المشهد الدموي في الضِّفة الغربية دليلٌ على حجم المؤامرة

خضر محمد أبو جحجوح

المشهد الدموي في الضِّفة الغربية

دليلٌ على حجم المؤامرة

خضر محمد أبو جحجوح

عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين

عضو رابطة أدباء الشام

[email protected]

 تزودنا وسائل الإعلام صباح مساء بأخبار عمليات قتل واختطاف ومداهمة بيوت، وحرق سيارات الفلسطينيين، وممتلكاتهم في مدن الضفة الغربية، ومداهمة مؤسسات خيرية اجتماعية ومؤسسات ثقافية، ينفذها عناصر من الحرس الرئاسي والأجهزة التابعة لنطاق صلاحيات الرئيس الفلسطيني التي يفترض فيها أن تكون أجهزة أمنية تحافظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم، وأعراضهم، وأموالهم، وعقولهم، ودينهم، أو ما يسمى في الاصطلاح الأصولي الشرعي الكليات الخمس، وفي الاصطلاح الأخلاقي والاجتماعي كينونة الإنسان ومستحقات كرامته ووجوده.

 تلك الأجهزة التابعة للرئيس عباس جميعها كما أكدت البراهين، وتؤكد يوميا وبعيدا عن الاختلاف الفكري والصراع السياسي بين فتح وحماس، تخصصت في الاعتداء على هذه الكليات الخمس الروح والعرض والمال والدين، والعقل، بشكل منهجي مبرمج، يخدم على المدى القريب والبعيد، منهجا دمويا يهدف إلى تدمير لَبِنات النفسية ومقومات العزة والكرامة في نفس الفلسطيني، وفق منهج صهيوأمريكي يهدف إلى النيل من هذه الكليات الخمس وهي مقومات حياة الإنسان ومرتكزات نهضته وبنيته النفسية والمادية.

 ما يجري في الضفة الغربية من اعتداءات على الأبرياء، يبرهن بما لا يدع مجالا للشك أن رأس الهرم الرئاسي أراد أن ترجع غزة إلى عهود السجن والقتل، منذ قلص صلاحيات وزير الداخلية، ومنح قيادات الأجهزة الأمنية حرية التصرف، بنفس الطريقة التي تمارس الآن في مدن الضفة الغربية، عهود يساق فيها المجاهدون والمناهضون للتطبيع إلى نطع المؤامرة، دون أن يكون للمذبوحين حقّ أن يقولوا لا للقتل والاعتقال والتطبيع والارتماء في أحضان المشروع الصهيوأمريكي.

 المسلحون يهاجمون في الضفة الغربية أناسا أبرياء دون مبرر عسكري وميداني، هجوما يبرز بشكل واضح، المستوى الدمويّ الذي وصلت إليه ثقافة المؤسسة الأمنية، التي تستهدف بنية المجتمع الفلسطيني، وكأن هؤلاء الأبرياء العزل لا ينتمون للشعب الفلسطيني، الذي يعتبر عباس نفسه رئيسا له، فهم بعيدون عن غزة ولا يشاركون فيما يجري من أحداث، والأعراف العسكرية كافة تكفل لهم حق الحياة بكرامة دون المساس بهم، فلماذا يا ترى يسكت الرئيس عباس عن الاعتداءات المسلحة عليهم؟

 تلك الحقيقة الواضحة المدعمة بالدليل المادي ينبغي أن تدفع المثقفين والإعلاميين وأهل الرأي، نحو رؤية عميقة تسبر حجم المؤامرة وتكشفها للرأي العام، والتركيز على بلورة معادلة الصراع الحقيقية بين برنامجين أحدهما برنامج الإرادة الشعبية المقاومة، وبرنامج التطبيع والتضييع للشعب والقضية، دون خلط أوراق المعادلة.

