السيد وليد المعلم
السيد وليد المعلم
وزير الخارجية السورية
م. نجدت الأصفري
أريد أن أرفع العتب عن نفسي ، وحتى لا أكون شيطانا أخرسا إذ أسكت عن الحق ، لذا قررت أن أكتب لك ما يخالج ضميري حول مهامك ومسيرتك في عملك الجديد ( وزيرا للخارجية في حكومة سوريا القائمة ).
كوني أحد المواطنين الأمريكيين من أصل سوري ، فقد عرفت وتابعت نشاطك عندما كنت سفيرا لسوريا هنا في واشنطن ، لا يزال لك رصيد جيد لدى من يعرفك من أعضاء الكونغرس الأمريكي ويمتدحون هدوءك ونغمة صوتك الهادئ في أحاديثك التي تجيد فيها التحدث عن سوريا بلد الحضارات والثقافات وتعدد القوميات ذاك المنثور متعدد الألوان والعطور ، وإن يتعجبون مما رميت به نفسك مما لا يستقيم مع ما يعرف عنك من حكمة ورشاد .
كنت أنا معجب بك خادما رصينا مخلصا لوطنك ملما بكل جميل عنه تحمله بأجمل العبارات وأحلى الصور عن دمشق ذات الرصيد الموغل في القدم والحضارة ، يعرفها كل من قرأ التوراة والإنجيل ولديه إلمام عن حضارات الأمم ومسار التاريخ .
إن التاريخ لا يرحم ، وسجلات التاريخ بعد أن تملأ بسطور الأحداث لا يمحوها قادم الأيام ، وليس بخاف عليك ما فتحته صحائف التاريخ الماضي فقسمت أشخاصه وممثليه إلى ( صالح ) فأثنت عليه ويتمثل به كل من يحب سيرته وتعجبه أفعاله ، و ( طالح ) تذمه وتلاحقه لعنات الخلق كلما جاءت سيرته أمام القارئين .ومثالين من تاريخنا يوضحان ما أقول :
مسيلمة وقد التصقت صفته باسمه فلا يعرف إلا (الكذاب ) ولا تجد أحدا من الخلق تجرأ أن يسمي ولده بهذا الاسم منذ سجله تاريخه السيئ في طيّ صفحاته حتى قيام الساعة أبدا .
عليّ بن أبي طالب (ر)[ وقد اخترته من ملايين العظماء في تاريخنا الناصع حتى لا أخدش مشاعر أحد فيما لو اخترت غيره خصوصا مع علاقتنا اليوم مع إيران الشقيقة المسلمة ] فيندر أن تعد عشرة أسماء دون أن يكون أحدها عليا، وذلك لنصاعة سلوكه ورجاحة عقله وشجاعته وإقدامه وجليل خدماته .
أريد أن أصل إلى ما أريد قوله لك ، قد يعذر الناس الطفل إذا أخطأ ، فيصبرون عليه لعلمهم بصغر سنه وقلة خبرته وعدم السوء في قصده ، كذلك يعذر الناس المراهق فهو في نظر الجميع أنه (كبير الجسم صغير العقل ويدعي معرفة كل شيء وهو ليس كذلك ) . لكن عذر الناس لمن بلغ من العمر سن الأربعين وفوقها ينعدم تحت فرض أن تجاربه في الحياة مقرونة بدراسته وخبرته تحتم عليه أن يقلب الأمور على وجوهها مرات كثيرة قبل أن يقدم على فعلها أو الموافقة عليها . ولعل سن الأربعين هو بدأ مرحلة الحكمة ورجاحة العقل ، أخطاء من بلغ الأربعين وتجاوزها أقل كثيرا من أخطاء المراهقين وعديمي الخبرة ، فهل توافقني ؟ ولعل دساتير العالم كلها اشترطت سن الأربعين هو الحد الأدنى لاستلام المناصب العالية والمهمة التي تحتاج الروية والهدوء وتمحيص الأمور وتقليبها في الاحتمالات المتوقعة ، فلا يتخذ قرارا إلا بعد دراسة وتمحيص شديد يضاف إلى ذلك الاستئناس بمشاورة الشيوخ للاستفادة من حكمتها ورجاحة عقلها ، وأن لا يكون التسرع سببا في اتخاذ القرار الخطأ .كما أن بعض الأديان لا تلزم تابعها إلا بعد الأربعين .
