إنه صراع طويل المدى بين الوطنيين والخونة!!
إنه صراع طويل المدى بين الوطنيين والخونة!!
أ. د. سليمان صالح
الوطني يبرهن على حبه لوطنه بالدفاع عن استقلاله وحريته، وبالمحافظة على هويته، والعمل من أجل تقدمه. من يحب وطنه لا يتنكر لتاريخ الوطن.. ولا يستقوى بالأعداء على أبناء وطنه.
في كل الهزائم التي تعرضنا لها عبر تاريخنا الطويل تجد أن الخيانة هي أهم العوامل التي أدت إلى تلك الهزائم، فالخائن يتخفى بين أبناء الوطن ليشق صفهم، ويفتت وحدتهم، ويضللهم عن عدوهم الحقيقي، ويروج أكاذيب الأعداء، ويستخدم مصطلحاتهم، وينزع الشرعية عن كفاح الوطنيين باسم السلام والواقعية وعدم القدرة على المواجهة.
الخونة يشيعون الضعف واليأس والإحباط في صفوف أبناء الوطن حتى يفقدوا قدرتهم على مواجهة العدو، ويضربوا الوطنيين غدراً في ظهورهم وهم يواجهون الأعداء.
وكل المجتمعات عرفت الخيانة فأجمعت على اعتبارها أكبر الجرائم، وحددت لها عقوبات في القوانين تصل إلى الإعدام. أما من الناحية الاجتماعية فإن الخيانة تجلب العار ليس للخائن وحده ولكن لكل أصوله وفروعه.
والعدو دائماً يحاول أن يصل إلى بعض الأشخاص من محبي المال والترف وذوى النفوس الضعيفة فيقدم لهم الإغراءات ليخونوا وطنهم، ويستخدمهم لكشف أسرار الوطن، واكتشاف مواطن الضعف ليستغلها في إثارة الفتن.
أشد من القتل
والفتنة دائماً أشد من القتل فهي أهم عوامل إضعاف الأمة، ولذلك يستخدم الأعداء عملاءهم لإثارة تلك الفتن التي يذهب ضحيتها الكثير من أبناء الأمة.
وكلما زاد عدد العملاء والخونة زادت حدة الفتن وانقسمت الأمة إلى طوائف وجماعات تتصارع دون مبرر حقيقي.
ولقد ابتليت الأمة بعدد كبير من العملاء والخونة في تاريخها الحديث، لكن أخطر التطورات التي شهدناها أن هؤلاء العملاء أصبحوا يعلنون بوقاحة وسفاهة عمالتهم وخيانتهم، ويصل بهم الأمر إلى حد التفاخر بالخيانة.
لم يعد العملاء في عصرنا الحديث يستخفون بعارهم، بل أصبحوا يجاهرون بهذه الخيانة وهي أكبر الفواحش والآثام والجرائم.
ويطلق الخونة على أنفسهم بعض الأوصاف المضللة، والأسماء المصنوعة في الغرب.. حيث تصفهم وسائل الإعلام بالمعتدلين والواقعيين لكن تلك الأوصاف لا يمكن أن تخدع الناس طويلاً، فرائحة الخيانة مُنتنة وكريهة، وسرعان ما تثير اشمئزاز الناس.
لا يمكن أن يقتنع الناس بأن التخلى عن الحقوق والسيادة الوطنية عقلانية أو واقعية.. لا يمكن أن يقتنع أحد بأن التبعية والانكفاء تحت أقدام الأعداء وتنفيذ أوامرهم يمكن وصفه بالاعتدال.
الناس تعشق البطولة
والأمم تتفاخر بأبطالها ببساطة لأن هؤلاء الأبطال يصمدون ويقاومون ويقاتلون ويعملون لتحرير الوطن وحماية سيادته والحفاظ على حقوق أبنائه.
الأبطال يعيشون طويلاً في التاريخ الذي يتضوع طيباً بذكراهم، فلهم المجد والشرف، وكل أبناء الوطن يعتزون بهم كرموز تاريخية تساهم في زيادة فخر الإنسان بالانتماء للوطن.
الأمم تمجد أبطالها الذين يضحون بحياتهم من أجل الدفاع عن الوطن، وفي الوقت نفسه تحتقر الخونة الذين يبيعون الوطن من أجل ارضاء شهوات النفس في المال أو السلطة الزائلة.
