افريقيا بحراً لتحط أشرعتنا على سواحل اليمن السعيد بحث عن درهم سعادة فيه حيث أن لكل من اسمه نصيب ، ونتوه هناك بين جبل وواد فمن انفصاليين في الجنوب الى الحوثيين في الشمال وشرر الفتنة يتطاير هنا وهناك ليصيب بعضه أطراف الثوب السعودي من الناحية الجنوبية وأخشى ما نخشاه أن يصل الشرر الى ابعد من اطراف الثوب بل وستكون الطامة الكبرى إن تصل اية بئر نفطيه وعندها "دبرها يا مدبر حلوم" ، نودع اليمن الحزين وقلوبنا تدعو له بقرب انتهاء محنته ونعود أدراجنا لنقف على الحدود المصرية الفلسطينية الغزاوية لنتخيل شكل ذلك الجدار الفولاذي المزمع انشاءه على هذه الحدود والذي كما قيل من المستحيل اختراقه أو تدميره أو ثقبه بعد أن يرسخ في باطن الأرض بعمق أكثر من 18 متر ، لقد سمعنا بجدران الفصل العنصرية والتي تفصل بين عنصريين بشريين مختلفين ولكن جدار فصل بين شعب و عنصر واحد فلا أجد اسما لهذا الجدار الفصل وان كان يحمي الحدود وسموه ماتسموه ، ونمضي بين اطلال فلسطين  التي زرعت نكبتها في أكبادنا خنجراً مسموما ميممين شطر المسجد الاقصى الذي بورك حوله والحفريات الصهيونية تقرض الاساسات من تحته فنجد هناك إن من تم طردهم من المقدسيين من ارضهم وبيوتهم خلال هذا العام الموشك على الانصرام أكثر ممن تم طردهم منذ احتلالها قبل اكثر من 42 عاما ونمضي شمالاً الى حيث الماء والخضرة والوجه الحسن الى لبنان الحبيب الجميل الذي أنهكته الحرب المجنونة بدأت عام 1975 وما ان هدأت في بداية التسعينات حتى بدأت حروب جديدة بأشكال ووجوه جديدة هي حروب الزعامات وفرض الارادات ، وبعد ان استبشرنا خيرا في تشكيل الحكومة مؤخرا إلا أنها كانت حكومة وفاق وطني بين أحزاب المعارضة والموالاة . وأخشى ما نخشاه أن يخطر ببال أحد قادة هذه الأحزاب خاطر ، أو كما يقال " ذهبت السكرة وجاءت الفكرة ونستفيق على هدم كل ماتم بناؤه .

ونغادر لبنان شرقاً لتحط رحالنا في أرض السواد ، بلاد الرافدين العظيمة البوابة الشرقية للمجد والحضارة العربية الإسلامية ويجري الأمل في الخاطر جريان الدم في الشريان . وذلك أن العراق ورغم كل محاولات محوه من التاريخ والجغرافيا والذاكرة يبعث نفسه من جديد من الرماد كطائر الفينيق ، إلا أن التفجيرات الدامية الأخيرة وعدم الاتفاق على توزيع مقاعد البرلمان يجعلنا نشعر أننا " لا طبنا ولا غدا الشر " وفي المفهوم العسكري مكانك راح .

وبمناسبة وجودنا في العراق ومن باب صلة الرحم لابد أن نفرج على قريبكم المنسي والذي قطعتم معه كل أواصر القربة ونشيم بوجوهنا عنه مخافة افتضاح ذلنا وبيان عجزنا عن نصرته حتى يكاد أن يقول ياليتني كنت نسياً منسياً . إنه الأحواز السليب الذي مل من التدليل على عروبته وعاف الاستنصار بالمعتصم الذي مات بأمتنا منذ قرون عديدة .

هذه مسطرة من واقع عربي متردٍ . يمكنك أن تقيس عليها بقية الدول التي لم تذكر وهي لم تذكر كرهاً فيها وإنما خشية فتح جروح جديدة . لأن كل دولة عربية تنام على برميل بارود ويمكن أن ينفجر في لحظة تنام هكذا ونحلم بغد زاهر .

وبعد كل ما ذكر وما لم يذكر يمكن لأي ذي رأي رشيد أن يقرر هل هناك ما يدعو إلى التفاؤل وحسن الظن بالعام القادم أم يلعن اليوم الذي ولدته أمه على هذه الأرض .