 وفق تلك الحقائق الدامغة كان يفترض في الرئيس ومن حوله ممن يتحدثون عن الشرعية أن يحفظوا أمن المواطنين الأبرياء، دون أن يطلق أجهزته تحاسبهم على انتمائهم وفكرهم وشكلهم وهيئتهم بشكل لا ينفذه إلا مجرمو الحرب، بشكل يؤكد أن بعض أهل السلطة وعلى رأسهم الرئيس كان يريد أن يكون المشهد الميداني في غزة نسخة من المشهد في الضفة الغربية، بنشر الموت والرعب على الحواجز وفي البيوت والشوارع وفي كل ميدان. يؤكد هذه الفكرة صمت الرئيس المطبق وعدم اتخاذه إجراءات رادعة لأولئك الذين يروعون الأبرياء وينهبون أموالهم ويزهقون أرواحهم، ولا يطلق لسانه بتصريح عن الشرعية إلا حين يجد كفة القتلة في غزة تضعف، ويبقى صامتا تجاه قتل الأبرياء في الضفة الغربية.

فبأي موازين يزن عباس الأمور وهو رئيس يفترض فيه أن يكون رئيسا لكل الشعب الفلسطيني دون تمييز؟ وعلى من سيلقي باللوم حين ينفجر الوضع الميداني في الضفة الغربية، كما انفجر في غزة بعد صبر طويل على الإجرام المنظم الذي مارسته الأجهزة التابعة للرئيس. لعله حينها يطل على وسائل الإعلام بعد صمت، يدين الاقتتال موجها أصابع الاتهام للزمرة المستضعفة التي صبرت على القتل والتعذيب والسجن والملاحقة، دون أن يتدخل إلا عندما انفجرت وأعلنت رفضها لمخططات الإذلال والترهيب والقتل، وفي أحسن الأحوال يدين الأطراف دون تحديد الفئة المعتدية.

 فلتتوحد جهود حماس وفتح والتنظيمات الفلسطينية، ولينطلق الشرفاء والعقلاء والسياسيون من كل التنظيمات والفعاليات والاتجاهات، في الميادين: السياسي والقانوني والإعلامي لفضح مؤامرة الذين ينهشون لحم الشعب ويشربون دماءه، وليوقفوهم عند حدهم بكل الوسائل المشروعة الممكنة. وإلا فإن الأيام المقبلة قد تشهد انفجارا في مدن الضفة الغربية ومخيماتها، بآليات مختلفة وإمكانات غير متوقعة، وليتذكر الذين يمارسون الجريمة المنظمة، أن جيش الاحتلال الصهيوني لم يستطع تركيع إرادة الشعب الفلسطيني في المدن والمخيمات الفلسطينية ذات يوم، وأن حجم ضغط الإرادة يتبعه قوة هائلة في انفجارها وتداعياتها.

 ومن أراد معرفة حجم المؤامرة على الشعب الفلسطيني ومنجزاته ومقاومته فلينظر إلى المشهد الدموي في الضفة الغربية، سيجد الاعتداءات هناك تنفذ بحق أبرياء، في ظل صمت مطبق يمارسه الرئيس ومن حوله، تماما كما كانت تلك الجرائم تنفذ بحق أبرياء عزل في غزة بشبهة الانتماء وإطلاق اللحية ذات يوم، لقتل روح المقاومة وخنق أنفاس العزة والكرامة، وإيصال الشعب إلى حالة من الاستسلام والرضوخ يرضى من خلالها بكل حل يفرض عليه ويملى دون مناقشة، ولتتضخم جيوب المنتفعين وتجار الموت والدمار يوما بعد يوم دون خوف من سلطة قانون، إن الاعتداءات المسلحة بحق الأبرياء والمؤسسات الخيرية والثقافية والاجتماعية في الضفة الغربية، لخير دليل دامغ على دموية تيار التطبيع والاستسلام وإجرامهم، يتحمل مسئولية ذلك كله الرئيس عباس بما يمتلك من صلاحيات لم يستخدم أيا منها للجم المجرمين في غزة والضفة.