إلى هنا أكون قد اقتربت مما أريد أن أسره في أذنك ، فأنت قد غامرت بقبولك مركزا فرضه عليك نائب الرئيس الحالي السيد فاروق الشرع ، ليضع في يديك قيد مسؤولية لأمور ليست نظيفة تتخذ تحت أسمك أو تفرض عليك ، إن مصلحتك لا تستقيم في تمرير ما يريده السيد الشرع ، فللشرع سحبات وشطحات تؤخذ عليه فيها كثير من الملاحظات التي تحمل خبرته القلية وسلوكه غير المريح ، وليجعلك تحت عينه وسمعه فقد ألحق بك قريبه ووضعه تحت جناحك أو العكس أنت تحت جناحه فهو القادر في أي لحظة أن يوشي بك إليه (وذلك قادم مهما طال الزمن ) عندما يستأنس من قدرته على اقتناص مركزك .
لو فرضنا جدلا أن سرقة كرسي وزارة الخارجية منك ليس واردا في الوقت الحالي ( على الأقل) ، فدعني أنتقل إلى فكرتي التي بدأت كتابة هذه الرسالة لك من أجلها.
أتعجب أشد العجب إن رجلا ذو رصيد جيد مثلك رمى نفسه في مستنقع يمور بالشبهات في جرائم كثيرة في دول الجوار كلها من تركيا ، العراق ، الأردن غزة ، ولبنان ، جميع الأصابع تشير إلى ولوغ النظام السوري في ارتكابها كلها أو أكثرها ويستدلون على ذلك بشواهد كثيرة منها :
- :أن جميع من قتل أو نجا من محاولة القتل هو ممن تعاديه سوريا وتتصيده.
- :التهديدات الدائمة الصادرة من رأس النظام القائم في دمشق بإشعال المنطقة من بحر قزوين حتى البحر الأبيض المتوسط . من خلال خبرتك الواسعة تستطيع أن تبحث عن السبب الذي يحمل رئيس دولة على رفضه تشكيل المحكمة الدولية ، فما قصة هذا التهديد وعلاقته بالمحكمة ؟
- دأب رئيس النظام بنفي أي علاقة لأي سوري في الجرائم التي وقعت في لبنان وذكرها بنسبة 100% .
- يرمي رئيس النظام مسؤولية هذه الجرائم على عاتق إسرائيل و / أو أمريكا ، ألا تجد معي أن رفضه لتشكيل المحكمة مع اعتقاده بأن القاتل هو إسرائيل و / أو أمريكا لا ينسجم ولا يستقيم مع معارضته لإقامة المحكمة ، ألا يشعرك عندما لا يريد المحكمة كأنه يدافع عن الفاعل الذي هو في أقواله أمريكا أو إسرائيل ؟ فهل وضح لك رأيي ؟
- المشاكل التي تنفجر كالبالونات في لبنان هنا وهناك ، كأنها ألعاب نارية لكنها تخطف الأرواح البريئة ، وقد وقع معظم فاعليها بيد العدالة اللبنانية ، من سوء الحظ أن كافة التحقيقات مسجلة بالصوت والصورة وموثقة من جهات أمنية وعدلية مشهود لها بالنزاهة والصدق ، معظم المجرمين في جميع ما حدث ، إما سوريين أو من أزلام النظام السوري
- الحقيقة يا سعادة الوزير قد تختفي لفترة لكنها لن تختفي للأبد ، فجند الشام ، وفتح الإسلام ، وعصبة الأنصار ، وأبناء الشهيد ... كلها صناعة سورية مسجلة لها براءة الاختراع .
- إن هذا الإسلام الذي يتخذون أسمه الرفيع ليمسحوا بهامته الطاهرة أوساخ جرائمهم ويسيئوا سمعته كدين يحرض على القتل ويمتهن الجرائم أفلا يثير هذا في نفسك وقلبك مشاعر الأسى أن يسيئوا لهذا الدين الحنيف ، دينك ودين آبائك ووطنك . ألا تشعر بالتبعة أن تكون أحد أفراد طاقم خاسر رماك في حضيض ليس لك منه منفعة سوى الخسران المبين ؟ فأي منفعة لك أن تكون شريكا لفريق آثم متهم ؟
- لا يزال أمامك متسع ولو أنه ضيق ، لكنه كوة النجاة لتنقذك من سمعة سيئة وحكم لا يرحم .
إن الوطن لا يضيق بالمخلصين من أبنائه ، ويفتح ذراعيه على سعتهما للتائب العائد لحضن الوطن قبل فوات الأوان فلا تتأخر فالوقت لا يمهل المبطئين .أحرص على سمعة طيبة لأهلك وأضف نفسك إلى سجلها ، فليست المناصب والكراسي ممن يشفع لمن يحق عليه القول ويقع ضحية جهله وانسياقه ، ألا هل بلغت وأرحت ضميري فإن عقلت بما نصحتك به كنت من الفائزين ، وإلا فلا تلومن إلا نفسك .
وتقبل تحية من أخلص إليك النصيحة .