الرئيس محمود عباس بين مطرقة التذكر وسندان النسيان

خضر محمد أبو جحجوح

الرئيس محمود عباس بين مطرقة التذكر

وسندان النسيان

خضر محمد أبو جحجوح

عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين

عضو رابطة أدباء الشام

[email protected]

وأخيرا يتذكر الرئيس عباس أنه رئيس للشعب الفلسطيني كله بمعارضيه ومؤيديه وأنصاره، وأنه رئيس للشعب الفلسطيني كله في الضفة وغزة أو في شطري الوطن كما يحلو لعباس الترديد دائما، جميل أن يتذكر الرئيس هذه الحقيقة التي لا إخاله نسيها ولكنه تناساها في لحظة من اللحظات ليمرر مشروعا سياسيا ولا بأس إن مر هذا المشروع على دم الأبرياء وأشلائهم، وصرخات الأرامل ودموع الأيتام  في غزة والضفة الغربية، وجميل أن يتذكر أن عليه واجبا يقتضي حماية هذا الشعب المنكوب بيد من باعوا دينهم ووطنهم وضيعوا قضيتهم في مسلسل التنازلات المتواصل، ووقفوا على عتبات من يجزل الدفع بالعملة الصعبة يتدافعون بخرائطهم السياسية تدافع المحرومين اللاهثين وراء نزواتهم ومصالحهم.

ولكن الأجمل أن يبادر باتخاذ إجراءات دستورية وأخلاقية وقانونية لوقف القتل الذي يمارس في الضفة الغربية أولا وقبل كل شئ، ولإجراء لقاء عاجل مع طرفين أولهما: القيادة الحكومة الفلسطينية التي أقالها بقيادة رئيس الوزراء إسماعيل هنية، والمجلس التشريعي من جهة، والقيادة السياسية لحركة حماس في الخارج متمثلة في خالد مشعل،  قبل فوات الأوان فإن المشهد الواقعي بأشكاله كافة الدستوري والقانوني والأخلاقي والاجتماعي والوطني تسير بعكس ما يتصور محمود عباس ومن حوله من مستشارين، ولن ينفع حينها أن تقف دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية في جانب أناس يعملون ضد مصلحة الوطن والقضية.

وأخيرا يقرر عباس بما لا يدع مجالا للشك أن كل قطرة دم سالت في غزة والضفة الغربية كانت برضا منه مباشرة سواء أقر بطيب خاطره، أم بإملاءات تقتضيها مصلحة بعض الرسميين المحيطين به ومصلحة برنامجه السياسي، فما دام الرجل حريصا على دم شعبه وممتلكاته ومقدراته فلماذا لا يصدر قرارا ساري المفعول عاجلا غير آجل بوقف أعمال القتل والنهب والاعتداء على زملائه في المجلس التشريعي رمز الشرعية التي يتغنى بها صباح مساء.

ألم يكن حريا بك يا أبا مازن أن تقف وقفة شجاعة يوم كانت مجموعات حرسك الرئاسي تذبح رعاياك في المنتدى والشوارع ذبح السوائم الضالة، وأنت صامت لا تحرك ساكنا،؟

أولم يكن حريا بك أن يتمعر وجهك غضبا لله تعالى ورجالك يدوسون المصحف الشريف في المساجد ويعتدون على حرمة المساجد ويقتلون أئمتها وحفظة القرآن فيها وهم ركع سجود؟

أوليس حريا بك الآن أن تقف الوقفة التاريخية الشجاعة فتأمر عصابات الموت وجماعات القتل التي تأتمر بإمرتك مباشرة في طولكرم ونابلس ورام الله وجنين ومدن الضفة الغربية قاطبة، بالكف عن أفعالها الإجرامية- التي لا هدف لها إلا محاربة النفس الفلسطينية على غرار ما فعلت عصابات شتيرن والهاجناه في مطلع الأربعينات من القرن الماضي، لنشر الرعب والدمار، واليأس دون أن تفلح تلك الجماعات إلا في التعجيل بهلاكها؟ أوليس حريا بك يا رئيس فلسطين وأنت تتحدث عن الشرعية،  أن تجلس مع المجلس التشريعي لتفعيل القوانين رمز الشرعية؟ بدل أن يكتب التاريخ أن الرئيس عباس استجاب لضغوطات من حوله داخليا وخارجيا فانقلب على الشرعية وخيارات الشعب الفلسطيني التي عبر عنها من خلال صناديق الانتخابات، وخالف القوانين وشكل حكومة دون الرجوع إلى المجلس التشريعي، ليسهم في تعميق الخلافات والانقسامات بين أبناء الشعب الفلسطيني.

يا أبا مازن لكل شئ إذا ما تم نقصان، ووالله الذي لا إله إلا هو لتُسألنّ عن كل قطرة دم سالت وعن كل أرملة فقدت زوجها وتيتم أبناؤها، ولتسألَنَّ عن دموع الأيتام وأنات الجرحى وعذابات الأسرى، ولتُسألنَّ عن الأقصى وديار المسلمين في أكناف بيت المقدس،!! فأنت مسئول عن هذه الرعية وهذا الوطن وما فيه من وقف للمسلمين، والعمر مهما طال يا أبا مازن قصير قصير فتذكر يوم الحساب فانبذ الدنيا وأطع الله تعالى واتقه في هذا الشعب وهذه القضية، وليسجل التاريخ أنك ما فرطت وما تنازلت ، وإلا فإن التاريخ لن يرحم والشعب المقهور لن يرحم والله الخالق الجبار المتكبر من ورائكم محيط.

وأخيرا يتذكر الرئيس أنه رئيس مسئول عن الشعب كله، ولكنه لا يحرك ساكنا لوقف المجازر التي ترتكبها عصابات تتبع للقرار الرئاسي مباشرة، فكم جيلا سيمر حتى يدرك الكثيرون من أبناء شعبي العظيم هذه الحقيقة الناصعة، فيهبوا هبة رجل واحد وفي أيديهم خلاصة تاريخ النضال الفلسطيني على مر الأجيال؛ ليقولوا إنا أكبر من أن نقع في حبائل زمرة من المنتفعين فتاريخنا، وقضيتنا، وهويتنا، وحاضرنا، ومستقبلنا،  ووجودنا كله عرضة للضياع والفناء، إن لم نهب للدفاع عن مقدساتنا ونطرد الاحتلال بمقاومة مزاجها عملٌ عسكري وتعميق ثقافيٌّ في أنفسنا وأنفس أجيالنا، بعيدا عن كذب المطبِّعين الذين يسعون إلى شطب فلسطين من ذاكرة الأجيال يوما بعد يوم.