التاريخ شهد الكثير من الخونة الذين جمعوا ثروات طائلة، وقضوا حياتهم في ترف، وأكلوا كما تأكل الأنعام، وتمتعوا بحياتهم الدنيا.. لكنهم تركوا لأنفسهم ولأهلهم العار في الدنيا، وويل لهم من عذاب الله.
هل تساوي الدنيا بكل متعها الزائلة أن يبيع الإنسان وطنه وأهله وهويته؟!
هل يمكن أن يوصف بأنه عاقل من يتحالف مع أعداء الوطن؟ وهل يمكن أن يباع الوطن ببرج أو بناطحة سحاب أو ببعض المال أو بسلطة أو بالجنسية الأمريكية؟ الذين باعوا أوطانهم بذلك الثمن البخس سيأتي اليوم الذي يندمون فيه، يوم تتحرر الأمة الإسلامية من سيطرة الاستعمار وقهر الاستبداد وثقافة التبعية، يوم يتحرر فيه الوطن من الاحتلال ويتحقق الاستقلال، وهو يوم حتماً سيأتي حتى وإن كان الثمن دماء ملايين الشهداء الأبطال.
في عيد الاستقلال
في ذلك اليوم ستكرم الأمة أبطالها الذين ضحوا بأرواحهم، وجاهدوا بأنفسهم وأموالهم وأقلامهم رغم أنهم لا ينتظرون تكريماً، ولم يجاهدوا ليحصلوا على مغنم، وأن أعظم ما يمكن أن يحصلوا عليه هو أن يشهدوا الوطن محرراً ومستقلاً يحكمه حاكم عادل، ويحصل فيه الناس على حقوقهم، فالإنسان لا يمكن أن يضحي بنفسه طمعاً في دنيا يصيبها، ولكن تلك التضحية بالنفس تتجلى عندما يتمكن الايمان ويملأ القلب.
لذلك ترتبط البطولة بالإيمان، فالأبطال طوال التاريخ يجاهدون لتحقيق فكرة آمنوا بها، والأفكار يموت من أجلها الرجال لكنها لا تموت، بل إنها تدب فيها الحياة عندما يضحي من أجلها الابطال بالأرواح والدماء والأموال.
والأفكار تقوى وتتوهج كلما سالت من أجلها أنهار الدماء، ولذلك فإن تلك الدماء الزكية التي تسيل على أرض فلسطين والعراق سوف تشعل في نفوس الناس الشوق للحرية والعدل والاستقلال الشامل وتحرير فلسطين، لذلك أرى يوم النصر يقترب، وأنا أتابع بحزن وأسى جنازات الشهداء، يوم أن فجر الصاروخ الاسرائيلي جسد الشيخ الثائر الشهيد أحمد ياسين بكيت حزناً وألماً لكنني من بين الدموع رأيت حقيقة واضحة هي أن حياة الشيخ الجميلة كان لابد أن تنتهي بالشهادة فهي أفضل خاتمة لرحلة الجهاد، وأن شهادته هي عنوان الحرية وضوء الانتصار.
بعد سنوات قاد تلاميذ الشيخ انتفاضة ثانية أذلوا فيها "إسرائيل" وقاوموا الاحتلال ببطولة، كانت تضحياتهم تثير الاعجاب، وثباتهم وصمودهم يثير الفخر ويبشر باقتراب الفجر.
شرعية البطولة
بعد سنوات حصل تلاميذ الشيخ على الأغلبية في انتخابات حرة، اختارهم شعب فلسطين ليقودوا كفاحه وجهاده، حتى يتم تحرير فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وحتى يتحقق حق العودة لكل فلسطيني طرد ظلماً من أرضه وداره، فهم الأمناء على هذا الحق، وشعب فلسطين فوض أبطال حماس ليحققوا له الأمن الذي حرم منه لسنوات طويلة بسبب العصابات المرتبطة ب"إسرائيل"، ولقد حاولت حكومة حماس أن تحقق الأمن بالاتفاق مع فتح، وفي إطار المشروع الوطني للمقاومة الذي يهدف لتحرير فلسطين، لكن عصابة الخونة المرتبطة بأمريكا و"إسرائيل" أصرت على بغيها واستقوت بالأعداء على أبناء الوطن، وأصرت على إفشال حكومة حماس.
من تحليل الأحداث استطيع أن أؤكد أن عصابة دحلان، والأجهزة الأمنية المرتبطة بالرئاسة الفلسطينية كانت قد أعدت خطتها بالاشتراك مع أمريكا و"إسرائيل" لتدمير حماس، وقتل قادتها، وأنه لو نجحت تلك الخطة لتم ذبح أنصار حماس في شوارع غزة بمباركة إسرائيلية وأمريكية.
لكن حماس عرفت الخطة قبل أن تنفذ وتحركت بسرعة، لكن العامل الأهم كان تأييد الله وإرادته ونصره. فلم يكن أنصار حماس يملكون أسلحة يواجهون بها القوة المستكبرة لعصابة دحلان، لكن الله سبحانه وتعالى نصر حماس بقوته وبفضله.
ولأول مرة في التاريخ يتحقق للناس الأمن في غزة. فلقد هربت العصابة الباغية التي كانت تسلب وتنهب وتقتل الرجال لمجرد إطالة اللحية، والنساء لمجرد ارتداء الزي الإسلامي. هربت عصابة الخونة لتنقلها الزوارق الإسرائيلية إلى حيث يتمتعون بالأموال التي حصلوا عليها مقابل خدماتهم ل"إسرائيل".
والصراع ممتد
مع ذلك فإن الصراع بين الوطنيين والخونة ممتد وطويل المدى، وسوف يتفجر عبر خريطة الوطن العربي كله، سوف ينحاز العملاء لآسيادهم في أمريكا و"إسرائيل"، وسوف ينحاز الوطنيون لوطنهم وأهلهم.
سوف تشهد الأمة خلال المرحلة القادمة صراعاً مريراً بين الوطنيين الذي يهدفون لتحقيق الاستقلال الشامل وتحرير الوطن، والخونة الذين يريدون أن يفرضوا على الأمة الاستسلام لأمريكا و"إسرائيل".
وفي العراق تزداد حدة هذا الصراع، فعملاء أمريكا يعرفون مصيرهم يوم أن يتحقق النصر، ولذلك فإنهم يريدون أن يظل الاحتلال ليحميهم، ومن أجل ذلك يحاولون إشعال الحرب الأهلية لتكون المبرر لبقاء الاحتلال.
وما يحدث في فلسطين والعراق مجرد جولات في الصراع الممتد والطويل بين الوطنيين والخونة، بين الحالمين بوحدة الأمة واستقلالها وحريتها وعبيد أمريكا و"إسرائيل" الذين يريدون أن يفرضوا على الأمة التبعية والسيطرة الأمريكية.
الوطنيون يحملون إيمانهم بالله وهو أقوى الأسلحة، ويكافحون لتحقيق استقلال وطنهم وحريته وتقدمه، والخونة يستقوون بقوة الأعداء، وبتلك الأسلحة والأموال التي حصلوا عليها ثمناً لخيانتهم.
الوطنيون يقاتلون من أجل الحرية، والخونة يسلبون وينهبون ويفسدون في الأرض ويكشفون أسرار الوطن للأعداء، ويقتلون الوطنيين بكل قسوة، ويحرقون المؤسسات الخيرية التي ترعى الأرامل والأيتام لمجرد أنها تنتمي للوطنيين الحماسيين.
الوطنيون يقومون بتوعية الأمة وتعليم أبنائها، وزيادة اعتزاز الناس بالانتماء للوطن والفخر بالهوية، والخونة يضللون الناس ويزيفون وعيهم، وينشرون الثقافة الاستهلاكية الهابطة لتحقيق مصالح الاستعمار، ولفرض السيطرة الثقافية الأمريكية.
المعركة ممتدة وطويلة الأمد لكن لابد أن يجمع الوطنيون الشرفاء قواهم ويوحدوا صفوفهم وينوعوا أساليب كفاحهم، ويركزوا على توعية الجماهير.
ومهما طالت المعركة فإن النصر قادم وسوف تمجد الأمة الإسلامية أبطالها وتكرمهم وتفخر بكفاحهم.. أما الخونة فإن الأمة تحتقرهم مهما كدسوا من أموال في بنوك أوروبا وأمريكا، ومهما بلغ ارتفاع أبراجهم. ويجب أن يعلموا أن أمريكا أيضاً تحتقرهم وتعاملهم كعبيد مهما بالغوا في خدمتها وإرضائها حتى وإن منحتهم الجنسية الأمريكية.. إن كل ما سيحصلون عليه هو العار في الدنيا وعقاب الله في الآخر.